تونس: هل الديمقراطية مستحيلة في بلد واحد؟

الخميس 17 فبراير 2022 06:07 ص

تونس: هل الديمقراطية مستحيلة في بلد واحد؟

تثير حركة قيس سعيّد في تونس أسئلة تتعلّق بإمكانية استمرار الديمقراطية التونسية بعد أن تهاوت التجارب الديمقراطية العربية التي نتجت عن الثورات.

راقب العالم كيف أخذ قيس سعيّد بتدمير هياكل الدولة وتجميع كل الصلاحيات بيديه وإلغاء استقلالية المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية عنه شخصيا!

النظام العربيّ رأى الثورة التونسية حالة شاذة يجب ردّها للقطيع وتآمر عليها وتمويل الثورة المضادة بها ثم دعم حركة سعيّد ماليا وأمنيا والتدخّل من داخل قصر الرئاسة.

يمكن أن نلجأ لنظرية «صعوبة الديمقراطية في بلد عربي واحد» بين بلاد العرب بعضها توحش استبداده لدرجة دفع شعوبها لأدنى انحطاط اقتصادي واجتماعي وسياسي لئلا تسمح بنظام ديمقراطي يزيح طغمتها عن السلطة.

*       *      *

«الاشتراكية في بلد واحد» عنوان نظرية سياسية شهيرة طرحها زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين عام 1924 وتبناها كسياسة عامة بعد فشل جميع الثورات الشيوعية في أوروبا على عكس ما كان يطرحه الشيوعيون الروس وزعيمهم لينين من عدم إمكانية بناء دولة اشتراكية دون حدوث ثورة عالمية حيث قال إنه ليس هناك أي أمل في نصر نهائي للثورة الشيوعية الروسية إن ظلت بمفردها.

استخدمت نظرية ستالين تلك في التحكم بالحركات الاشتراكية في العالم واستخدامها للدفاع عن الدولة التي تحوّلت إلى جهاز قمعيّ وايديولوجي عزّز المنهج الديكتاتوري في حكم شعوب الاتحاد السوفييتي والاتجاهات الاشتراكية في العالم.

ورغم سقوط الاتحاد السوفييتي بشكل مدوّ عام 1991، فإن منظومته الفكرية ما تزال قويّة ضمن الأنظمة الاستبدادية والحركات اليمينية المتطرّفة في العالم.

تثير حركة قيس سعيّد في تونس، أسئلة تتعلّق بإمكانية استمرار الديمقراطية التونسية بعد أن تهاوت التجارب الديمقراطية العربية التي نتجت عن الثورات، بدءا من مصر التي أنهى فيها الجيش (والنخبة السياسية المتعاونة) التجربة الديمقراطية بطريقة عنيفة جدا، مرورا بليبيا التي انزلقت بدورها إلى حرب أهلية.

والسودان، التي قام جيشها أيضا بإزاحة الحكومة المدنية، ناهيك عن مصائر التجربتين الثوريتين المأساويتين في سوريا واليمن، والمآلات الصعبة التي وصلت إليها الحراكات الشعبية في العراق ولبنان والجزائر.

يعتبر مثال تونس مركزيا في المنطقة العربية لأنها كانت البلد الأول الذي أشعل فتيل الثورات العربية، ولأن ثورتها أدت إلى هرب رئيسها زين العابدين بن علي مما سمح بالانتقال إلى مرحلة انتقالية مملوءة بالآمال باستمرار التجربة الديمقراطية وإمكانية اعتماد تونس كقاعدة مبدئية لإمكانية نجاح الثورات وترسيخها لمؤسسات ديمقراطية ومدنية قوية.

راقب العالم كيف أخذ الرئيس بتدمير هياكل الدولة وبتجميع الصلاحيات كافة بين يديه عبر إلغاء استقلالية المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية عن مؤسسة الرئاسة (أي عنه شخصيا)!

ورغم كل المؤشرات التي تدلّ على التدهور السياسي ـ الاقتصادي المتسارع للبلاد تمكّن الرئيس، الذي أصبح حاكما مطلقا، من تجاهل الدعوات الدولية للحفاظ على استقلالية المؤسسات، ومطالب المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية لإجراء إصلاحات، فيما لم تتمكن الضغوط السياسية الداخلية من تغيير واقع الحال الآيل للانحطاط يوما بعد يوم.

يمكن تفسير مسار التدهور التونسي نحو الدكتاتورية بأسباب داخليّة اقتصادية وسياسية، كما يمكن لوم أطراف بعينها كحركة «النهضة» وكذلك لوم الاتجاه «الدستوري» الذي حوّل التنافس مع الإسلاميين إلى صراع وجوديّ، وكذلك لوم «الاتحاد التونسي للشغل» الذي يعرج على رجلين، يؤيد بواحدة منها إجراءات سعيّد، ويحاول بالثانية تخفيف وطأة الموقف الأول.

يمكن أيضا حسبان دور النظام العربيّ خصوصا، الذي كان ينظر إلى الثورة التونسية نظرته إلى النعجة السوداء التي يجب ردّها إلى «القطيع» والذي ساهم بعض أطرافه بالتآمر المباشر عليها، وتمويل الثورة المضادة فيها، ثم دعم حركة سعيّد ماليا وأمنيا، والانتقال من التوجيه والتمويل إلى التدخّل في مجريات الأمور التونسية من داخل قصر الرئاسة.

يمكن أيضا، من دون تردد، أن نلجأ إلى نظرية يمكن أن نسميها، لو أردنا الاعتدال، «صعوبة الديمقراطية في بلد عربي واحد» بين منظومة بلدان عربية، بعضها وحشيّ في استبداده لدرجة أنها قادرة على دفع شعوبها إلى أدنى درجات السوء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على أن تسمح بظهور نظام ديمقراطي يمكن أن يزيح طغمتها عن السلطة.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس ، الديمقراطية، بن علي، قيس سعيد، النظام العربي، الثورة المضادة، الثورات،