قواعد اللعبة.. تغييرات ضرورية لبدء مرحلة جديدة من الديمقراطية بالكويت

الجمعة 10 ديسمبر 2021 01:36 م

تنفس كثير من الكويتيين الصعداء في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن أصدر أمير البلاد "نواف الأحمد الجابر الصباح" مرسوما بالعفو عن عدد من الناشطين السياسيين المدانين في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011. وقضى بعض هؤلاء الناشطين مدة عقوبتهم وأُطلق سراحهم في حين نجح آخرون في الفرار من البلاد منذ ذلك الحين قبل أن يصدر مرسوم العفو الأميري الأخير.

وبصدور المرسوم الأميري، توقع العديد من المحللين والخبراء أن يستأنف المعارضون العائدون أنشطتهم السياسية، مع تكهنات عن حقبة جديدة تضع توترات الماضي وراءها وتتطلع إلى المستقبل. لكن الخلافات المستمرة تثير التساؤل، فهل تدخل الكويت حقا مرحلة جديدة؟

ومن المفهوم الاعتقاد بأن التوترات الكويتية قد خفت، بالنظر إلى الخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها بالفعل، بما في ذلك العفو واستقالة الحكومة. ومع ذلك، ليس من المؤكد أن هذه التغييرات تشير إلى "مرحلة جديدة"؛ لأن معايير الديمقراطية داخل الكويت لم تتغير حتى الآن.

وبدون تغييرات في "قواعد اللعبة"، سيستمر أعضاء الحكومة والبرلمان في استخدام نفس الأساليب، وسيكررون في النهاية نفس الأخطاء التي أدت إلى الأزمة الأخيرة. وللحفاظ على الديمقراطية، تحتاج الكويت إلى تغييرات على عدة مستويات. وسيكون من الصعب تنفيذ بعض هذه التغييرات، وستتطلب خطوات تاريخية وبعيدة المدى، لكن إجراء معظمها أصبح سهل نسبيا.

تمثيل جميع الكويتيين

وتعد الفكرة الأولى التي من شأنها تحسين الوضع الراهن هي زيادة كبيرة في عدد أعضاء البرلمان المنتخبين. ولمدة 60 عاما، ظل العدد ثابتا عند 50 عضوا منتخبا و15 غير منتخب. لكن خلال تلك العقود الستة، تزايد عدد سكان الكويت بشكل كبير. وتشير التقديرات إلى أن عدد من لهم حق الاقتراع في أول انتخابات نيابية يمثل نحو 3% من الناخبين الحاليين في البلاد.

وهناك حاجة ماسة إلى زيادة كبيرة في حجم البرلمان لضمان تمثيل أفضل للجميع، لكن هذا التغيير سيتطلب تعديلا دستوريا يحتاج لأغلبية ساحقة في البرلمان، وهي عقبة لا يمكن عمليا مواجهتها في الأجواء الحالية للبلاد.

أما التغيير الثاني الضروري، وهو التغيير الذي يسهل إجراؤه نسبيا، هو قانون الانتخابات الكويتي. وسيكون هذا التغيير ممكنا إذا اتخذت السلطتين التنفيذية والتشريعية قرارا لإصلاح الأخطاء الموجودة في القانون الحالي، والتي ينتقدها معظم الكويتيين علنا، وكانت محور جهود الإصلاح لما يقرب من عقد من الزمان.

ويقسم القانون الحالي الكويت إلى 5 دوائر انتخابية، تنتخب كل دائرة 10 أعضاء، ولكل ناخب حق التصويت لمرشح واحد فقط. وقد جعل هذا القانون، أي قانون "الصوت الواحد غير القابل للتحويل"، من المستحيل تقريبا انتخاب كتلة إصلاحية في البرلمان يمكن أن تنسجم مع المجتمع الكويتي وتلبي مصالح الشعب. وإذا لم تأخذ السلطات الحاجة إلى قانون انتخاب جديد على محمل الجد، فإن الوضع السياسي في البلاد سيستمر في الركود، وستظل المصالح الشخصية تتفوق على المصلحة العامة.

