استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بين الحرية والتحرر

الثلاثاء 5 أكتوبر 2021 04:02 ص

الحرية والتحرر

الحرية حالة يتولد عند بلوغها استقلال ذاتي وهي حالة موضوعية قبل أن يكتسبها المرء فتصير ذاتية.

التحرر فاعلية ذاتية واعية وإيجابية، نازعة إلى بلوغ الحرية لكنها ليست فاعلية فردية بل فاعلية جماعية تأتيها جماعات لا أفراد.

الأنكى والأمر حين تكون دول الغرب الكبرى شريكاً رئيسياً في حرمان شعوب وأوطان من حقها المقدس في التحرر ونيل الاستقلال.

الحرية بدون تحرر مشروع إنساني منقوص وطالما ظلت الليبيرالية فكراً وواقعاً اجتماعياً تتجاهل التحرر فلن تكون «حريتها» معطى إنسانياً شاملاً.

الاحتلال والاستيطان وتزوير التاريخ وقهر الشعوب وقمع حركاتها الوطنية بالحديد والنار كلها تفضح مزاعم «العالم الحر» وتضع الاستفهام على ثقافة تمييزية!

لا تستطيع «حضارة الحرية» بالغرب استيعاب أن الحرية تستحيل اليوم مع استمرار أشكال متجددة من الاستعباد تمنع مجتمعات وشعوباً من تحقيق الحرية أسوة بالغرب.

*     *     *

ينتمي مفهوم الحرية إلى إطار فكري مرجعي هو الفكر الفلسفي الليبرالي، ويكتسب دلالته فيه من حيث هو المفهوم المركزي الذي تتفرع منه مفاهيم ذلك الفكر.

أما التحرر فمفهوم تكوّن داخل مرجعية فكرية أخرى مختلفة: اجتماعية، وطنية، اشتراكية، وليس يمكن البحث عن أصول أي منهما في الآخر، لاختلاف المنابت، ولأن كلاً منهما يقترن بإشكالية مختلفة في السياسة والاجتماع.

ومعنى ذلك أن التقارب الاصطلاحي بين اللفظين، الذي قد يوحي بالتطابق في المعنى بينهما، أو حتى بالمشابهة، ليس قرينة على قرابة دلالية ما بين مفهومين يسبحان في حقلين متمايزين.

يمكننا التمييز بينهما ابتداء من باب التحديد العام الذي ينصرف إلى بيان وضع كل منهما. الحرية في هذا النوع من التحديد، حالة هي تلك التي يتولد منها، عند من يبلغها، استقلال ذاتي. وهي حالة موضوعية قبل أن يكتسبها المرء فتصير ذاتية.

أما التحرر ففاعلية ذاتية واعية وإيجابية، نازعة إلى بلوغ تلك الحال التي نطلق عليها اسم الحرية، لكنها ليست فاعلية فردية؛ بل هي فاعلية جماعية تأتيها جماعات لا أفراد، ولا تكون حرية الفرد من أهدافها إلا بما هي جزء من حرية مجموع اجتماعي.

مجال الحرية هو مجال الحقوق السياسية داخل الدولة. وعليه، ما إن تتجسد حالة الحرية في أفراد مجتمع ما، حتى تصبح علاقة سياسية. نحن هنا، لا نلتفت إلى المعنى الميتافيزيقي للحرية؛ أي بما هي شعور جواني بغناء الذات عن غيرها، بقطعها كل أواصر التبعية بمحيطها الخارجي.

هذا الشعور بالامتلاء والكفاية وهمي متى وضع الفرد خارج ذاته؛ أي في نطاق علاقات الاجتماعي والسياسي. ما يهمنا منها هو معناها الذي تكتسبه داخل بيئة العلاقات المجتمعية والسياسية؛ أي ذاك الذي يجعل منها علاقة سياسية هي، بالتعريف، علاقة فرد بالدولة، بما هو مواطن فيها.

