كارنيجي: دول المنطقة تغير تكتيكاتها بعد تحويل البوصلة عن أمريكا

الاثنين 4 أكتوبر 2021 11:10 م

اتهم الجمهوريون في الكونجرس إدارة "بايدن" بحجب تقرير تعده وزارتا الخارجية والدفاع عن الإمبراطورية المالية لـ"حزب الله". ويعد هذا التقرير بالغ الأهمية للجمهوريين، وفقا لما أوردته الصحيفة المحافظة "واشنطن فري باكون".

وقال النائب الجمهوري "بات فالون" للصحيفة: "تفكر إدارة بايدن في رفع العقوبات الاقتصادية عن لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية الضخمة التي تعصف بالبلاد، وقد تسعى لخطة إنقاذ للبنان بالرغم أن حزب الله وحده هو المسؤول عن الخراب الاقتصادي للبنان".

ومع أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على السياسيين اللبنانيين وأعضاء "حزب الله" وشركائه، إلا أنه لا توجد مؤشرات بأن واشنطن ستمنع خطة إنقاذ للبلاد من صندوق النقد الدولي، بل إن إدارة "بايدن" تسعى مؤخرا إلى مساعدة الجيش اللبناني، فيما كان وفد من الكونجرس في بيروت في سبتمبر/أيلول لدراسة طرق مساعدة البلاد.

وصرح أحد أعضاء الوفد وهو "ريتشارد بلومنتال"، قائلًا: "لن أرفض محاكاة مصغرة لخطة مارشال بالنسبة للبنان لأن مصالحنا الأمنية تعتمد عليها" (خطة مارشال هي مشروع اقتصادي أمريكي لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية).

ولا تعد هذه بالتأكيد اللهجة التي تستخدم مع الدول الخاضعة للعقوبات، بل إن رفض الإدارة الأمريكية الإفراج عن تقرير وزارتي الخارجية والدفاع يأتي وسط تقارير منفصلة تقول إن إدارة "بايدن" تستعد للتنازل عن العقوبات الاقتصادية على نظام "الأسد" في سوريا لتسهيل صفقة طاقة مع لبنان.

وتنطوي الصفقة المعنية على إرسال الغاز الطبيعي المصري عبر خط أنابيب إلى لبنان من خلال الأردن وسوريا لتزويد محطة دير عمار اللبنانية بالقرب من طرابلس. ويواجه لبنان أزمة حادة من استمرار انقطاع التيار الكهربائي وسط نقص الأموال والوقود، وستساعد الخطة على توفير الطاقة للاقتصاد اللبناني المأزوم.

ولكن هذه الخطة تتطلب إصادر الولايات المتحدة إعفاءات ليس للبنان فحسب، بل أيضا للأردن ومصر، حتى لا يواجهوا عقوبات بموجب قانون قيصر، الذي فرضته الولايات المتحدة لمعاقبة الجهات التي تتعاون مع النظام السوري.

وكانت السفيرة الأمريكية في بيروت "دوروثي شيا" هي من أعلن عن صفقة الغاز في أغسطس/آب ولكن الطلب الأولي بالسماح بها جاء من الملك "عبدالله" في الأردن عندما زار واشنطن في يوليو/تموز، كما ذكر السياسي اللبناني "سعد الحريري" خطة الغاز بعد أن التقى المسؤولين المصريين في القاهرة في 16 يوليو/تموز. ويشير ذلك إلى أن مصر والأردن كانتا متفقتين بشأن لبنان وتمكن البلدان من إقناع إدارة "بايدن" بدعم نهجهما.

الفشل الأمريكي يغير التكتيكات

وفي حين أن ظاهر الخطة هو إمداد لبنان المأزومة بالغاز، إلا أن الجوهر الحقيقي هو أن مصر والأردن تبحثان عن طرق لإعادة إدماج سوريا مع الدول العربية. وتسعى هذه الدول لاستخدام الانفراجات الأمريكية تجاه سوريا ولبنان لتحدي النفوذ الإيراني في كلا البلدين.

وإذا كان هذا صحيحا، فسيشير إلى تغيير ملحوظ في المواقف العربية تجاه الجمهورية الإسلامية. فحتى وقت قريب، كان هناك أمل لدى العديد من الدول العربية بأن تحتوي الولايات المتحدة وإسرائيل التوسع الإيراني في المنطقة حيث ظلت سياسة احتواء إيران جزءا من النهج الأمريكي منذ فترة طويلة، لدرجة أن إدارة "كلينتون" اقترحت ما أسمته "الاحتواء المزدوج" لكل من إيران و"صدام حسين" قبل 3 عقود.

