هكذا يسعي أردوغان للاستفادة من الأزمة الأوكرانية سواء انتهت إلى حرب أو سلام

الأربعاء 9 فبراير 2022 10:04 م

يتبنى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أجندة عدوانية تجاه أوكرانيا في الوقت الذي يصعد فيه من مطالبه واتهاماته لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ما زاد من احتمالية وقوع مواجهة مسلحة.

ووسط هذه البيئة غير المستقرة، يسعى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لحماية المصالح الاستراتيجية لبلاده في وقت تواجه فيه تركيا مشاكل اقتصادية وتحديات داخلية غير مسبوقة.

مقترحات الوساطة لحل دبلوماسي

وفي 21 يناير/كانون الثاني، صرح "أردوغان" أنه على استعداد للتوسط بين موسكو وكييف من أجل إعادة بناء الثقة والسلام بين الطرفين. وليست هذه هي المرة الأولى التي يعرب فيها "أردوغان" عن استعداده للمشاركة في صنع السلام، ويبدو أنه حريص بالفعل على إيجاد حل دبلوماسي للأزمة التي تشهد اهتماما دوليا مكثفا.

ويمكن تفسر الدوافع التركية للتحرك بشكل عاجل لحل الأزمة الأوكرانية من خلال أمرين.

أولا، يحاول "أردوغان" إعادة ترسيخ مكانته الدولية، بعد تصاعد الانتقادات الداخلية له بشأن الأوضاع الاقتصادية، كما يتطلع "أردوغان" إلى إعادة تركيا إلى أيام مجدها. ومن شأن الوساطة الناجحة خلال هذه اللحظة الدقيقة والمتوترة أن تعزز بشكل كبير مكانة أنقرة على الساحة الدولية.

وفي الوقت نفسه، يجب الأخذ في الاعتبار المصالح الخاصة لتركيا في كل من أوكرانيا وروسيا. وبالنظر إلى أن الصراع القادم سيكون له تأثير هائل على كلا البلدين، فإن أنقرة تتوقع تقلص حجم التجارة الثنائية في الأشهر المقبلة، ما قد يكون كارثيا على الاقتصاد التركي.

وسوف يتعرض النفوذ السياسي الذي أقامه "أردوغان" للخطر إذا جلس على الحياد كمتفرج سلبي في انتظار المزيد من التطورات.

العلاقات الاستراتيجية لتركيا مع كلا الجانبين

تمثل شبه جزيرة القرم إحدى نقاط الاحتكاك الرئيسية بين موسكو وكييف منذ الضم الروسي لشبه الجزيرة في عام 2014. ويشكل وجود "تتار القرم" جزءا أساسيا من السياسة الخارجية التركية.

وحاليا، يمثل نحو 300 ألفا من التتار المتبقين ما يقدر بنحو 13% من سكان القرم، بعد فرار نحو 30 ألفا بعد عام 2014. وتعتبر الغالبية العظمى من تتار القرم من المسلمين السنة من أصل تركي.

وفي الواقع، كان أحد أكبر أهداف تركيا هو تعزيز دورها كقوة داعمة وموثوقة للسكان المسلمين المعرضين للخطر في جميع أنحاء العالم.

وفي هذه الحالة، تتوافق الأهداف الاستراتيجية للرئيس التركي مع مصالح الحكومة الأوكرانية، حيث ترحب كييف بتركيا كحليف في النضال لاستعادة المناطق التي ضمتها روسيا.

وعزز التقارب السياسي بين أنقرة وكييف علاقاتهما الثنائية. واعتبارا من عام 2019، اعترفت الحكومة الأوكرانية بتركيا كأحد شركائها الاقتصاديين الرئيسيين. وتم تصنيف تركيا مؤخرا على أنها أكبر مستثمر أجنبي في أوكرانيا بعد استثمار أكثر من 4.1 مليار دولار في البلاد.

وتم تحقيق ذلك من خلال مبادرات كبرى بما في ذلك الشراكات الرئيسية بين القطاعين العام والخاص في مشروع توسعة شبكة الهاتف المحمول "تركسل" هناك.

كما انتقل التعاون المتزايد بين البلدين إلى قطاع الدفاع وأسفر عن صفقة طائرات بدون طيار بقيمة أكثر من 60 مليون دولار.

وبينما توسع أنقرة دبلوماسية الطائرات بدون طيار، أدى حصول الحكومة الأوكرانية على العشرات من طائرات "بيرقدار تي بي 2" إلى ترقية القدرات التشغيلية لكييف بشكل كبير.

