فورين أفيرز: واشنطن أيدت العسكر في السودان وفشلت في دعم القوى المدنية

السبت 5 فبراير 2022 03:30 م

حللت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مظاهر ما وصفته بالفشل الأمريكي في السودان، معتبرة أن سياسة واشنطن ركزت على تغيير الرئيس السابق "عمر البشير" وفشلت في دعم القوى المدنية مقابل تأييدها للعسكر.

ودعت المجلة واشنطن إلى أن تتحلى بثقة أكبر في القوى المؤيدة للديمقراطية في السودان التي اندفعت إلى الشوارع نهاية 2018 وبداية 2019 وساعدت على تحقيق حلم راوغ الإدارة الأمريكية ولـ3 عقود، وهو التخلص من نظام ديكتاتوري فاسد لـ"البشير" الذي تمت الإطاحة به وسط تظاهرات حاشدة وانقلاب عسكري،مما اعتبر فرصة للإصلاح والديمقراطية بالبلاد.

ولم تتوقف تظاهرات المواطنين المطالبة بتحول ديمقراطي شامل، بشكل قاد إلى حكومة انتقالية ووعد بعقد انتخابات تنقل السلطة للمدنيين. إلا أن الخطة الانتقالية لم تسر حسب المخطط لها، فقد خاض العسكريون والمدنيون على مدى عامين صراعا مستمرا وفشلوا في الاتفاق على الأولويات، مما قاد إلى سيطرة الجيش في انقلاب ثان بشهر أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وكان موقف الولايات المتحدة مثبطا للعزيمة ومثيرا للحيرة، فبدلا من تبني القوى التي حققت ما عجزت عن تحقيقه، بدت بعيدة عنها وبل وأبدت احتراما للعسكر الذين يريدون الحفاظ على بنى السلطة القديمة في السودان.

وكان الجيش لا قوى الديمقراطية التي أشعلت الثورة ضد نظام "البشير"، هو الذي سيطر على عملية التحول في البلاد. وقامت الحكومة الانتقالية على علاقة غير مريحة بين المدنيين المهتمين ببناء ديمقراطية حقيقية والنخبة العسكرية التي عملت واستفادت من الفرص والعقود المربحة في ظل نظام الرئيس السابق.

وعانت الحكومة الانتقالية من الاقتتال المستمر مع العسكر الذين ترددوا في تسليم السلطة ومحاولة استعادة الأرصدة المسروقة ووقف العقود الفاسدة. ولم يتحقق الكثير لتغيير حياة السودانيين الذي خرجوا بين الفينة والأخرى للتعبير عن غضبهم والتأكيد على رغبتهم بالتحول الديمقراطي الحقيقي.

ولم يبد قائد الجيش الجنرال "عبدالفتاح البرهان"، أية رغبة بمشاركة السلطة مع المدنيين، ثم قام باعتقال رئيس الوزراء "عبدالله حمدوك" والمسؤولين غير العسكريين في حكومته التي حلها.

رد أمريكي فاتر

وكان رد الإدارة الأمريكية الفاتر على استيلاء الجيش على السلطة، أثار إحباط الناشطين السودانيين من دعاة الديمقراطية.

وتجنبت إدارة "جو بايدن" استخدام كلمة "انقلاب" في بياناتها الشاجبة لتحرك الجيش ورفضت فرض عقوبات على البرهان وبقية القادة العسكريين.

وركزت بدلا من ذلك على العودة إلى الوضع القائم قبل الانقلاب وأكدت على أهمية إعادة "حمدوك" إلى منصبه والحفاظ على عملية التشارك في السلطة، وهو موقف اعتبره الناشطون غير عملي.

وظل صناع السياسة الأمريكيين يطالبون بإعادة "حمدوك"، كما لو أنه الحل للأزمة رغم فقدانه ثقة الناشطين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، اتفق "حمدوك" مع "البرهان" على العودة إلى منصبه، وبدا من الواضح أنه لن يكون معادلا ديمقراطيا قويا للجيش.

ولم يندهش أحد عندما استقال من منصبه في بداية يناير/كانون الثاني. وبدا من الواضح أن تحريره جاء بناء على رغبة الجنرالات الذين واصلوا قتل المتظاهرين وإعادة رموز النظام السابق.

بحسب المجلة الأمريكية "لم تكن السياسة الأمريكية قبل الانقلاب الأخير تحظى بقبول دعاة التغيير الديمقراطي. فرغم شطب واشنطن السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وقدمت له بعض الدعم،إلا أنها كانت بطيئة بتوفير الدعم الضروري والمخفف على السودانيين".

