تركيا وأزمة أوكرانيا.. هكذا توازن أنقرة مصالحها بين موسكو والناتو

الأحد 30 يناير 2022 11:33 ص

كيف تنظر تركيا إلى الأزمة القائمة بين روسيا وأوكرانيا؟ سؤال تناول إجابته "جورجيو كافيرو"، المدير التنفيذي لمعهد"جولف ستايت أناليتيكس"، مسلطا الضوء على موقف أنقرة من طرفي الأزمة، والمخاوف العالمية بشأن احتمال نشوب صراع عسكري واسع النطاق في القارة الأوروبية.

وذكر "كافيرو"، في تحليل نشره بموقع "العربي الجديد"، في نسخته الإنجليزية، أن تركيا، التي دعمت أوكرانيا بقوة مؤخرا، تواجه مخاطر كبيرة نتيجة الأزمة من عدة زوايا، منها عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، المناوئ لروسيا، واشتراكها في ساحل على البحر الأسود مع أوكرانيا، فضلا عن ارتباطها بعلاقات تعاون استراتيجية مع روسيا، خاصة في الجانب الاقتصادي.

ولذا يرى "كافيرو" أن الدعم التركي لأوكرانيا له حدود منطقية، بالنظر إلى الجهود التي تبذلها حكومة الرئيس "رجب طيب أردوغان" لمواصلة التعاون مع روسيا في العديد من المجالات، مستبعدا مضي أنقرة باتجاه تعريض نفسها للخطر في أزمة أوكرانيا عبر الانخراط في مواجهة كبيرة مع موسكو.

وأوضح أن المشاكل الاقتصادية الحالية لتركيا تدفع أنقرة للتصميم على تجنب الانزلاق إلى صراع مع روسيا، "لكن هذا لا يعني أن تركيا لن ترغب في مواصلة دعم أوكرانيا بطرق تهدف إلى تعزيز موقف الدولة الواقعة في شرق أوروبا ضد موسكو".

فعلى الرغم من النمو الكبير في التعاون التركي الروسي بمجالات الطاقة والسياحة وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى في السنوات الأخيرة، تجد أنقرة نفسها بوضع غير مستقر بسبب السياسة الخارجية لروسيا، التي تدعم حكومة النظام السوري والجنرال الليبي "خليفة حفتر"، فضلا عن عدائها لأوكرانيا.

وفق هذه المعطيات، فإن أجندة موسكو الخارجية تتعارض مع مصالح أنقرة رغم تطوير علاقات وثيقة بينهما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016.

بدا هذا التعارض في مصالح موسكو وأنقرة واضحا منذ عام 2014، عندما عارضت القيادة التركية بشدة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وأعربت عن دعمها لوحدة أراضي الدولة الأوكرانية ضد محاولات الانفصاليين الموالين لروسيا بإقليم دونباس، في موقف ينبع من مخاوف جيوسياسية وأمنية ، بالإضافة إلى العديد من العوامل الثقافية والتاريخية، إذ يرتبط الأتراك تاريخيا بعلاقة ممتدة مع تتار القرم.

في هذا الإطار، كان الدعم التركي الأكثر أهمية لأوكرانيا في مجال الدفاع، إذ زودت أنقرة الجيش الأوكراني في صراعه المسلح مع الانفصاليين في دونباس، بأحدثت طائراتها المسيرة (من طراز بيرقدار TB2)، كما بنت طرادات لأسطول البحرية الأوكرانية في البحر الأسود، فضلا عن تعاونها مع كييف في مجال تكنولوجيا المحركات.

وينقل "كافيرو"، في هذا الصدد، عن الأكاديمية والخبيرة السياسية "فاليريا جيانوتا"، أن أنقرة تخشى من تصرفات موسكو إزاء الأزمة مع أوكرانيا، ما دفعها إلى تزويد كييف بدعم دفاعي.

وتتمثل مخاوف الأتراك، التي يتشاركونها مع أعضاء آخرين في الناتو، في افتراض مفاده أن تصرفات روسيا تجاه شبه جزيرة القرم ودونباس من شأنها "خلق توازن جديد للقوى في المنطقة وخارجها، من خلال تعطيل النظام التي تم إرساؤه بعد الحرب الباردة"، بحسب الخبيرة الإيطالية.

وأوضحت أن "تلك الأراضي المحتلة من روسيا لها أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا من وجهة نظر تاريخية ورمزية"، وهو ما دفع تركيا إلى دعم فكرة عضوية أوكرانيا في الناتو.

وفي هذا الإطار، كان توقيع العديد من اتفاقيات التعاون الدفاعي بين أنقرة وكييف، إلى جانب العديد من الزيارات الثنائية، والاتصالات الدبلوماسية المنتظمة.

وتثير هذه الشراكة الدفاعية إزعاجا لدى موسكو، التي يتزايد قلقها من اقتراب الناتو من حدودها جنوبا وغربا، ولذا حذر وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، العام الماضي، من أن دعم أنقرة لطموحات كييف في استعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم يشكل "تعديًا على وحدة أراضي روسيا".

وإزاء ذلك، من غير الممكن تقييم موقف أنقرة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية دون موقع تركيا كعضو في الناتو، حسب تقدير عضو هيئة التدريس بجامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول "مراد أصلان".