وتعد العلاقات التركية الروسية من أكثر العلاقات تعقيدا على الساحة الدولية. فبغض النظر عما يشوبها من توترات ومصالح متنافسة في ساحة السياسة الخارجية، كما هو موضح في الصراعين السوري والليبي، أقامت موسكو وأنقرة علاقات قوية في عدة مجالات.

وعززت منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" من قدرات الدفاع الجوي التركي بشكل كبير، لكنها أضرت أيضا بالعلاقات بين تركيا و"الناتو"، لا سيما من وجهة نظر الولايات المتحدة.

وجعلت صفقة "إس-400" التي تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار، تركيا العضو الوحيد في "الناتو" الذي يمتلك ويشغل هذا السلاح الروسي الاستراتيجي. وأثارت الصفقة مخاوف "الناتو" بشأن إمكانية وصول موسكو إلى معلومات استخباراتية عالية السرية ودفع ذلك كبار المسؤولين الأمريكيين إلى الدعوة إلى فرض عقوبات ضد أنقرة.

وفي القطاع الاقتصادي، لا تزال روسيا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا، حيث يهدف البلدان إلى وصول التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار سنويا في عام 2022، وهو هدف واقعي، وفقا لوزير التجارة التركي "محمد موش".

وبالإضافة إلى تعاونهما المكثف في قطاع الطاقة، تعتبر الاتفاقيات المتعلقة بالسياحة والزراعة مهمة للنشاط التجاري الروسي والتركي. ومع ذلك، ستظل مشاريع البنية التحتية الحيوية تحظى بالأولوية.

ويمثل التطوير الهائل لمحطة "أكويو" النووية في جنوب تركيا أكبر مشروع مشترك بين البلدين. وتتم إدارة المشروع من قبل شركة "روساتوم" الروسية العملاقة، وهي مساهم رئيسي في المبادرة وتمتلك ما يقرب من 75% من الأسهم الحالية.

ويعد ذلك مثالا على التعاون الاستراتيجي بين البلدين، والذي يفرض الوصول لتفاهمات سياسية في نهاية المطاف.

 الربح في كلا السيناريوهين

وبالرغم من مخاطرها، فإن أي مواجهة واسعة وطويلة الأمد بين أوكرانيا وروسيا (غير مرجحة) يمكن أن تستغلها تركيا لتحسين موقفها الإقليمي مع دول "الناتو" والاتحاد الأوروبي، لأن مثل هذا التطور سيزيد بالتأكيد التوترات بين روسيا والغرب مما سيزيد من أهمية تركيا. 

ومن خلال توفير الوصول إلى البحر الأسود والسيطرة على المضائق، يمكن لتركيا أن تفعل الكثير لمساعدة أوكرانيا من الناحية التكتيكية والدفاعية. ولا شك أن سمعة "أردوغان" في الغرب ستتحسن إذا فعل ذلك.

ومن منظور أوسع، يمكن أن تقوض أنقرة إحدى أدوات النفوذ الرئيسية لروسيا إذا ساهمت في تعزيز أمن الطاقة للاتحاد الأوروبي مع مراعاة الأهداف طويلة الأجل لمشروع خط أنابيب "تاناب تاب".

ولن يقف "أردوغان" بأي حال من الأحوال ضد موسكو لمجرد خدمة المصالح الغربية الحيوية. وبدلا من ذلك، سيواصل التفاوض مع جميع الأطراف، وضخ مبيعات الدفاع إلى كييف، وبيع فكرة موقع تركيا كحاجز جيوستراتيجي ضد التوسع الروسي، مع الحفاظ على العلاقات مع "بوتين" وراء الكواليس.

ويبدو أن "أردوغان" عازم على تأمين مكاسب من الأزمة الأوكرانية على أي حال إما من خلال التوسط في حل سلمي أو من خلال التدخل بشكل غير مباشر في الصراع المحتمل.

المصدر | أليكس كاسيدياريس - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصراع الروسي الأوكراني جزيرة القرم الوساطة التركية الأزمة الروسية الأوكرانية التدخل الدبلوماسي الناتو الاتحاد الأوروبي

أردوغان: تركيا لا تريد حربا بين روسيا وأوكرانيا

بايدن يحذر من تفاقم الأوضاع في أوكرانيا ويطالب الأمريكيين بالمغادرة