استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

جزّ العشب أم جزّ الشعب؟

الجمعة 29 أكتوبر 2021 07:20 ص

جزّ العشب أم جزّ الشعب؟

أساليب جديدة في حرب الإبادة المادية والمعنوية، ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

مرحلة جديدة من مراحل الصراع الوجودي التي انطلقت من مرتبة "جزّ العشب" إلى مرتبة جزّ الشعب!

إسرائيل ليست دولة ديمقراطية ليبرالية تسمح بوجود منظمات مجتمع مدني بل هي نظام أبارتهايد يطبّق ديكتاتورية عسكرية على أساس عرقي.

لا يمكن التكهّن بالحال التي ستصل إليها الأوضاع في فلسطين في ظل الوحشية الصهيونية وتعميق تأسيس دولة فصل عنصري كاملة الأوصاف.

مائة عام من محاولة محو الفلسطينيين من الخريطة لم تنجح إلا في إقناع الفلسطيني أن السبيل الوحيد للتعامل مع جزّ الشعب هو جزٌّ مقابل ولو بعد حين: الجزّ مقابل الجز! لكن كيف، ومتى؟ الزمن كفيلٌ بالإجابة.

*     *     *

مع كلّ يوم جديد، يجترح الكيان الصهيوني أساليب جديدة في حرب الإبادة المادية والمعنوية، ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فيما يبدو أنها مرحلة جديدة من مراحل الصراع الوجودي التي انطلقت من مرتبة "جزّ العشب" إلى مرتبة جزّ الشعب!

يبدو أن ما يقوم به الاحتلال اليوم هو استدراكٌ لما "ندم" عليه بن غوريون في سياق ما تسمّى "حرب الاستقلال"، حين قال إنه كان على عصابات القتل الصهيوني تفريغ الأرض الفلسطينية بشكلٍ كاملٍ من الشعب الفلسطيني، بالقتل والتهجير.

وحيث إن سياسات "الترانسفير" الجماعي المباشر للشعب باتت متعذّرة في هذا العصر، فلا بد من استكمال سياسة بن غوريون، ولو بطريقة أخرى، تعتمد سياسة تهجير "الوعي" وكيّه بشكل متوحش، ومحاولة الإجهاز على الوطنية الفلسطينية، عبر جنود الاحتلال وجرائمهم اليومية، أو "جنود" سلطة رام الله، الذين يقومون بكل ما في وسعهم لإحباط أي محاولةٍ لمقاومة الاحتلال.

وذلك بعكس مما ينادي به خطاب السلطة الرسمي الذي يعتمد على "استنهاض" جثّةٍ ميتةٍ تسمى "المجتمع الدولي" لحماية الشعب تحت الاحتلال، فيما ترتكب أجهزة أمن السلطة أبشع جرائمها المتساوقة مع جرائم الاحتلال.

آخر "نضال" السلطة، مثلاً، ما كشفت عنه القناة 12 العبرية من أن أجهزة أمنها اعتقلت الأسير المحرّر عزت الأقطش، الذي ينتمي لحركة الجهاد الإسلامي، منذ حوالي أسبوعين، وجاسر دويكات، عضو حركة فتح وقريب أحد المتحدّثين باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية ووالده ضابط كبير بالسلطة الفلسطينية، وأمجد أبوسكر، وهو نقيب في الأمن الوطني الفلسطيني.

ووفق القناة فإنّ "التهمة" الارتباط بتنظيم حركة الجهاد الإسلامي، بتوجيهاتٍ من غزة، ومن هناك كان التمويل، حيث اشتروا أسلحةً، بهدف تنفيذ عمليات ضد الاحتلال في الضفة المحتلة أو داخل الكيان.

قد يقول قائل هنا إن الإعلام العبري يحاول الإيقاع بين الشعب وسلطته، وإن هذا الإعلام ليس مصدراً موثوقاً، والحقيقة أن هذه الأخبار متّسقة تماماً مع ما تقوم به السلطة التي تعلن صباح مساء مناهضتها للمقاومة، واعتماد سياسة "المقاومة الشعبية"، وهو شعارٌ فارغٌ من أي مضمون، وتكذّبه وقائع "التنسيق الأمني" ومنجزاته!

*     *     *

هذا الأسبوع قفزت سياسات الاحتلال قفزة جديدة، تطبيقاً لسياسة جزّ الشعب الفلسطيني، بشكل فظ ومتوحش، خطوة أحدثت ما يشبه "الصدمة"، حتى في أوساط ما بقي من اليسار الصهيوني، ودفع بعض الجهات الدولية إلى طلب "إيضاحاتٍ" من الكيان حول هذه الخطوة، فقد أصدر وزير حرب الصهاينة قراراً باعتبار ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية "إرهابية".

وهي خطوة وصفتها افتتاحية صحيفة هآرتس العبرية بـ"وصمة على إسرائيل"، وفجّرت جدلاً واسعاً في الإعلام العبري، بشأن المدى الذي يريد الاحتلال الوصول إليه في سياساته المتوحشة ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

نظرة سريعة على طبيعة عمل هذه المؤسسات يصيب المراقب بالدوار، فيما يتعلق بمغزى القرار الصهيوني، وسياسات الاحتلال التي تتسّع بتعريف "الإرهاب"، بحيث يشمل كلّ ما يقوم به الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، كتابة أو غناء أو همساً، أو حتى نية!