وبدا أن اتفاقيات التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل العام الماضي كانت خطوة أخرى في هذا الاتجاه، فقد كانت وسيلة كتلة لموازنة النفوذ الإيراني بعد أن تقاعست الولايات المتحدة في عهد "دونالد ترامب" عن الرد على الهجمات الإيرانية ضد السفن السعودية والإماراتية في مايو/أيار 2019، وتردد "ترامب" الواضح في التدخل نيابة عن حلفائه السعوديين بعد هجمات الطائرات المسيرة الإيرانية ضد منشآت "أرامكو" في خريص وبقيق في سبتمبر/أيلول 2019.

ويبدو واضحا أن الاحتواء الأمريكي لإيران قد فشل، فبالرغم من عقود من العقوبات، توسع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، واستغلت طهران الانقسام والعجز العربي لصالحها.

ولكن إدراك أن إسرائيل ستتردد في شن حرب ضد إيران تزعزع استقرار المنطقة طالما لم تتمتع بدعم الولايات المتحدة، قد دفع الدول العربية لتغيير تكتيكاتها.

البحث عن أوراق نفوذ جديدة

وتشير سياسة الدول العربية تجاه سوريا ولبنان إلى أنهم قرروا الانخراط مع دولتين تمتلك فيهما إيران نفوذًا كبيرًا، على عكس السعودية التي قطعت انخراطها مع لبنان تماما حيث رأت أنها قضية خاسرة.

ويعد النهج السعودي في لبنان مثالًا واضحًا على الفرص الضائعة، ففي حين استفاد الإيرانيون من علاقاتهم مع الحوثيين في اليمن لسحب السعودية إلى مستنقع، إلا أن السعودية تخلت عن أوراق لعبها في لبنان، والتي تشمل وجود مجتمع سني كبير كان يبحث عن راع إقليمي لمقاومة "حزب الله".

ويشير سلوك الدول العربية حاليا إلى أنها تراهن على حشد تحالفاتها والمتعاطفين معها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مما يجعل لديها فرصة أفضل لإجبار إيران على مراعاة مصالح الدول العربية مقارنة بالفرصة التي يوفرها الاعتماد على الأسلحة الأمريكية أو الإسرائيلية، ولذلك عادت الدول العربية إلى السياسة.

وبالنظر إلى الدول التي تلعب فيها إيران دورا مهيمنا (مثل سوريا واليمن ولبنان، والعراق) فإنها تضم إما أغلبية سنية أو أقليات كبيرة معادية لإيران، مما يخلق يخلق فرصُا لإجبار إيران على قبول تسويات.

وبطريقة ما، فإننا نشهد عودة الشرق الأوسط إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما تم تقسيم دول المنطقة داخليا وفقا للميول السياسي مثل تفضيل الناصرية أو البعثية أو الشيوعية أو الهاشمية أو الغرب.

واليوم، انفتحت المنطقة أيضًا على الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية المتنافسة، مثل إيران وتركيا وإسرائيل وروسيا وفرنسا، مما يوفر الفرص لموازنة الجهات الأخرى.

مناورة لأجل التوازن الإقليمي

هذا هو الجانب الآخر من صفقة الغاز المصري مع لبنان، ويبدو أن إدارة "بايدن" قد تبنت هذا المنطق، فقد كان هدف إدارة "أوباما" توفير التوازن الإقليمي الذاتي بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، وهو ما يبدو أن "جو بايدن" يوافق عليه اليوم.

وكان "باراك أوباما" قد صرح ذات مرة أن "المنافسة بين السعوديين والإيرانيين، التي ساعدت في تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن، تتطلب منا أن نقول لأصدقائنا، وكذلك الإيرانيين، أنهم بحاجة إلى إيجاد طريقة فعالة لمشاركة الجوار وترسيخ نوع من السلام البارد على الأقل".

ويبدو أن هذه الرسالة أصبح لها صدى الآن في العالم العربي. فمع تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، تراكم الدول العربية بطاقات اللعب الخاصة بها على المستوى الإقليمي.

وفيما تركز النقاشات في واشنطن على تقييم الإدارة الأمريكية والآثار المحلية لأدائها، فإن دول الشرق الأوسط تطبق تكتيكات لعب جديدة لتحصيل النفوذ في منطقة تحولت بوصلتها بعيدا عن الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة.

المصدر | مايكل يونج/ كارنيجي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة الانسحاب الأمريكي الشرق الأوسط إيران إسرائيل حزب الله

رئيس الموساد السابق: بايدن لن يستطيع سحب قواته من الشرق الأوسط