استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

معاقبة أذربيجان على انتصارها

السبت 9 أكتوبر 2021 04:59 م

معاقبة أذربيجان على انتصارها

تتطّع إيران إلى أن تكون جارتها الصغيرة مطواعة وأن تمتثل لمقتضيات التحالف الإيراني الروسي.

تتحمّل أذربيجان قدراً كبيراً من المسؤولية إذ تجعل البلاد مسرحاً لصراع إقليمي بين إسرائيل وإيران على أراضيها.

تخشى طهران من ضربةٍ إسرائيلية تستهدف المنشآت النووية تنطلق من الأراضي الأذرية، في ضوء التهديدات الإسرائيلية العلنية في هذه الآونة.

سارعت أذربيجان الجديدة لنسج علاقاتٍ مع إسرائيل خلافاً للاتجاه الكاسح بالعالم الإسلامي وهو ما رأت فيه إيران مبرّراً لسلبيّتها شبه الدائمة نحو أذربيجان.

تقول إيران إنها لن توافق على "تغييرات جيوستراتيجية" بالحدود أي أنها لا تقبل نتائج حرب استرداد ناغورني كاراباخ انتهت بوقف إطلاق النار رعته روسيا.

*     *     *

مضى عام على حرب ناغورني كاراباخ التي حقّقت فيها أذربيجان نصراً عسكرياً على جارتها وغريمتها أرمينيا. ومع أن الطرف الخاسر تقبّل الهزيمة ونتائجها بصورة واقعية، إلا أن أطرافاً "ثالثة" لم تقبل نتيجة تلك الحرب، فأذربيجان في جنوب القوقاز هي إحدى الدول "الصغيرة"، ذات الموقع الحساس التي تعيش تحت وطأة التهديدات وصراع النفوذ بين الدول الكبيرة والكبرى.

وفي الوقت نفسه، فإنها تتحمّل جزءاً من المسؤولية عن وضعها الحالي، نتيجة سياسات تجريبية، وتقييمٍ متسرّعٍ لحماية مصالحها الوطنية وأمنها القومي. ويمثل التوتر الإيراني الأذري الحالي صورةً فاقعةً عن هذه السياسات الإقليمية والداخلية في البلدين وتأجيجها التوتر.

فالنظام "الثوري" الإيراني نظر بتوجّس إلى استقلال أذربيجان في عام 1990، وتأخر في الاعتراف باستقلال هذه الدولة عن النفوذ السوفييتي، نتيجة رواسب تاريخية عن أن أذربيجان جزء من الدولة الإيرانية قبل قرون، ولكون محافظات إيرانية في شمال البلاد، تتمتع بأغلبيةٍ أذريةٍ، ما قد يشجع هؤلاء على الانفصال والالتحاق بالدولة الوليدة.

أما أذربيجان الجديدة قبل ثلاثة عقود فقد سارعت إلى نسج علاقاتٍ مع تل أبيب خلافاً للاتجاه الكاسح في العالم الإسلامي آنذاك، وهي جزء منه، وهو ما رأت فيه إيران مبرّراً لسلبيّتها شبه الدائمة نحو باكو، رغم أن أرمينيا، الدولة التي استقلت بالتزامن مع استقلال أذربيجان، أقامت بدورها علاقات مع تل أبيب، إضافة إلى الحليفة الكبيرة لإيران، وهي روسيا.

لا تنفي أذربيجان علاقاتها بإسرائيل، لكنها تشدّد على أن أية قوة أجنبية لن تقف داخل الأراضي الأذرية على الحدود الطويلة مع إيران (760 كيلومتراً). والذي حدث، منذ بداية الشهر الماضي (سبتمبر)، أن باكو أخذت تمنع مرور شاحناتٍ محمّلةٍ بالنفط إلى أرمينيا عبر الأراضي الأذرية، في مناطق سيطرت عليها أذربيجان في العام الماضي في حربها لاستعادة ناغورني كاراباخ التي استعادتها بالفعل، مع مناطق محيطة بها.

وتسوّغ باكو ذلك بأن طهران لم تُبرم اتفاقاً معها بخصوص مرور هذه الشاحنات، إذ تتصرّف طهران، وكأن شيئاً لم يتغيّر في تلك المنطقة خلال العام الماضي.

والآن، تقول إيران، بلغةٍ فخيمةٍ، إنها لن توافق على "تغييرات جيوستراتيجية" على الحدود، ومغزى ذلك أنها لا تقبل نتائج تلك الحرب التي انتهت بوقف إطلاق النار رعته حليفتها روسيا في مثل هذه الأيام من العام الماضي.

وتقول، إلى جانب ذلك، إن الوجود الإسرائيلي في هذا البلد القوقازي هو مصدر قلقها، وهو أمر مفهومٌ ومبرّر، مضيفةً أن أذربيجان تسمح لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالوجود على أراضيها، ما يُحتسب في عداد البروباغندا الإيرانية، إذ يتم، على الدوام، استخدام ورقة "داعش" للتغطية على أي خلاف مع أي جهة، رغم أنه لا دليل على وجود هذا التنظيم الإرهابي على أرض أذربيجان. ورغم أن لإيران دواعشها التي تخضع لعقوباتٍ غربيةٍ وإقليمية.