وهو، في هذا، يعتمد على قانونٍ شرس، خاص بمكافحة "الإرهاب" صادق عليه الكنيست عام 2016، وتنصّ المادة 24أ منه على ثلاث سنوات سجناً لكل شخص "يقوم بعملٍ يتماهى فيه مع منظمة إرهابية، بما في ذلك عن طريق نشر إعجاب أو دعم أو تأييد".

يكتب الكاتب العبري يونتان بولاك (هأرتس، 10/2021) بعنوان "بتسيلم"، أن مهاجمة المجتمع المدني وتحطيمه هي من أسس النظام الإسرائيلي. هكذا تصرّفت إسرائيل منذ إقامتها، سواء ضد رعاياها الفلسطينيين في المناطق التي احتلتها في 1967، وهناك كل منظمة سياسية أو شبه سياسية ممنوعة فعلياً.

وحتى قبل ذلك، ضد مواطنيها الفلسطينيين في المناطق التي فرضت عليها سيادتها في 1948. هكذا تم إخراج حركة "الأرض" خارج القانون في الستينيات، وهكذا أحبطت إسرائيل، بواسطة الاعتقالات الإدارية، نشاط لجنة التنسيق العربية، وهي التنظيم الذي سبق لجنة المتابعة العليا، إلى أن تم إخراجها خارج القانون في 1982 بعد سنة من تشكيلها.

إلى أن يقول: "إذا دخلت هذه الأوامر حقاً إلى حيز التنفيذ وتم تطبيقها، فإن استمرار الحفاظ على قواعد اللعب التي تمليها إسرائيل، بشكل أحادي الجانب، لا يترك لمن يلعب طبقاً لها أي دور سوى دور ورقة التين التي تغطّي الأبارتهايد الإسرائيلي. أمام تصفية منظمّات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الفلسطينية، فتبقى أمام نظيراتها الإسرائيلية فقط خياراً حقيقياً واحداً.

"بتسيلم" و"يوجد حكم" (وهما منظمتان إسرائيليتان تناهضان الاحتلال)، هذا من غير اللطيف قوله، لكن حان الوقت لإغلاق "البسطة" وعرض الأمور على حقيقتها كما هي: إسرائيل ليست دولة ديمقراطية ليبرالية تسمح بوجود منظمات مجتمع مدني، بل هي نظام أبارتهايد يطبّق ديكتاتورية عسكرية على أساس عرقي.

لستُ هنا معنياً بالأثر الذي تُحدثه سياسات الاحتلال على مستوطنيها اليهود، خصوصاً من يحملون فكراً يسارياً ويناهض الاحتلال، فهؤلاء باتوا في تصنيف "دواعش اليمين الصهيوني" مجرّد خونة للبلاد، ودمهم مستباح.

لكن الأهم هنا التوصيف الأخير الذي أطلقه على الكيان، نظام أبارتهايد، وهي فكرة يجب البناء عليها وتسويقها دولياً، لدى من يناضلون مدنياً ضد الاحتلال، تأسيساً على ما يتضمنه قانون "مكافحة" الإرهاب الصهيوني الذي يتسم بالإرهاب، ويتّسق مع سياسة جزّ الشعب الفلسطيني، لا جزّ العشب الذي يوصف بأنه "ضارّ".

في السياق نفسه، تكتب موريا شلوموت، المديرة العام لجمعية "آباء ضد اعتقال الأطفال" (هآرتس، 25/10/2021) تحت عنوان "إذا كان الأمر كذلك، يا غانتس، فأنا إرهابية فخورة":

"نحن نعيش في عالم هستيري ومقلوب. إذا كان الإرهابي هو الذي يدافع عن حقوق الأطفال، ويعمل من أجلهم وينقذهم ممن يمارسون عليهم الإرهاب السياسي، فماذا نسمّي الجيش الإسرائيلي والمنظمات التي تحرم الأطفال من حقوقهم، وتعرّض حياتهم وأمنهم للخطر؟".

لا أحد يمكن أن يتكهّن بالحال التي ستصل إليه الأوضاع في فلسطين، في ظل هذه الوحشية الصهيونية وسياسة تعميق تأسيس دولة فصل عنصري كاملة الأوصاف.

لكن ما هو مؤكّد أن مائة عام من محاولة محو الفلسطينيين من الخريطة لن تنجح إلا في إقناع الفلسطيني أن الطريق الوحيد للتعامل مع سياسات جزّ الشعب هو جزٌّ مقابل، حتى ولو بعد حين: الجزّ مقابل الجز! لكن كيف، ومتى؟ الزمن كفيلٌ بالإجابة.

* حلمي الأسمر كاتب صحفي من الأردن

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

فلسطين، جز العشب، الإبادة الجماعية، بن غوريون، حقوق الإنسان، فصل عنصري، الصهيونية، أبارتهايد، الإبادة، التنسيق الأمني، السلطة،