استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الفلسفة لا تؤدي إلى الإلحاد ..السياسة تفعل!

السبت 23 أكتوبر 2021 08:26 ص

 الفلسفة لا تؤدي إلى الإلحاد ..السياسة تفعل!

لا توجد إحصائية حول عدد من تأثروا بدعاة الإلحاد في المجتمع الثقافي أو الأكاديمي لكنهم لا يشكلون نسبة ملحوظة.

لا يجب أن نخشى من الفلسفة أو أية أفكار تُعمِل العقل في مراجعة الدين ذلك أن الفلاسفة لا يسببون في بلادنا إلحادا.. لكنَّ الساسة يفعلون!

"موجة" أو "موضة" إلحاد بدات تتشكل بالعالم العربي في العقد الأخير تعود إلى التلاعب بالدين على أيدي القوى السياسية التي خسرت السلطة أو كسبتها.

الفلسفة لا تؤدي إلى إلحاد إلا عند من لديه استعداد لحياة عدمية عامرة بتلبية شهوات النفس والبدن والرغبة بأن ينتهي كل شيء دون مسؤولية بمجرد دخول "اللحد"!

*     *     *

إذا أحصينا في مصر عدد الفلاسفة والمفكرين الذين دعوا إلى التشكيك في الدين في الجيل الحالي فسنجدهم لا يتجاوزون عشرة عقول. معظم هذا العدد كان كاتبا حرا يصدر أفكاره أو كتبه أو مقالاته للجمهور العادي وقليل منهم كان من أساتذة الجامعة.

لا أستطيع أن أحكم على مدى تأثير المفكرين من خارج الجامعة على الإلحاد في الشارع لكن عندي بعض تجارب مع الأكاديميين.

حين كنا طلابا في الجامعة كان لنا زملاء في أقسام الفكر والفلسفة والأدب العربي وكانوا يشتكون من الأساتذة الذين يدعونهم إلى الإلحاد بطريقة غير مباشرة. كان هناك دوما ثلاثة أمثلة يضربها هؤلاء الطلاب نقلا عن أساتذتهم في قاعات الدرس الجامعي:

- "الكتب المقدسة تسأل عن الخمر والميسر وتعدد الزيجات ونحن اليوم نريد أن نسأل عن الدولار والنفط والذرة والطاقة النووية، فماذا ستفيدنا آيات الخمر والميسر بعد كل هذه القرون الطويلة؟ الكتب المقدسة نزلت لزمان وانقطع تأثيرها ويجب علينا أن نقطع علاقتنا بها لانقطاع زمانها".

- "النص الديني مثله مثل أي نص أدبي أو مقطوعة سردية لقاص أو شاعر، ولا يمكن استثناء هذا النص من النقد والمراجعة، وبوسعنا أن نرى فيها كل أساليب تحليل النص فنقول هذا تشبيه ركيك، وهذا مثال في غير موضعه، وهذه عبارات على غير ترتيب وتنظيم".

- الكتب المقدسة أقرب إلى "سوبر ماركت" (وهو وصف استخدمه أكبر أستاذ في الفلسفة لهذا التيار). في هذا المتجر الكبير يمكن أن تجد كل ما تريد لأنه يجمع بين الشيء ونقيضه".

ما يدعو للسخرية أن عددا ليس بالقليل من زملاء الدراسة الذين تخرجوا من تحت أيدي هؤلاء الأساتذة هم الآن ملتحون ويواظبون على كل مناسك وطقوس التدين وبعض الفتيات منهن ارتدين النقاب ولم يكتفين بالحجاب!

صحيح أنه لا توجد إحصائية حول عدد من تأثروا بدعاة الإلحاد في المجتمع الثقافي أو الأكاديمي لكني أزعم أنهم لا يشكلون نسبة ملحوظة.

من وجهة نظري، التي تقبل النقد والتصويب، فإن الناس تلحد لأسباب أخرى: عقوق الأبناء للوالدين، خيانة زوجية، إفلاس مالي وانتحار، مرض خبيث مفترس يزعزع العقيدة ويشكك في وجود إله لا يستجيب للدعاء.

