رغم الاختراق الدبلوماسي.. السلام بين تركيا وأرمينيا لن يكون سهلا

السبت 18 ديسمبر 2021 09:40 ص

أكدت تركيا وأرمينيا رسميًا تعيين مبعوثين خاصين لتمهيد الطريق لتطبيع العلاقات بعد عقود من العداء المتبادل. وأعلن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" هذه الأنباء ثم خرجت وزارة الخارجية الأرمينية لتؤيده حيث أكدت أن البلاد مستعدة لبدء عملية التطبيع مع تركيا "دون شروط مسبقة".

وفيما لم تسمّ أرمينيا مبعوثها بعد، فقد حددت تركيا مبعوثها وهو "سيردار كيليتش" سفير أنقرة السابق لدى واشنطن، وهو دبلوماسي مخضرم وموال للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".

لكن نغمة السلام القادمة من أنقرة ويريفان فاجأت الكثيرين، وطرحت أسئلة فيها شكوك من قبيل: لماذا لا تزال تركيا مهتمة بإصلاح العلاقات مع جارتها الصغيرة الحبيسة؟ وهل هي صادقة؟ ماذا ستستفيد أرمينيا؟ وهل ستخرب أذربيجان العملية مرة أخرى كما فعلت في عام 2009؟

لا تزال الآراء منقسمة، لكن معظم المحللين يعتقدون أن الطريق إلى السلام بين الخصمين التاريخيين مليء بالعقبات.

صراع ناجورنو كاراباخ

ظلت حدود تركيا مع أرمينيا مغلقة منذ عام 1993 تضامنا مع أذربيجان بشأن جيب ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه، كما أدى التدخل العسكري التركي إلى انتصار أذربيجان في حربها مع أرمينيا بشأن ناجورنو كاراباخ العام الماضي.

ودعمت إسرائيل أيضًا أذربيجان بالأسلحة والمستشارين العسكريين. واستمرت الهدنة الهشة التي توسط فيها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وتخللتها اشتباكات دامية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد أن خلف الصراع الذي استمر 6 أسابيع أكثر من 6500 قتيل.

ويعتقد "زاور شيرييف"، المحلل الأذربيجاني في "مجموعة الأزمات الدولية"، أن "التطبيع بين تركيا وأرمينيا هو النتيجة الطبيعية للحرب التي أزالت الظروف التي حالت دون التطبيع" (في إشارة لاحتلال أرمينيا لـ7 مناطق أذربيجانية حول ناجورنو كاراباخ في السنوات الأولى من الصراع والتي استعادت أذربيجان السيطرة عليها).

وقال مسؤول أرمني كبير، متحدثًا إلى موقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "رئيس الوزراء الأرميني "نيكول باشينيان يؤمن دائمًا بتطبيع العلاقات مع جيران أرمينيا وأن هذا يجب أن يحدث في أقرب وقت ممكن".

لكن المسؤول شدد على أنه إذا سعت تركيا إلى فرض شروط مسبقة، مثل مطالبة أرمينيا بالتخلي عن حملتها العالمية للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في عام 1915 وادعاءاتها بأحقيتها في ناجورنو كاراباخ، فإن عملية التطبيع ستولد ميتة، وقال المسؤول: "إذا كانت هذه هي الطريقة التي ستتصرف بها تركيا، فمن الأفضل ألا تبدأ".

ربط المفاوضات بأذربيجان

وقال "جاويش أوغلو" لدى إعلانه عن خططه لتعيين مبعوث خاص: "سنتشاور مع أذربيجان في كل خطوة على الطريق"، وأوصلت تصريحاته هذه رسالة بأن أنقرة لن تفعل شيئًا بدون علم باكو كما حدث في عام 2009 عندما تم التوقيع على بروتوكولات زيورخ مع أرمينيا.

ومن خلال القيام بذلك، تربط أنقرة فعليًا التقدم في تعاملاتها مع يريفان بالتقدم بين أذربيجان وأرمينيا للتوصل إلى اتفاق سلام شامل خاص بهما، وهو أمر غير مضمون على الإطلاق.

وأشار "شيرييف" إلى أن يريفان وأنقرة لن تتحدثا بعد الآن من خلال وسطاء وإنما بشكل مباشر من خلال مبعوثيهما وأن هذا يمكن أن يسهل من حدوث اختراق، كما أن المبعوث التركي "كيليتش" لديه اتصال مباشر بـ"أردوغان".

