معهد أمريكي: سطو بايدن على الأموال الأفغانية يزرع بذور 11 سبتمبر أخرى

الأربعاء 16 فبراير 2022 08:54 م

أصدر الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أمرا تنفيذيا بتجميد أرصدة البنك المركزي الأفغاني في الولايات المتحدة، ويبدو أنه يريد تحويل هذه الأرصدة إلى صندوق خاص يتم الإنفاق منه بجرة قلم وفق هواه، وتأتي خطوة "بايدن" الفاشلة كتتويج للخطوات الفاشلة الأخرى في هذه التجربة التي امتدت لعقدين من الزمان.

فقد حاولت الولايات المتحدة أولاً تحويل أفغانستان إلى ديمقراطية غربية لكنها نصبت حكومة كليبتوقراطية (حكم اللصوص) بدلاً من ذلك، وتسببت واشنطن في 20 عامًا من المعاناة للأفغان ثم تركتهم في دوامة من الفوضى.

ومع تحرك "بايدن" الأخير لحرمان أفغانستان من احتياطياتها النقدية، فمن المرجح أن تعود البلاد إلى ما كانت عليه وتتحول مرة أخرى إلى دولة فاشلة وتصبح أرضًا خصبة للتطرف وتجنيد الإرهابيين مع غياب التعافي الاقتصادي.

وكان لدى أفغانستان 7 مليارات دولار من الاحتياطات المحفوظة في المؤسسات المالية الأمريكية، ويعد هذا إجراءً عاديًا بالنسبة للبلدان النامية، ومن المفارقات أن الدول تلجأ إلى هذا التدبير بغرض "الاحتفاظ بالأموال في مكان آمن".

ومع الكارثة الأخيرة التي قام بها "بايدن"، من المنطقي أن تفكر البنوك المركزية في العديد من البلدان في سحب أموالها من المؤسسات المالية الأمريكية لحمايتها من التصرف التعسفي.

سقوط حر للاقتصاد الأفغاني

بعد إصدار الأمر التنفيذي، أصدر بنك "دا أفغانستان" -البنك المركزي الأفغاني الذي بنته الولايات المتحدة- بيانًا حكيماً ومحرجًا للقارئ الأمريكي، فقد تحدث عن الأساسيات التي تشرح بشكل مبسط ما هو الاحتياطي النقدي وما يفعله البنك المركزي. ربما كان المرء يأمل في أن يعرف رئيس الولايات المتحدة -أو مستشاروه على الأقل- ذلك لكن من الواضح أنهم لا يعرفون.

وقال البيان: "وفقًا للقانون واللوائح ذات الصلة، تُستخدم الاحتياطيات الأجنبية لتنفيذ السياسة النقدية، وتسهيل التجارة الدولية، وتحقيق الاستقرار في القطاع المالي، ويعتبر المالكون الحقيقيون لهذه الاحتياطيات هم المواطنون الأفغان. هذه الاحتياطيات ليست ملكًا لحكومات أو أحزاب أو مجموعات ولا يتم استخدامها أبدًا حسب طلبهم وقراراتهم، وتدار احتياطيات النقد الأجنبي على أساس الممارسات الدولية".

ومع ذلك، أعلن "بايدن" أنه خصص نصف المبلغ (أ 3.5 مليار دولار) لتسوية الدعاوى المستمرة لعائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول ضد "طالبان" لاستضافتها "القاعدة"، أما النصف الآخر فسيذهب إلى المنظمات غير الحكومية الدولية التي تقدم المساعدة لأفغانستان، وهي خطوة تم تقديمها باعتبارها "كرم مذهل"، حيث قال وزير الخارجية "أنتوني بلينكن" على "تويتر" إن ذلك يظهر أن أمريكا ستقف إلى جانب أفغانستان على الدوام.

لكن النظرة الفاحصة تظهر أن أمريكا لا تقف إلى جانب أفغانستان، وإنما تستنزف خزائن أفغانستان.

وبعد سيطرة "طالبان" على السلطة والانسحاب الكارثي للولايات المتحدة وهروب الرئيس "أشرف غني" وانهيار الجيش الوطني الأفغاني، أمر "بايدن" بتجميد الأصول والحسابات الأفغانية. وبدلاً من توزيع الأموال الآن بعد أن توقفت الحرب، والبدء في إعادة بناء المنازل والشركات والحياة، دخل الاقتصاد الأفغاني في حالة من السقوط الحر.

ومع عدم وجود أموال في البنك المركزي، لا يمكن سحب المدخرات أو دفع الرواتب أو دعم التجارة. كما لا تتمكن الوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية من تقديم المساعدة، لأنها أيضًا لا تستطيع تحويل الأموال إلى البلاد ولا يمكنها سحب ودائعها نظرًا لعدم وجود سيولة كافية.

أزمة إنسانية وشيكة

بدأت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في إصدار تحذيرات خطيرة بشأن قسوة الشتاء هذا العام، ونضوب الإمدادات الغذائية نتيجة الجفاف الطويل غير المعتاد، وعدم القدرة على استيراد الغذاء والوقود بسبب العقوبات والأصول المجمدة.

