السودان: انتفاضة شعبية جديدة

الاثنين 20 ديسمبر 2021 06:26 ص

السودان: انتفاضة شعبية جديدة

ما قام به السودانيون أمس ذروة نضال سياسي كبير ضد الانقلابات العسكرية ومسار كامل من الدمار لحق بالبلد.

الانتفاضة الشعبية محاولة جديدة لتعديل التوازن المختلّ لصالح العسكر وفرض معادلة سياسية تعكس إرادة الشارع وعقد جديد بين الحكام والمحكومين.

اضطر العسكر بعد فقدان السند العربيّ العاجل للانقلاب للتراجع وهو ما قابله حمدوك رئيس الحكومة المجمّد في منتصف الطريق وقبل العودة لرئاسة الوزراء.

*      *      *

تزامنت المظاهرات الواسعة التي حصلت في السودان أمس مع الذكرى السنوية لاحتجاجات الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق عمر حسن البشير عام 2019. لم تكن تلك الاحتجاجات احتفالا بإسقاط الدكتاتور السابق، بل كانت، عمليا، استكمالا للمواجهة المستعرة بين الجماهير السودانية ومنظومة الحكم القائمة.

ترفع هذه الاحتجاجات وتيرة المعركة مع مجموعة العسكر، التي يمثّل عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) ركنيها البارزين، والتي كانت تخطط جاهدة، على مدار السنوات الثلاث الماضية، للانقلاب على منجزات الانتفاضة، وإنهاء العمل على «إزالة التمكين» وإغلاق التحقيق في مسؤولية الجيش وقوات الدعم السريع والمخابرات في مجزرة «القيادة العامة» وللتهرب من استحقاقات «الوثيقة الدستورية» الموقعة مع التيارات السياسية السودانية، لتسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين.

أدى انقلاب مجموعة العسكر في 25 أكتوبر الماضي على المدنيين، وحل الحكومة، واعتقال بعض وزرائها، ووضع رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في الإقامة الجبرية، إلى التهديد بإعادة السودان إلى السنوات البائسة للحكم الدكتاتوري، وذكر السودانيين بـ30 عاما من الحروب الأهلية والمذابح العرقية في دارفور والنوبة وانفصال الجنوب وحلف الفقر والقمع والبلاد المكبّلة بالعقوبات الدولية.

فرض الانقلاب توازنا جديدا في المشهد السوداني لصالح العسكر، فبدا قادة الانقلاب في إهاب نظام البشير رغم وجود رئيسهم السابق في السجن، ولم يؤدّ تحالفهم مع بعض قادة الحركات المسلحة، كزعيم «العدل والمساواة» والذي هو أيضا وزير المالية الذي بقي في منصبه رغم حلّ الحكومة، إلا إلى هبوط شعبيّة أولئك الحلفاء الذين غدروا بالحكومة المدنية وظهروا كمتكسّبين وانتهازيين مستعدين للتخلّي عن السودان للالتحاق بمنظومة العسكر الحاكمين.

إضافة إلى بعض الحلفاء المحلّيين راهنت مجموعة العسكر على حلفاء إقليميين، وكذلك على دعم روسيا، التي تعتبر الاتجاه إلى حكم ديمقراطي انتظاما في النفوذ الغربي، وكان السيناريو المتوقع لدى الكرملين، هو عودة البلاد إلى العزلة الدولية والعقوبات، وحاجتها بالتالي إلى غطاء أمنيّ روسي، وهو باب ذهبي لروسيا الباحثة عن موقع استراتيجي بري وبحريّ، والمشاركة في التنقيب عن الذهب والمعادن والنفط والغاز وبناء قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.

مستفيدة من الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة ضد العسكر، ضغطت الولايات المتحدة على الحلفاء العرب التقليديين للعسكر، وترافق ذلك مع موجة «واقعية» حلّت على أولئك الحلفاء فدفعتهم للتراجع بدورهم في أكثر من بلد.

واضطرت المجموعة العسكرية، التي فقدت السند العربيّ العاجل للانقلاب، إلى التراجع، وهو ما قابله حمدوك، رئيس الحكومة المجمّد، في منتصف الطريق، وقبل بالتالي العودة إلى رئاسة الوزراء.

ما قام به السودانيون أمس، هو ذروة لنضال سياسي كبير ضد الانقلابات العسكرية ومسار كامل من الدمار الذي لحق بالبلد. هي محاولة جديدة لتعديل التوازن المختلّ لصالح العسكر وفرض معادلة سياسية تعكس إرادة الشارع وعقد جديد بين الحكام والمحكومين.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السودان، انتفاضة شعبية، احتجاجات، الانقلابات العسكرية، حمدوك، العسكر، حميدتي، البرهان،

السودان.. توثيق حالتي "اغتصاب لمتظاهرتين" شاركتا في احتجاجات الأحد