وهكذا، وفي مُقتبل عهد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين عبد اللهيان، تصاعد التوتر فجأة. وبدلاً من معالجة الخلاف على مرور شاحناتٍ كان وما زال يمكن تسويته بمباحثات مباشرة، سارعت إيران لإجراء مناورة عسكرية ضخمة على حدود أذربيجان.

وأرفقتها برسائل علنية مفادها بأن جارتها هي المقصودة، وأن قوةً عسكريةً إيرانية كبيرةً سوف تبقى رابضة على الحدود، وردّت أذربيجان بإجراء ثلاث مناورات عسكرية، شاركت فيها جورجيا وتركيا وباكستان إلى جانب القوات الأذرية.

لم يكن استحضار حرب العام الماضي في ناغورني كاراباخ التي لم تبتلع طهران نتائجها المحرّك الوحيد، إذ إن هواجس ايران تمتد إلى الاتفاق النووي الغربي ومفاوضاته المتعثرة في فيينا مع الولايات المتحدة، إذ تخشى إيران من ضربةٍ إسرائيلية تستهدف المنشآت النووية تنطلق من الأراضي الأذرية، وذلك في ضوء التهديدات الإسرائيلية العلنية في هذه الآونة.

وهنا تتحمّل باكو قدراً كبيراً من المسؤولية، إذ تجعل البلاد مسرحاً لصراع إقليمي على أراضيها. ورغم أن إيران لم يسبق أن ردّت على عشرات الهجمات الإسرائيلية المتعاقبة على قواتها في سورية، إلا أنها تستشعر الخطر هذه المرّة بعد سوابق إسرائيلية نالت من منشآتها النووية وحياة خبرائها.

والآن، تقع هذه المنشآت مجدّداً في دائرة التهديد السياسي والعسكري من الدولة العبرية. وتكراراً، تتحمل باكو قدراً من المسؤولية، لأنها أبقت على تعاونها العسكري مع إسرائيل نهباً للتقديرات والتكهنات الخارجية المتضاربة.

ولم تنجح في رسم صورةٍ تظهر فيها أن هذا التعاون محدودٌ ومؤقت مثلاً، ولا ينعكس على قراراتها السياسية والسيادية، وأنها لن تسمح بأن تستخدم أراضيها قوةٌ أجنبية لمهاجمة دولة ثالثة.

علماً أن واقع الحال يفيد بأن التعاون الواسع متعدّد المستويات بين باكو وأنقرة، وبالذات على مدى العقد الماضي، كان من شأنه عملياً تقليص الحضور العسكري والأمني الإسرائيلي، بدليل أن حرب ناغورني كاراباخ أخيراً قد حققت نتائجها بفضل الدعم التركي، وليس أي طرف آخر، وهو ما جهرت به موسكو في حينه، وهي التي كانت وما زالت تدعم أرمينيا، وكما هو حال إيران الأقرب إلى أرمينيا منها إلى أذربيجان.

وإلى ما تقدّم، يعدّ الصراع على أسواق النفط والغاز مُحرّكاً رئيسياً للخلافات، وخصوصاً مع العقوبات النفطية التي تتعرّض لها طهران، ومع كون الدولة "الصغيرة" أذربيجان ذات شأن ووزن في عالم الطاقة، فعديد من طرق النقل الدولية في منطقة بحر قزوين إما تنطلق منها أو تمرّ من أراضيها.

ولهذا تستخدم إيران نبرة التهديدات، إذ تتطلع إلى أن تكون جارتها "الصغيرة" مطواعة، وأن تمتثل لمقتضيات التحالف الإيراني الروسي (ذكر الوزير عبد اللهيان أن بلاده تنسّق سياستها في جنوب القوقاز مع روسيا)، وأن لا تنتهج نهجاً مستقلاً في تنويع علاقاتها مع دول العالم وتمتينها مع الغرب، وأن تضع المصالح الإيرانية والروسية في الاعتبار الأول، مع السعي إلى تحقيق حلم قديم في "استعادة" هذه الدولة، ذات العشرة ملايين نسمة، 85% منهم من الشيعة، غير أنهم ينتسبون إلى أرومة تركية، وهذا ما يجعل الرئيس التركي، رجب أردوغان، يصف علاقة بلاده بأذربيجان بأنها علاقة "شعب واحد في دولتين".

بينما يبقى الوجود الإسرائيلي في هذا البلد، على حساسيته وخطورته، سطحياً وتقنياً بغير عمق ثقافي، فيما الصراع الإيراني المتشعب والجوهري، كما تنبئ الوقائع، هو مع تركيا في القوقاز وآسيا الوسطى، وما يتيسّر من مناطق أخرى، وليس مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

* محمود الريماوي كاتب صحفي وقاص أردني/ فلسطيني

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

أذربيجان، إيران، إسرائيل، تركيا، الملف النووي، الثورة الإيرانية، ناغورنو كاراباخ، حسين أمير عبد اللهيان،