السعوديّة والمواجهة المتصاعدة مع السلفيّة الجهاديّة

الخميس 21 أغسطس 2014 09:08 ص

عبد المجيد البلوي 

جاء البيان الذي أصدره المفتي العام للمملكة العربيّة السعوديّة أول أمس الثلاثاء في 19 أغسطس للتّحذير من خطر تنظيم «الدولة الإسلاميّة» (المعروف سابقاً باسم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام أو داعش) والقاعدة ضمن سياق متصاعد من التّصريحات والمواقف السعوديّة تجاه التّنظيمات الجهاديّة في المنطقة. وبدأت المواقف السعوديّة المواجهة والمعارضة لهذه التّنظيمات في نظام الإرهاب الذي قام بتصنيف تنظيم الدولة الإسلاميّة و«جبهة النّصرة» ضمن الجماعات الإرهابيّة التي يحرم ويمنع التّعامل معها. 

لقد سبق هذا البيان القويّ من مفتي المملكة وضمن السياق ذاته المتصاعد من المواجهة مع التّنظيمات الجهاديّة، كلمة الملك «عبدالله» التي خاطب عبرها الأمّة الإسلاميّة، وحذّر فيها من «خطر الجماعات الجهاديّة المسلّحة التي تقوم بتكفير الشعوب المسلمة وتستبيح دماء الأبرياء». وأعقب هذا البيان الملكيّ في 1/08/2014، كلمة نقد شفهيّة وجّهها الملك «عبدالله» إلى المؤسّسة الدينيّة السعوديّة، مستنكراً فيها «صمت هذه المؤسّسة عن القيام بواجبها تجاه ظاهرة الإرهاب»، وقد نظر إلى هذا النّقد الملكيّ الصريح والعلنيّ للمؤسّسة الدينيّة كسابقة في تاريخ العلاقة بين مؤسّسة الحكم السياسيّة وحليفتها المؤسّسة الدينيّة، واعتبر المحلّل السياسيّ السعوديّ خالد الدخيل أنّ «هذا النّقد العلنيّ من الملك للمؤسّسة الدينيّة يشير إلى ضعف هذه المؤسّسة وتراجع قوتّها».

تتعرّض السعودية منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول لهجوم إعلاميّ وسياسيّ غربيّ يحمّلها مسؤوليّة التطرّف والإرهاب، وهذا ما جعل السياسة السعوديّة تركّز في شكل كبير على محاولة نفي صلتها أو علاقة المجتمع والدولة السعوديّة بدعم التيّارات الجهاديّة، سواء أكان دعماً ماليّاً أم فكريّاً ، فشدّدت الرقابة الماليّة، واعتقلت أعداداً كبيرة ممّن تدور حولهم الشكوك لعلاقتهم بالقاعدة وفروعها المختلفة. كما قامت بتغييرات في المناهج الدينيّة، ووضعت آليات رقابة صارمة على محتوى الخطاب الدينيّ في المساجد.

وإنّ تطوّرات الثورة السوريّة وتزايد نفوذ تنظيم الدولة الإسلاميّة في داخلها، وكذلك عودة تنظيم الدولة الإسلاميّة بقوّة للسيطرة على الساحة العراقيّة السنيّة، أعادت الهجوم الإعلاميّ والسياسيّ الغربيّ للتّركيز على دور السعوديّة في دعم جماعات كهذه.

وأصدر البرلمان الأوروبيّ في مارس الماضي قراراً خاصّاً بالسعوديّة ربط فيه بين صعود جماعات السلفيّة الجهاديّة في الشرق الأوسط وبين السعوديّة، مشيراً إلى «دور المؤسّسة الدينيّة السلفيّة والتيّارات الدينيّة غير الرسميّة في السعوديّة في تغذية هذه الجماعات بالمال والفكر».

وقد دفع مقال «ريتشارد نورتون تايلور» الذي نشره في مدوّنته في صحيفة «الجارديان» الأسبوع الماضي، واتّهم فيه السعوديّة بأنّها «تقوم بتمويل الجماعات الجهاديّة ودعمها، وفي مقدّمها تنظيم الدولة الإسلاميّة»، السفير السعوديّ في بريطانيا إلى نشر ردّ عبر الصّحيفة. ولقد دافع الأمير السعوديّ عن المؤسّسة الدينيّة السعوديّة واصفا إيّاها، بأنّها «مؤسّسة معتدلة وسطيّة بعيدة كلّ البعد عمّا يقوم به تنظيم الدولة الإسلاميّة وتنظيمات القاعدة في العالم»، وقال: «إنّ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي تمثّل الأساس العقائديّ للدولة السعوديّة، دعوة تعلّم النّاس التّسامح وتدعم حقوق الرّجال والنّساء».