ويشير "كافيرو"، في هذا السياق، إلى أن الأزمة الأوكرانية ساعدت تركيا على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفاء الناتو الآخرين، بعد عديد القضايا التي تسببت بالتوتر فيما بينهم، بما في ذلك الخلاف حول استيراد تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية (إس-400)، ورعاية الدول الغربية لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية.

وأوضح أن تركيا تستفيد حاليا من حقيقة أن الوضع في أوكرانيا يظهر مدى فائدة أنقرة كحليف للولايات المتحدة وباقي الدول الأعضاء في الناتو، مشيرا إلى أن تغير موقف واشنطن من مشروع "إيست ميد" لنقل الغاز يعد مثالا واضحا على ذلك.

فرغم أن واشنطن لم تشارك مطلقًا في مد خط الأنابيب الذي يربط بين إسرائيل وقبرص واليونان، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" دعمته، بينما أبلغت إدارة الرئيس الحالي "جو بايدن" تل أبيب وأثينا مؤخرا بوقف الدعم الأمريكي لهذا المشروع، الذي كان يهدف إلى قطع مصالح أنقرة في التنقيب عن الغاز شرقي البحر المتوسط.

وهنا يشير "كافيرو" إلى أن عديد المحللين يعزون القرار الأمريكي إلى رغبة البيت الأبيض في تحسين العلاقات مع تركيا بسبب الوضع المتوتر في أوكرانيا.

لكن قيودا حقيقية تواجه رغبة تركيا في التماهي مع حلفائها بالناتو ضد روسيا، ولذا يرجح عديد الخبراء أن تواصل أنقرة بيع المزيد من الطائرات القتالية المسيرة إلى كييف، لكن دون أن يرقى هذا الدعم إلى مستوى الصراع المباشر مع روسيا.

ويعزز من هذا الترجيح التاريخ القريب لوصول العلاقة بين أنقرة وموسكو إلى حافة المواجهة المباشرة، كما جرى في عام 2015 عندما أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة قتالية روسية من طراز "سو - 24""، وشن الطيران الروسي غارة جوية في إدلب، شمالي سوريا، أدت إلى مقتل 34 جنديًا تركيًا عام 2020.

ويرى "كافيرو" أن أنقرة لا تستطيع تحمل أزمة أخرى من هذا القبيل، إذ تكمن مصالح تركيا في بيئة مستقرة وآمنة وتعاونية بالبحر الأسود، ولذا تبدو المكاسب المتوقعة من التدخل العسكري لأنقرة نيابة عن كييف ضئيلة مقارنة بالأضرار الجانبية التي قد تلحقها روسيا بتركيا إذا اندلع صراع مسلح.

ويعزز من هكذا تقدير أن حجم التجارة الثنائية بين تركيا وروسيا يبلغ حوالي 30 مليار دولار، وهو ورقم كبير ومهم بالنظر إلى مواجهة تركيا لمشاكل اقتصادية خطيرة، واهتمامها الكبير بالحفاظ على تدفق السياح الروس إليها كل عام، فضلا عن استمرار إمدادات الغاز الروسي، إذ يأتي نحو ثلث واردات الغاز الطبيعي التركي من روسيا.

ولذا يتوقع "كافيرو" أن تتعامل تركيا مع الأزمة في أوكرانيا بطريقة براجماتية للغاية، بحيث تكون استراتيجيات أنقرة في الوقوف ضد موسكو "حذرة ومراعية للطرق المختلفة التي تمارس بها روسيا نفوذًا على تركيا".

ومن المحتمل أن تستمر حكومة "أردوغان" في لعبة توازن القوى بين الشرق والغرب في الملفات الدولية الحساسة ذات الارتباط بروسيا، حسبما يرى "كافيرو".

ووفق هكذا معطيات، تشير النظرة المتفائلة لسياسة تركيا الخارجية إلى أن موقف أنقرة إزاء كييف وموسكو يمكن أن يمكّن تركيا من المساعدة في تخفيف حدة الأزمة الأوكرانية دبلوماسيا.

وعلى الرغم من أن روسيا رفضت في السابق فكرة السماح لتركيا بالوساطة في الصراع، بسبب عضوية الأخيرة في الناتو، إلا أن المتحدث باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف" علق، هذا الشهر، على مقترحات أنقرة لتهدئة التوترات في أوكرانيا، قائلا: "إذا كان شركاؤنا الأتراك قادرين على التأثير في كييف وتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقًا، فلن يكون هذا إلا موضع ترحيب".

وسبق أن صرح "أردوغان" بأنه يخطط للذهاب إلى أوكرانيا، الشهر المقبل، ويأمل في جمع قادة روسيا وأوكرانيا معًا لإجراء محادثات، مضيفا: "أجواء الحرب في المنطقة تزعجنا، كدولة تربطها علاقات مع الجانبين".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

تركيا أنقرة روسيا موسكو الناتو أوكرانيا القرم

بايدن: روسيا تواجه عواقب خطيرة إذا ابتعدت عن الدبلوماسية في أزمة أوكرانيا

برسالة واضحة.. تركيا تطمئن روسيا قبل زيارة أردوغان لأوكرانيا

لتعزيز العلاقات وبحث الأزمة مع روسيا.. أردوغان يصل إلى أوكرانيا

تركيا: لن نتراجع عن صفقات السلاح مع أوكرانيا ولا نستهدف أحدا

تركيا مستعدة لاستضافة قمة روسية أوكرانية لإنهاء التوتر