وحاولت إدارة "دونالد ترامب" إخضاع سياستها تجاه السودان لجهود تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي سياسة لم تحظ بدعم قوي في السودان وتحترم بشكل واضح دول الخليج التي لا تهتم بالديمقراطية والتي رأت بعسكر السودان حليفا جيدا ضد الإسلاميين وقطر وتركيا.

فبدلا من استثمار الزخم في المرحلة الانتقالية ودعم الإصلاح بدت الإدارة الأمريكية منفصمة عن السودان وأهملت تعيين سفير أمريكي في الخرطوم حتى عام 2022.

ولم يحدث انقلاب أكتوبر/تشرين الأول نتيجة شيء فعله صناع السياسة الأمريكية، بل لمزيج من الحذر والإهمال الأمريكي للعملية الانتقالية التي منحت الجنرالات مجالا ووقتا لكي يمارسوا سلطات واسعة والتوصل لنتيجة أنهم يستطيعون السيطرة على السلطة.

وربما اعتقد صناع السياسة الأمريكيين أن خروج "البشير" كان التغيير الذي يحتاج إليه السودان مع أن النظام الذي عمل من داخله وأنشأه بقي كما هو . ومن السهل دعم التغيير في الوجه وليس التغير البنيوي بما يحمله من أصوات نشاز وتضارب في المصالح والطموحات.

صورة مخادعة

وأدى الانقلاب ضد "البشير" إلى إزاحة شخص مزعج للسياسة الأمريكية، مما أعطى صورة مخادعة أن من يأتي بعده قد يكون مستساغا. مع أن بعض شخصيات الحكومة الانتقالية لم تكن مستساغة أصلا، وبخاصة زعيم قوات الدعم السريع "محمد حمدان دقلو" (حميدتي) المسؤول عن أسوأ الجرائم في دارفور والمذابح ضد المدنيين في عام 2019. لكن شخصيات مثل "البرهان" لم تكون معروفة وحملت وعد الاستقرار بمنطقة متقلبة.

وكما في عهد "البشير" كان باستطاعة المسؤولين الأمريكيين اختيار المسؤولين السودانيين الذي يجدونهم محاورين مقبولين. ولم يكن السودان مشكلة للولايات المتحدة بسبب مجموعة من الشخصيات السامة في أعلى مستويات السلطة، وتحميل هؤلاء مسؤولية أفعالهم أمر صائب وعادل وقد يمنع انتهاكات في المستقبل.

وبدت فكرة سودان ديمقراطي يلتزم بحكم القانون خيالا بالنسبة لصناع السياسة الأمريكية بدرجة لم تثر اهتمامهم.

وبدا غياب الطموح الأمريكي على تناقض مع توقعات الشعب السوداني الذي يطالب ومنذ سقوط "البشير" بتغيير منهجي.

ولكن على الولايات المتحدة ألا تفترض أن قدر السودان هو مع الديكتاتورية. ولا يزال الشعب السوداني الشجاع قوة تغيير لا يمكن الاستهانة بها، وبرغم ما يتعرض له من قمع وقتل.

وحرمت واشنطن الجيش من المساعدات التي تسمح له بمواصلة نظامه القديم وبدأت وإن بشكل متأخر بالتواصل مع القوى المدنية.

ولكن عليها عمل المزيد لفهم تطلعات والخطوط الحمر للمنظمات المدنية ودعم قدرتها كي تسهم بتشكيل مستقبل السودان.

وعلى الولايات المتحدة تجنب الخطوات التي تمنح الشرعية للجيش ومعارضة أي خطوة لتعيين مدنيين أو استبعاد جهات من العملية السياسية.

وفي النهاية فالولايات المتحدة كما في فترة "البشير" لا تأثير قوي لها لكي تغير مسار السياسة السودانية بوحدها. ومن أجل تقييد الجيش فعلى واشنطن التأكد من عدم مساعدة الصين أو دول الخليج له. وهذا يحتاج إلى قيادة قوية والتزام من الحكومة الأمريكية واعتقاد بإمكانية النجاح.

المصدر | الخليج الجديد + القدس العربي

  كلمات مفتاحية

البشير البرهان واشنطن فورين أفيرز السودان حمدوك حميدتي

السودان.. لجان المقاومة تعلن توجه مليونية الإثنين إلى القصر الرئاسي

البرهان: الزيارات مع إسرائيل لأغراض عسكرية.. وليس لدينا عداء مع أحد

مليونية الآباء والأمهات.. آلاف السودانيين يواصلون التظاهر للمطالبة بالحكم المدني