الارتفاع العالمي لأسعار الوقود يكشف ثغرات في عملية الانتقال للطاقة النظيفة

الأربعاء 10 نوفمبر 2021 06:24 م

في31 أكتوبر/تشرين الأول انطلقت في مدينة جلاسكو الأسكتلندية قمة المناخ "كوب 26" (COP26) التي تستمر أسبوعين ويبحث فيها قادة العالم سبل التقليل من الانبعاثات الكربونية والحد من الاحتباس الحراري.

ويعد المؤتمر هو السادس والعشرون الذي تعقده الأمم المتحدة حول هذا الموضوع وسيقوم قادة العالم بمراجعة البيانات وتحديد أهداف الانبعاثات واتخاذ قرارات رئيسية بشأن تنسيق رد الفعل العالمي على تغير المناخ.

ويعد الحد من استهلاك الوقود الأحفوري والتحول إلى مصادر أنظف للطاقة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، خطوة رئيسية لحماية البيئة وتجنب التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتغير المناخ.

ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الطاقة في الفترة الماضية أثار مخاوف جدية بشأن مسار وسرعة التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية. ويعد أبسط تفسير لارتفاع الأسعار هو أن الطلب على الطاقة يتجاوز العرض.

من ناحية الطلب، أدى الانتعاش الاقتصادي من الوباء إلى زيادة استهلاك النفط مع استئناف السفر، وقد حفز الطقس الذي يتسم ببرودة استثنائية في أوروبا على زيادة استخدام الوقود الأحفوري كمصدر للتدفئة.

أما العرض فهو مقيد بفعل عوامل مختلفة، طبيعية ومن صنع الإنسان؛ حيث أدت الأعاصير إلى إغلاق مصافي النفط في خليج المكسيك، وأدت العلاقات السياسية المتوترة بين الصين وأستراليا إلى قرار بكين وقف استيراد الفحم من كانبيرا، كما أدت فترة الهدوء الممتدة فوق بحر الشمال إلى تقليص إنتاج توربينات الرياح المولدة للكهرباء.

قوة البقاء للوقود الأحفوري

لا يستثمر العالم ما يكفي في الوقود الأحفوري لتلبية احتياجاته المستقبلية من الطاقة، كما إن عدم اليقين بشأن السياسات ومسارات الطلب سيخلق خطرًا قويًا من التقلبات المستقبلية في أسواق الطاقة. وقد خفّض منتجو النفط الرئيسيون استثماراتهم في الوقود الأحفوري بشكل كبير مما أدى إلى تناقص العرض. وفي الوقت نفسه، لا يوجد لدى العالم طاقة خضراء كافية لتحل محل الوقود الأحفوري.

ويحذر تقرير "أوبك" حول النفط في عام 2045 والمنشور مؤخرًا من أن نقص الاستثمار يعد أحد أكبر التحديات التي تواجه صناعة النفط. وقد تفاقم نقص الاستثمار بسبب الوباء والضغط من قبل المجموعات البيئية لتجنب تطوير الوقود الأحفوري في المستقبل، مما أدى إلى انخفاض إجمالي الاستثمار في النفط والغاز في عام 2021 بنحو 26% عن مستويات ما قبل الوباء.

ومن أجل تلبية الطلب العالمي على الطاقة وكذلك التطلعات المناخية، يجب أن تنمو الاستثمارات في الطاقة النظيفة من حوالي 1.1 تريليون دولار هذا العام إلى 3.4 تريليونhj دولار سنويًا حتى عام 2030. وتتجلى زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجدة في تضاعف حجم الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية بين عامي 2015 و 2020، وبالرغم من ذلك ظلت حصة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة العالمي ثابتة حيث لا يزال الوقود الأحفوري يوفر نحو أربعة أخماس احتياجات العالم من الطاقة.

يمكن رؤية مثال جيد على هذا الطموح للتحول إلى الكهرباء والطاقة المتجددة وحقيقة هيمنة الوقود الأحفوري في تزايد شعبية السيارات الكهربائية. وبالرغم أن البترول يعمل حاليًا على تغذية الغالبية العظمى من السيارات حول العالم، إلا أن العديد من الحكومات الغربية طورت مؤخرًا سياسات لتحفيز التحول السريع إلى السيارات الكهربائية.

بالإضافة إلى ذلك، تراهن جميع شركات صناعة السيارات الأمريكية والأوروبية الكبرى تقريبًا، بما في ذلك "جنرال موتورز" و"فولكس فاجن" و"فولفو"، على إنتاج السيارات الكهربائية وقد حددت تواريخ مستقبلية لن يصنعوا بعدها سيارات تعمل بالبنزين.

ومع ذلك، فإن بناء البنية التحتية اللازمة ومحطات الشحن سيستغرق وقتًا طويلاً. وبالنظر إلى الهيمنة الحالية للسيارات التي تعمل بالبنزين، فمن غير المرجح أن تختفي في أي وقت قريب.

وكما هو متوقع، استجابت أسواق الطاقة العالمية للإشارات المتناقضة من صانعي السياسات ومرونة الوقود الأحفوري. وتضاعفت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي أكثر من 4 مرات لتصل إلى مستويات قياسية في أوروبا وآسيا. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن استمرار هذه الارتفاع العالمي في الأسعار غير مسبوق.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، سجلت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة أعلى مستوى لها في 13 عامًا تقريبًا. وبالمثل، وصل سعر خام برنت 85 دولارًا للبرميل وهو أعلى سعر مسجل منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014. أخيرًا، وصلت أسعار الفحم إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2001.