تصبح الحرية، بهذا المعنى، حقاً من حقوق المواطنة، وهو حق تكفله الدولة وقوانينها لمواطنيها المرتبطين بها بعلاقة ولاء.

قوانين الدولة لا تكفل شيئاً اسمه التحرر نظير كفالتها الحرية. التحرر يتولد من الوعي بالحاجة إلى تحقيق الحرية، بوصفها حالة جماعية. والغالب على فكرة التحرر ودعوتها أن تنبثق من مجال آخر هو مجال المجتمع، وأن تكون أداتها الجماعات الاجتماعية (طبقة، شعب، أمة، جماعة قومية فرعية) لا الأفراد!

لذلك لا يدخل مفهوم التحرر في منظومة مفاهيم الفكر السياسي الليبرالي، لأنه لا يشير إلى أي علاقة سياسية داخل نظام الدولة الوطنية، بينما هو يمثل المفهوم الرئيسي في خطاب الحركات الوطنية والثورية، لأنه يشير إلى فعل سياسي جماعي (وطني) هادف إلى تحقيق الاستقلال الذاتي لجماعة مهضومة الحقوق الوطنية، وواقعة في ربقة استعباد قوة أجنبية غاشمة.

وينبغي التمييز هنا بين التحرر والتحرير لعدم تطابق معنييهما دائماً. التحرير يقع على موضوع: أرض، وطن، سيادة، قرار مصادر. أما التحرر فهو الفعل الذي قد ينتهي إلى تحرير المرغوب تحريره.

وقد يقع فعل التحرر من دون أن يكون القائمون به ينعمون بالاستقلال الناجز، ومع ذلك فهم يكونون وهم يمارسونه قد بلغوا لحظة استقلال الإرادة وتحررها مما يكبلها ويفرض عليها الأمر الواقع.

غير أن التحرير، بما هو عملية تحقيق إرادة التحرر، يمتنع عن الكينونة من دون أن يكون مسبوقاً بفاعلية التحرر التي تجعله أمراً ممكناً.

لا تستطيع «حضارة الحرية» في الغرب أن تستوعب أن الحرية هذه القيمة العظيمة التي كافحت من أجلها البشرية طويلاً تستحيل اليوم مع استمرار وجود أشكال متجددة من الاستعباد تمنع مجتمعات وشعوباً، برمتها، من أن تحتاز هذه الحرية وتنعم بها أسوة بمجتمعات الغرب.

والأنكى والأمر حين تكون دول كبرى في الغرب شريكاً رئيسياً في حرمان تلك الشعوب والأوطان من حقها المقدس في التحرر ونيل الاستقلال.

إن الاحتلال والاستيطان وتغيير معالم الأرض، وتزوير التاريخ، وقهر الشعوب المحتلة أراضيها، وقمع حركاتها الوطنية بالحديد والنار، ودمغ مقاوماتها المشروعة بتهمة الإرهاب، والاعتقالات الجماعية لأبنائها، وهدم الدور والمؤسسات، وجرف الأشجار والمزروعات، ومصادرة الأراضي، وتعطيل القرارات الدولية التي أنصفت البعض القليل من حقوقها الوطنية، واستخدام سلاح النقض للتغطية على جرائم الاحتلال، كلها تفضح مزاعم «العالم الحر» وتضع الاستفهام على ثقافة تمييزية تفرق في الإنسانية المعاصرة بين بشر يستحقون الحرية وآخرين يليق بهم الاستعباد والاحتلال ومحو الشخصية الوطنية!

الحرية من غير تحرر مشروع إنساني منقوص. وطالما ظلت الليبيرالية فكراً وواقعاً اجتماعياً تتجاهل التحرر، فلن تكون «حريتها» معطى إنسانياً شاملاً.

* د. عبد الاله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

الحرية، التحرر، الغرب، نيل الاستقلال، حضارة الحرية، الاستعباد، العالم الحر، الاحتلال، الاستيطان، الليبرالية،