استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ذاكرة الأمريكيين وتاريخهم

الخميس 4 نوفمبر 2021 04:41 ص

ذاكرة الأمريكيين وتاريخهم

المسألة العرقية لعبت ولاتزال تلعب دورًا مهمًا في تشكيل المؤسسات والهياكل الأمريكية حتى اليوم.

أنصار تفوق العرق الأبيض منشغلون حاليا ليس بمحاربة سياسات عامة يرونها تدعم الأقليات بل بمحاربة نظرية علمية!

المؤسسات والهياكل المختلفة من نظم التعليم والقضاء الجنائى وسوقى العمل والإسكان ونظام الرعاية الصحية تتخللها العنصرية عبر قواعد وإجراءات صريحة وضمنية.

نظرية المسألة العرقية صارت فجأة جزءًا من خطاب إعلام اليمين ومنظمات يمينية شديدة التطرف وبعضها مرتبط بالحزب الجمهورى بنسخته الحالية بعد أن صار حزب ترامب.

من يرون الحديث عن العنصرية المؤسسية تهديدًا لأمريكا ذاتها لا يفرقون بين اتهامهم كأفراد بالعنصرية وعنصرية الهياكل والمؤسسات مما يفضح المسكوت عنه بمواقفهم السياسية وتوجهاتهم.

*     *     *

التراجع عن الحقوق المتساوية لسود أمريكا يحدث اليوم بمعدلات غير مسبوقة. فهو طال، ليس فقط الحق فى التصويت بالانتخابات العامة، وإنما وصل لما يتلقاه تلاميذ المدارس عن تاريخ بلادهم. وهي قصة تحمل مفارقات ذات دلالات مهمة.

أولى تلك المفارقات أن أنصار تفوق العرق الأبيض منشغلون هذه الأيام ليس بمحاربة سياسات عامة يرونها تدعم الأقليات، وإنما بمحاربة نظرية علمية!

والنظرية التى يشنون حملة شرسة ضدها ليست جديدة وإنما برزت منذ سبعينيات القرن العشرين، أى حين بدأ التراجع عن مكتسبات الحقوق المدنية. وهى لم تُنشر فى الإعلام وإنما ظلت فى الحدود الأكاديمية ونُشرت بدوريات علمية محكمة.

والنظرية قدمت بالأدلة العلمية أطروحة مؤداها أن المسألة العرقية لعبت ولاتزال تلعب دورًا مهمًا فى تشكيل المؤسسات والهياكل الأمريكية حتى اليوم.

فالمؤسسات والهياكل المختلفة من نظام التعليم للنظام القضائى الجنائى، ومن سوقى العمل والإسكان لنظام الرعاية الصحية تتخللها العنصرية عبر عشرات القواعد والإجراءات الصريحة والمسكوت عنها والتى تؤدى فى الواقع المعيش إلى تمييز صارخ ضد السود.

أما المفارقة الثانية فهى أن تلك النظرية التى لم يهتم بها سوى الأكاديميين وطلاب الجامعات المعنيين بدراسة المسألة العرقية صارت اليوم فجأة جزءًا من الخطاب العام لإعلام اليمين ولمنظمات يمينية بعضها شديد التطرف وبعضها الآخر مرتبط بشكل وثيق بالحزب الجمهورى، فى نسخته الحالية، بعد أن صار حزب ترامب.

فقد انضم للحملة أعضاء بالحزب فى الكونغرس وبالمناصب المنتخبة بالولايات. وأطلق هؤلاء حملة بالغة الشراسة على النظرية تتهمها بأنها «غير وطنية» تحط من قدر أمريكا ذاتها وتتهمها بالعنصرية، وتنكر أنها نظام «ديمقراطى يقوم على المساواة بين الجميع».

وقد نجح أولئك الجمهوريون بالمجالس التشريعية فى ثمانى ولايات فى إصدار قوانين تحظر تدريس تلك النظرية فى المدارس، بينما يستعدون فى عشرين ولاية أخرى لإصدار تشريعات مماثلة. وكل ذلك بدعوى أنها تولد لدى التلاميذ البيض شعورًا بالذنب.

المفارقة الثالثة أن النظرية لم تكن تُدرس أبدًا بالمدارس في أي مرحلة من مراحل التعليم ما قبل الجامعى، بل إنها حتى ليست جزءًا مما يدرسه الطلاب بالضرورة فى تعليمهم الجامعى.

أكثر من ذلك، فإن الكتابات الأكاديمية التى تستخدم النظرية لا تدين مطلقًا البيض كأفراد، حتى تكون سببًا فى خلق الشعور بالذنب، وإنما هى معنية بالهياكل والمؤسسات والإجراءات وتأثيرها على واقع السود.

غير أن الأخطر من هذا كله أن تلك التشريعات التى صدرت فى الولايات لا تذكر النظرية بالاسم، وإنما تحظر أي مناقشة بالمدارس لأي شيء قد يُنظر له باعتباره تمييزًا أو قهرًا، صريحًا أو ضمنيًا، ضد أى جماعة أمريكية، أو ما قد يمثل مزايا صريحة أو ضمنية لجماعة أخرى.

ورغم أن المعركة كلها قد تبدو عبثية، كونها تدور حول نظرية لم تكن تُدرس أصلًا، إلا أنها ذات أبعاد خطيرة لأن تشريعاتها الفضفاضة التى لا تذكر النظرية بالاسم تنطبق على التاريخ الأمريكى كما تنطبق على الحاضر، الأمر الذى يحظر عمليًا تقديم التاريخ للأطفال الأمريكيين بشكل أمين يسمح لهم بتعلم دروسه.

غير أن المعنى الكامن وراء الحكاية برمتها له دلالاته التى تستحق التأمل.

فالذين يرون فى الحديث عن العنصرية المؤسسية تهديدًا لأمريكا ذاتها لا يفرقون فى الحقيقة بين اتهامهم كأفراد بالعنصرية وبين عنصرية الهياكل والمؤسسات، الأمر الذى يفضح المسكوت عنه فى مواقفهم السياسية وتوجهاتهم.

ولأن التجربة الأمريكية تجربة إنسانية فإنها تحمل دروسًا مهمة تتعلق بالذاكرة الجمعية للأمم وكتابة تاريخها.

* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.

المصدر | المصري اليوم

  كلمات مفتاحية

أمريكا، الحقوق المتساوية، سود أمريكا، المسألة العرقية، منظمات يمينية، العنصرية المؤسسية، الهياكل،