الآثار الاستراتيجية

على عكس العديد من السلع الاقتصادية الأخرى، فإن التغيرات في أسواق الطاقة لها آثار جيوسياسية مهمة وفورية. وبالفعل، استجاب كبار المستهلكين والمنتجين للديناميكيات المتغيرة في مشهد الطاقة. وبالرغم أن الولايات المتحدة تعد لاعباً رئيسياً في تجارة النفط العالمية، فقد انخفض إنتاج الولايات المتحدة بشكل حاد بعد وصول وباء "كورونا" في مارس/آذار 2020 حتى أن الإدارة الأمريكية فكرت في بيع جزء من الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة أو حظر صادرات النفط الخام.

وإدراكًا منه أن ارتفاع أسعار الطاقة يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التضخم وتثبيط الانتعاش الاقتصادي، حث الرئيس الأمريكي "جوبايدن" منظمة "أوبك" على زيادة إنتاج النفط بسرعة أكبر لتخفيف قيود العرض.

وبالمثل، يبدو أن معظم الدول الأوروبية تحركت بسرعة كبيرة بعيدًا عن الوقود الأحفوري دون مراعاة المصادر المتجددة التي ستحل محلها. نتيجة لذلك، تسعى أوروبا الآن جاهدة للعثور على الغاز لاستخدامه في مصانعها التقليدية المتبقية.

وبالرغم أن أوروبا وسعت قدرتها على استيراد الغاز الطبيعي المسال، فقد ارتفع الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير مما أدى إلى منافسة شديدة بين المستهلكين الأوروبيين والآسيويين على إمدادات الغاز المحدودة.

وجادلت بعض الحكومات الأوروبية بأن أسعار الغاز المتقلبة تعزز الحاجة إلى الإسراع نحو الطاقة المتجددة. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن الأسعار المرتفعة قد تؤدي إلى رد فعل عنيف ضد مصادر الطاقة المتجددة إذا بدأ المستهلكون في الاعتقاد بأن سعر تحول الطاقة مرتفع للغاية.

لقد أتاح العرض المحدود للغاز وارتفاع أسعاره فرصة غير متوقعة لروسيا لتوسيع وترسيخ نفوذها السياسي في أوروبا. وقد عرض الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" علانية المساعدة في تهدئة أزمة الغاز الطبيعي من خلال زيادة صادراته إلى القارة الأوروبية. ويعد أحد العوامل المهمة التي تساعد على ذلك هو استكمال خط أنابيب "نورد ستريم 2 الجديد" الذي يربط روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق ولكن لم يبدأ تشغيله بعد. وحث المسؤولون الروس الحكومة الألمانية على تسريع موافقتها التنظيمية.

ومع تأجيل ألمانيا هذه الخطوة بسبب المخاوف من النفوذ الذي ستكسبه موسكو من مثل هذا الترتيب، وجدت روسيا عملاء في أماكن أخرى؛ حيث برزت الصين في نصف العقد الماضي كمستورد رئيسي للغاز الروسي. وتضيف هذه المنافسة الأوروبية الصينية مزيدًا من الضغط على إمدادات الغاز الروسي، وتؤدي بالطبع إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر.

أخيرًا، سعت الدول المنتجة للنفط في الخليج إلى تحقيق توازن بين المخاوف البيئية والحاجة إلى توفير إمدادات كافية من النفط والغاز لدعم الانتعاش الاقتصادي العالمي. وتخطط "أرامكو" السعودية لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط من 12 مليون إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027. وتخطط شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" لإنفاق 122 مليار دولار لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط من 4 ملايين إلى 5 ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية العقد.

وفي ذات السياق أبرم العراق العديد من الصفقات الكبرى مع شركات النفط الأجنبية لمساعدة شركة النفط الوطنية الحكومية على تطوير حقول جديدة وتحسين الإنتاج من الحقول القديمة.

وتنفق قطر ما يقرب من 30 مليار دولار لزيادة طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال الهائل. وقد حثت الدوحة شركات النفط العالمية والحكومات الغربية على قبول حقيقة أن الغاز الطبيعي أنظف نسبيًا من الفحم والنفط لذا يجب أن يكون جزءًا من عملية التحول. وقد أنشأ أمير قطر في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وزارة البيئة وتغير المناخ، بينما تعهد ولي العهد السعودي بصافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060.

وكان أحد الاتجاهات التي من المحتمل أن تثير الانتباه في جلاسكو هو انخفاض حصة النفط من الطاقة العالمية من حوالي 50% في السبعينيات إلى 29%، وهو اتجاه يعزى إلى الاستخدام المتزايد للغاز الطبيعي والمصادر المتجددة. ومع ذلك، فإن الارتفاع الأخير في أسعار الطاقة يؤكد مخاطر تقليص إنتاج الوقود الأحفوري بسرعة كبيرة دون إمدادات كافية من الطاقة الخضراء.

وإجمالا، هناك حاجة إلى التوازن بين المخاوف البيئية واستقرار سوق الطاقة. وفي حين لا يمكن التقليل من أهمية معالجة تغير المناخ، فإن العواقب السياسية والاقتصادية للانتقال الخاطئ من الوقود الأحفوري قد تكون وخيمة. وبينما تتجمع دول العالم في جلاسكو لتحديد أهدافها، يجب عليهم التفكير بعناية في هذه المشكلة.

المصدر | جودت بهجت - منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الوقود الأحفوري أسعار الطاقة الغاز المسال الغاز الروسي أسعار النفط

مع تفاقم أزمة الطاقة.. سعر الغاز في أوروبا يسجل رقما قياسيا