يبدو  لي أن هذه الفئة من حالات الإلحاد كانت دوما حاضرة عبر العصور، لكن ما يمكن أن نسميه "موجة" أو "موضة" إلحاد بدات تتشكل في عالمنا العربي بشكل ملحوظ في السنوات العشر الأخيرة وبوسعي ان أرجعها – ويرجعها كثيرون غيري – إلى التلاعب بالدين على أيدي كل القوى السياسية التي خسرت السلطة أو التي كسبتها.

الفلسفة لا تؤدي إلى الإلحاد إلا عند من لديه استعداد للحياة العدمية العامرة بتلبية شهوات النفس والبدن والرغبة في أن ينتهي كل شيء دون مسؤولية بمجرد الدخول إلى "اللحد" أي القبر وهي الكلمة التي جاءت منها فكرة الإلحاد (لا حساب بعد الموت).

على المستوى الأكاديمي والتدريس الجامعي نادرا ما ينجح أحد دعاة مذهب فلسفي في توصيل مذهبه لطلابه حتى النهاية إلا في حالات نادرة وبصعوبة بالغةـ ومرد ذلك أنه إنسان حي يتحرك أمام طلابه فيختبرون ما يقول مع ما يفعل.

خذ عندك مثلا أستاذا كان يدرس سنوات طويلة "جغرافية العدالة الاجتماعية" وكان مثار سخرية طلابه خلال حديثه عن العدالة لأنه كان– رغم ثرائه ورغم ما جمع من مال من سفر ووظائف إدارية مرموقة– يجبرهم على شراء كتابه المقرر وإلا رسبوا في الامتحان. هذا الأستاذ هو أكبر تناقض مع نفسه ومثار سخرية للطلبة وقدم فشلا ذريعا للنظرية التي كان يبشر بها عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والمساواة وإعانة الفقراء.

أستاذ شاب آخر كان يدرس "علم المنطق" لطلابه عدة سنوات وكوَّن شعبية جارفة مع طلابه لمهارته في التدريس. ومع أول اختبار حقيقي انضم إلى فريق من جامعي المصالح المالية وأهل النفاق ونشر صور فعالياته هذه على الفيس بوك فقام طلابه بغزو صفحته والتعليق عليها بعبارة تكاد تكون مشتركة وهي: قتلت "المنطق" بشلل رعاش يا دكتور.

لدينا أستاذ شهير كان ينشر كتبه وأبحاثه مهاجما الإسلام ومشككا في رسالة نبيه وسافر إلى مؤتمر دولي وكان يرافقه أستاذ أصغر سنا يسير على نفس خطاه ويحاول أن يقلده، وما إن انتهى الأستاذ الأصغر من عرض ورقته التي تقدح في الإسلام وتهاجم الرسول إلا وانبرى الأستاذ الأكبر ينافح عن الدين ويرفض أن يمس الرسول بأي نقد في هذا المحفل الأجنبي.

وحين سأله تلميذه مصدوما: أنا لا أردد سوى بضاعتك التي علمتني إياها فأجابه "نحن ننتقد هناك في بلادنا وليس أمام الأغراب!!"

لم تكن هذه هي الإجابة الصحيحة في الحقيقة لأن العارفين بالناقد الكبير يفسرون الأمر على أنه لم يكن يريد أن يظهر أحد غيره في الصورة ولم يكن يريد لأحد أن يشغل كرسي المستنير الكبير مخلص الدين من شوائبه إلا هو  "وحده لا شريك له".

يبدو أنني قد أطلت عليكم في حديث متشعب ذو شجون، والشجون كما تعلمون لا تعنى آلام ومتاعب بل تعني تشعبات وتفرعات.

وحتى أنهي هذا الحديث المتشعب المتفرع ألخص مقصدي في كلمتين:

لا يجب أن نخشى من الفسلفة أو أية أفكار  تعمل العقل في مراجعة الدين. ذلك لأن الفلاسفة لا يسببون في بلادنا إلحادا....لكنَّ الساسة يفعلون.

* د. عاطف معتمد عبد الحميد أستاذ الجغرافيا بجامعة القاهرة

المصدر | facebook.com/atef.moatamed

  كلمات مفتاحية

إلحاد، الفلسفة، السياسة، الدين، الإسلام، الرسول، الكتب المقدسة، الساسة، الفلاسفة،