والمجال الثالث للتغيير هو اللوائح التي تحكم عمل مجلس النواب. وتسمح هذه اللوائح حاليا لعضو واحد باستجواب أي وزير داخل الحكومة، حتى رئيس الوزراء، دون موافقة أي أعضاء آخرين. وأدت هذه القاعدة إلى اضطراب واسع داخل الحكومة. وفي كثير من الحالات، أخر أعضاء البرلمان البارزون الأعمال الرسمية وعرقلوا الأعمال ذات الصلة.

إصلاحات عملية أخرى

وإذا تم حل هذه المشاكل الثلاثة، سيصبح البرلمان الكويتي أكثر فاعلية، وسترتفع المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية. وفي ظل غياب المؤسسات التي تعمل على فهم الرأي العام، يكاد يكون من المستحيل معرفة ما يرغب فيه المواطنون بدقة من حكومتهم وبرلمانهم. وفي الوقت الحالي، لا يوجد سبب وجيه لعدم إنشاء هذه المؤسسات.

وربما لأسباب ثقافية، لم يطالب الجمهور بإنشاء هذه المؤسسات، لكن وجودها سيعطي المشرعين صورة أقرب عن الواقع؛ ما يحررهم من الأوهام حول ما يريده المجتمع. وفي ظل غياب المؤسسات التي لديها بيانات مؤكدة حول رغبات المواطنين الكويتيين، ملأت وسائل التواصل الاجتماعي الفجوة، وخلقت في بعض الحالات أخبارا لتبرير الافتراضات من الأفراد أو الجماعات.

ويشعر الكويتيون بالغضب من أنباء تراكم الثروات لدى بعض النواب. وتجاهلت البرلمانات المتعاقبة مطالب شعبية بالتحقيق في هذه الوقائع، ورفضت دعم تشكيل لجان قوية للنظر في نزاهة الأعضاء. ومن الواضح أن فكرة مساءلة الأعضاء لم يتم تنفيذها بشكل صحيح في تجربة الكويت الديمقراطية. وسيؤدي ترك هذه المشكلة دون حل إلى تصاعد حدة الغضب في الشارع الكويتي.

وبينما بدأت الأزمة السياسية بدعوات للعفو عن المعارضين وأعضاء البرلمان السابقين، فإن حل هذه المشكلة وحدها لم يعد كافيا. ولدى العديد من أعضاء البرلمان أجندة طويلة، ويتوقعون أن تلبي السلطة التنفيذية مطالبهم. ومن شأن ذلك أن يضع البلاد في أزمة جديدة قد تسقط الحكومة مرة أخرى.

وإذا حدث ذلك فستمر البلاد بأزمة أصعب مع عودة مخاطر الأوبئة، التي أثرت على قطاعي الصحة والاقتصاد ورفاهية المجتمع. وستختفي المناقشة المثالية الجارية حول "مرحلة جديدة" للديمقراطية الكويتية.

وتحتاج الكويت إلى جبهة موحدة لمواجهة التغييرات العديدة التي تحدث في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الاضطرابات في العراق بعد الانتخابات المتنازع عليها، والتصعيد المستمر في اليمن، ومواجهة لبنان لخطر الانهيار التام.

وستؤثر هذه التطورات بشكل واضح على أمن الكويت، وسيؤدي اختلاف الآراء الداخلية حول هذه القضايا إلى تأجيج المزيد من الانقسامات.

ويعد المجتمع الكويتي حيويا ويتغير مع مرور الوقت. ودون الاعتراف بالتغيرات المجتمعية ووضع القواعد المناسبة لإدارة المجتمع والسلطة التشريعية بطريقة فعالة، ستفقد الحكومة العديد من الفرص المهمة لتطوير البلاد ولن تؤدي إلا إلى زيادة التوتر داخل المجتمع.

وطالما استمر أعضاء البرلمان في العمل من أجل مصالحهم الضيقة بدلا من المصلحة العامة، فسيخلقون المزيد من العقبات أمام الوصول إلى الحلول الصحيحة لمشاكل البلاد.

وإذا لم يضع المشرعون الكويتيون خطة تنمية ذات سمات واضحة يمكن أن تقنع الجمهور، فإن اللامبالاة تجاه الحكومة والبرلمان ستزداد، وستتصاعد التوترات داخل المجتمع.

المصدر | محمد الرميحي/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

البرلمان الكويتي الديمقراطية في الكويت الاقتصاد الكويتي مجلس الأمة