إنّ أكثر ما يستخدم لدعم اتّهام السعوديّة بالتّهاون مع الجماعات الجهاديّة، هو العدد الكبير من السعوديّين الذين يلتحقون بالجماعات الجهاديّة التابعة للقاعدة في سوريا. ولهذا، أصدرت الحكومة السعوديّة قرارات بتجريم المشاركة في القتال في سوريا، وإصدار عقوبات تتراوح بين السجن من 3 سنوات إلى 20 سنة لمن يقوم بذلك. كما تحرص السعوديّة في شكل مستمرّ على نفي صحّة التّقارير الغربيّة ودقّتها، والتي تتحّدث عن أنّ هناك عدداً كبيرا من السعوديّين في سوريا.

ونفى مدير «حملة السكينة» «عبد المنعم المشوح»، وهي حملة متخصّصة بمواجهة فكر القاعدة على الإنترنت، في تصريح في 14 أغسطس/آب «أن يكون هناك وجود كبير للسعوديّين بين التّنظيمات الجهاديّة في سوريا»، وقال: «إنّ عددهم أقلّ من أعداد المقاتلين القادمين من دول آخرى . كما أنّ السعوديين ليسوا في مستويات قياديّة. وإنّ الهدف من ترويج إدّعاءات كهذه، تشويه سمعة المملكة وربطها بالإرهاب».

يتعارض تصريح المشوح مع ما تشير إليه تقارير غربيّة، ومن بينها تقرير لمعهد واشنطن، الذي ذكر «أنّ السعوديين يأتون في المرتبة الثانية من حيث العدد».

وعن مكانة السعودّيين ودورهم في المناصب القياديّة، جاء نقلا عن الإعلام الغربي، «السعوديّين يحتلّون مراكز قياديّة في أكثر من تنظيم جهاديّ قريب من القاعدة، ومن أبرزها صقور العز والكتيبة الخضراء».

وما يدفع السعوديّة لقيادة جهود التصدّي لتوسّع تنظيم الدولة الإسلاميّة ثلاثة عوامل:

أولاً: تمثّل هذه الجماعات الجهاديّة تهديداً أمنيّاً وعقائديّاً للنظام السياسيّ السعوديّ، إذ أنّها تنطلق من المصادر الدينيّة ذاتها التي قامت عليها سردية الدولة السعوديّة. كما أنّ تاريخ العلاقة بين النظام السعوديّ وهذه الجماعات يغلب عليه تاريخ الصراع والمواجهة خصوصاً بعد 2001، فهي تمثّل تهديداً قائماً ومستمرّاً منذ سنوات.

ثانياً: إنّ النّقد الإعلاميّ والسياسيّ الذي يحمّل السعوديّة مسؤوليّة تزايد هذه الجماعات وانتشارها يدفعها أكثر إلى إثبات العكس وأفضل طريقة لمواجهة هذه التّهمة التي يعتقد السعوديون أنّها تهم تخفي أغراضاً سياسيّة، هي بأن تتولّى هي قيادة المواجهة مع هذه الجماعات الجهاديّة في المنطقة، وأن تحافظ على دور محوريّ في الحرب على الإرهاب على المستوى العالميّ.

ثالثاً: إنّ التخلّي عن قيادة هذه الحرب على الجماعات السلفيّة الجهاديّة سوف يمنح الفرصة لتمدّد وتوسّع الدور الإيرانيّ الذي يسعى إلى توظيف قدرته في التصدّي للجماعات الجهاديّة السنيّة في مساومة مع الغرب على المزيد من النفوذ في المنطقة، خصوصاً أنّ الغرب، وتحديداً الولايات المتّحدة الأميركيّة لم تعد ترى لها أولويّة في الشرق الأوسط أكثر من مواجهة الإرهاب.

ويظلّ التّحدي كيف للسعوديّة أن تواجه التيّارات الجهاديّة المقرّبة من القاعدة، بالتزامن مع مواجهة النفوذ الإيرانيّ في سوريا والعراق، وكذلك بالتزامن مع مواجهتها الناعمة مع تيّار الإسلام السياسيّ ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين، وربّما تشهد المرحلة المقبلة أنّ السعوديّة لا تستطيع أن تمضي بمواجهة ثلاثيّة، ولا بدّ أن تختار معركة واحدة لتخوضها.

المصدر ( المونيتور - الخليج الجديد )

  كلمات مفتاحية

قرابة 4 آلاف أردني يتبنون الفكر السلفي التكفيري .. منهم 1300 يقاتلون في العراق

إعادة فهم الفكر السفلي