ورغم وعود المانحين، فقد كانت دائمًا أقل بكثير من الاحتياجات الهائلة ولم يتم الوفاء إلا بجزء بسيط من هذه الوعود، وكانت إعادة ممتلكات الأفغان الشيء الوحيد الصحيح الذي يجب القيام به بعد أن قررت الولايات المتحدة الانسحاب وترك الأفغان لمصيرهم.

ولتهدئة المخاوف بشأن احتمال إساءة استخدام "طالبان" للأموال، اقترح متخصصون في البنوك الإفراج عن الأموال على دفعات شهرية، وأن يتحقق المراقبون بشأن المكان الذي تذهب إليه هذه الأموال وماذا يُفعل بها بالضبط، وفي اللحظة التي يبدو فيها أن هناك شيئًا خاطئًا، يمكن تجميد الأموال على الفور.

وإذا تمكن مصرفهم المركزي من تثبيت العملة وسعر الصرف، وضخ السيولة في النظام وإعادة النظام المصرفي ككل إلى حالة مستقرة، فيمكن أن يبدأ الانتعاش الاقتصادي العضوي.

لكن الولايات المتحدة تجاهلت كل ذلك وأصرت على تعميق الانهيار الاقتصادي وسحق السكان الضعفاء في أكثر اللحظات هشاشة في تاريخهم الحديث.

ويبلغ أكثر من 40% من الأفغان أقل من 14 عامًا، وإذا لم يجدوا عملًا يقومون به، فسيكون إخوانهم الأكبر سنًا منفتحين على تجنيدهم في "تنظيم الدولة"، أو سيشقون طريقهم عبر الحدود إلى البلدان المجاورة ومن هناك ينضمون إلى تيار اللاجئين نحو أوروبا الغربية.

عقاب شعب أفغانستان

ربما يُرضِي البعض دوافعهم الانتقامية عندما يرون أن "طالبان" تحكم شعبًا غارقًا في البؤس والاضطراب، ولكن دعونا نعلم ما نقوم به بالفعل، نحن نعاقب 40 مليون شخص لأننا لا نحب "طالبان"، نحن نحمل مسؤولية 11 سبتمبر/أيلول لشعب لم يكن أغلبيته حتى قد وُلدوا في عام 2001. وبحجة إفادة أسر 11 سبتمبر/أيلول، فإننا نزرع الأرض ببذور 11 سبتمبر/أيلول أخرى ونخرج عن مبادئ العدالة الخاصة بنا.

بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة سخية بشكل ملحوظ تجاه شعوب كان يمكن القول أنهم يتحملون المسؤولية عن تشجيع ديكتاتور تسبب في إبادة جماعية. وسمحت "خطة مارشال" لألمانيا والنمسا بإعادة بناء صناعاتها واقتصاداتها وإصلاح مدنها المدمرة، أما خطة "بايدن" فهي على النقيض من ذلك، حيث تهدف إلى تحويل أفغانستان إلى دولة فاشلة وتحويل شعبها إلى أمة من المتسولين.

وبعد الخروج الأمريكي المذل من أفغانستان، كان قرار "بايدن" بتجميد ثم إعادة توزيع الاحتياطيات الأفغانية بمثابة استعراض سياسي أمام خصومه الجمهوريين ليظهر مدى القسوة التي يمكن أن يعامل بها"طالبان"، لكن لا يمكن السماح بتمرير خطوة سياسية ستؤدي إلى مزيد من الجوع والفوضى، وبالفعل، تنظر الفرق القانونية في كيفية منع ذهاب الـ3.5 مليار دولار لعائلات 11 سبتمبر/أيلول.

وأصدرت منظمة تُدعى"أنفريز أفغانستان" دعوة حثت فيها جميع المنظمات غير الحكومية على عدم قبول أي من الـ3.5 مليار دولار المخصصة لـ"المساعدات الإنسانية"، كما نظمت احتجاجات شعبية والتماسات في أفغانستان والولايات المتحدة لإلغاء هذا الأمر. وحتى أقارب ضحايا 11 سبتمبر/أيلول يشاركون في هذه الفعاليات؛ أحدهم هو "باري أدمونسون" الذي فقد شقيقه في هجوم 11 سبتمبر/أيلول وهو جزء من المجموعة التي تسمى "أسر 11 سبتمبر من أجل غد سلمي"، والذي يحشد الآن ضد قرار "بايدن".

وقال "أدمونسون": "لا يمكننا إعادة أحبائنا، لكننا نستطيع إنقاذ حياة الناس في أفغانستان من خلال دعوة إدارة بايدن للإفراج عن هذه الأموال لأصحابها الشرعيين: الشعب الأفغاني".

المصدر | شيريل بنارد وميديا ​​بنيامين - ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أفغانستان تجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني طالبان بايدن أمر تنفيذي 11 سبتمبر الاقتصاد الأفغاني البنك المركزي الأفغاني

أفغانستان على حافة الانهيار الاقتصادي

البنك الدولي يعتزم استخدام مليار دولار من أموال أفغانستان المجمدة لأغراض إنسانية

بقيمة 7 مليارات دولار.. أمريكا تركت معدات عسكرية في أفغانستان