وأبدى المسؤول الأرميني شكوكه قائلاً: "ما زلت مقتنعا بأن هذه التحركات ليست سوى استعراض تركي أمام الأمريكيين والأوروبيين، لكي تكون أنقرة قادرة على القول إن هناك عملية، دون أن تلتزم فعلياً بنجاحها".

دور روسيا

توسط الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بين دول الاتحاد السوفييتي السابق وجمع "باشينيان" والرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود الشهر الماضي للتوسط في هدنة جديدة في أعقاب جولة قتال شرسة على طول خطوط وقف إطلاق النار، واتفق القادة على بدء مفاوضات لتحديد حدودهم الوطنية، لكن ناجورنو كاراباخ تظل الخلاف الأكبر المسكوت عنه.

وبدأ الاتحاد الأوروبي -المتهم بالبقاء سلبيًا لسنوات- مبادرة دبلوماسية خاصة به، حيث التقى رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل" بزعماء أرمينيا وأذربيجان في بروكسل هذا الأسبوع. وأشار المجلس الأوروبي في بيان إلى أن الاتحاد الأوروبي سيكون على استعداد لتقديم المساعدة الفنية لترسيم الحدود والدعم المالي لإعادة إنشاء روابط السكك الحديدية والطرق بين البلدين.

وقال "لورنس برويرس"، مدير برنامج القوقاز في "تشاتام هاوس": "يعكس التركيز على الترابط الاقتصادي حقيقة وجود فرص حقيقية الآن لتغيير المنطقة"، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي "لا يسعى إلى تجاوز أو استبدال أي عمليات وساطة أخرى.. يشير بيان الرئيس ميشيل إلى الاتفاقات التي توسطت فيها روسيا ويقدم مبادرته بمثابة بناء على هذه الاتفاقات".

لكن المنتقدين يقولون إن هذا يدعم روسيا مباشرة حيث إنه يصل إلى كونه ختمًا أوروبيًا للموافقة على دورها، بما في ذلك نشر حوالي ألفين من قوات حفظ السلام الروسية في ناجورنو كاراباخ.

وما زال هناك خلاف بين الخبراء في تحديد من الفائز في صراع ناجورنو كارباخ (أنقرة أم موسكو) وما إن كان هذا تمظهرًا آخر لما يسمى بـ"التعاون التنافسي" بينهما، الذي يدير الجانبان خلافاتهما بموجبه في أماكن مثل سوريا وليبيا مع متابعة مصالحهما المشتركة.

ومع نشر تركيا لعدد غير معروف من القوات والمعدات العسكرية في مدينة غانجا في غرب أذربيجان، أعادت تركيا تقديم نفسها باعتبارها الراعي العسكري الرئيسي لأذربيجان، وهي الحالة التي سبق أن خسرتها عندما استولت أرمينيا على ناجورنو كاراباخ في أوائل التسعينات، وهكذا فإن ملايين الأذربيجانيين الذين نزحوا بسبب النزاع وأصبحوا قادرين في النهاية على العودة إلى الوطن، ينظرون إلى الأتراك كأبطال.

لكن مع وجود "قوات حفظ السلام" الروسية تعطي الأفضلية لموسكو لدى الجانبين. ولا تنوي روسيا السماح لأذربيجان بالسيطرة على ممر ناخيتشيفان، والذي سيتم تأمينه من قبل المزيد من القوات الروسية.

ووافق "علييف" و"باشينيان" على إنشاء طرق وسكك حديدية لربط البلدين، لكن "علييف" يصر على أن السلع الأذربيجانية التي تمر عبر الممر يجب أن تكون معفية من الجمارك. وإذا لم يحدث ذلك، فقد حذر بأن أذربيجان ستبدأ فرض رسوم على البضائع التي تمر من أرمينيا عبر الأراضي الأذربيجانية إلى الجزء الصغير من ناجورنو كاراباخ الذي لا يزال تحت السيطرة الأرمنية.

وتقوم القوات الروسية بالفعل بحماية الحدود الطويلة لأرمينيا مع تركيا والبالغة 311 كيلومترًا، كما يتمركز آلاف في قاعدة جيمري التي تواجه بلدة قارص الحدودية التركية، وأشار "شيرييف" من "مجموعة الأزمات الدولية" إلى أن فكرة أن التقارب التركي والأرميني سوف يخفف من نفوذ روسيا على أرمينيا "معيبة تماما".

المصدر | أمبرين زمان | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أذربيجان أرمينيا ناجورنو كاراباخ العلاقات التركية الأرمينية روسيا

تركيا وأرمينيا بعد حرب قره باغ.. لماذا ترجح التوقعات تعاون أعداء الأمس؟