كيف يستخدم الحوثيون تكتيك الحوار في أوقات الضغط العسكري؟

الخميس 24 فبراير 2022 08:11 م

شارك الحوثيون في الحوار الوطني في 2013، ووقعوا اتفاقية مصالحة في 2014، واتفاق وقف إطلاق نار بوساطة أممية في ستوكهولم في 2018. وأثبتت الأيام أن الحوثيين استخدموا كلا من هذه الاتفاقات لمزيد من التوسع العسكري، ولا يوجد ما يشير إلى أن أي محادثات أخرى ستكون مختلفة في ظل البيئة الحالية.

تدخل حرب اليمن عامها الثامن ولا توجد أي بوادر لإنهائها في أي وقت قريب. ووسط دائرة العنف التي لا نهاية لها، تتزايد الدعوات لإجراء محادثات ومفاوضات مع الحوثيين بهدف إنهاء الصراع. ولكن قبل التأكيد على الحاجة إلى المحادثات، يجب أن يكون هناك تقييم للمحادثات السابقة وإدراك حقيقي لسبب فشلها.

لم يكن اليمن بمنأى عن موجة الربيع العربي في المنطقة. ومثل التونسيين والليبيين والمصريين والسوريين، نزل اليمنيون أيضًا إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام والتحول إلى نظام ديمقراطي يمكن أن يقدم حلولًا للبطالة وتدهور مستويات المعيشة.

وتمت الإطاحة بنظام "علي عبدالله صالح" عبر تسوية تفاوضية بوساطة الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي في عام 2012. ووافق مؤتمر الحوار الوطني لاحقًا على أن يتولى نائب الرئيس "عبدربه منصور هادي" المسؤولية عن الفترة الانتقالية. ووفقًا للاتفاقية، سيخوض انتخابات رمزية بمفرده من أجل خلق شرعية ثم قيادة البلاد إلى انتخابات وطنية.

في غضون ذلك، كان الحوثيون يتصارعون مع تداعيات محاولتهم المسلحة السادسة للاستيلاء على اليمن، والتي انتهت بالهزيمة. لذلك كانوا منشغلين في السعي لاستعادة سيطرتهم على معقلهم في صعدة من قبضة القبائل المحلية التي كانت مدعومة من قبل الحكومة المركزية في صنعاء.

وبالرغم من عدوان الحوثيين على مدى العقد السابق ورفضهم الصريح إلقاء السلاح، فقد تمت دعوتهم للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، الذي ضم أحزابًا سياسية من مختلف أطيافها، بالإضافة إلى فاعلين وناشطي المجتمع المدني. ووافق الحوثيون وبالتالي انتقلوا من فصيل قبلي مسلح إلى فاعل سياسي "شرعي".

ومع ذلك، كان الحوثيون يخشون أن تؤدي تسوية سياسية على مستوى البلاد إلى تقييد قدرتهم على إطلاق محاولة مسلحة أخرى لتأكيد السيطرة على اليمن بالكامل. علاوة على ذلك، كان لديهم إدراك بأن العملية الديمقراطية لن توصلهم إلى السلطة طالما أنهم يحتفظون بهوية طائفية ضيقة.

ومع اقتراب الحوار من نهايته، انتقد الحوثيون العملية فيما جرى اغتيال ممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء. وعلى هذه الخلفية انسحب الحوثيون من الحوار وعادوا إلى صعدة حيث كانت الحرب في المنطقة تتحول لصالحهم.

وعندما أعلنت بقية الأحزاب (باستثناء الانفصاليين الجنوبيين) بالإجماع أنها ستحترم نتائج الحوار الوطني، بدأ الحوثيون حملتهم العسكرية في الشمال. ودخل الحوثيون في شراكة مع الديكتاتور المخلوع والعدو السابق "علي عبد الله صالح" لشن حملة عسكرية سريعة نجحوا من خلالها في الاستيلاء على الجوف وعمران، وفي النهاية العاصمة نفسها بحلول سبتمبر/أيلول 2014.

بحلول سبتمبر/أيلول 2014، أصبح الحوثيون القوة العسكرية الأكثر قوة في اليمن حيث اقتحموا العاصمة واستولوا على المباني والمؤسسات الحكومية. وقد ادعوا أنهم جاؤوا لإصلاح التحول الديمقراطي بعد اندلاع الاحتجاجات على ارتفاع تكاليف المعيشة وإلغاء دعم الوقود.

ووقع الرئيس "عبدربه منصور هادي" اتفاق "السلام والتعاون الوطني" برعاية الأمم المتحدة والذي بموجبه يفترض تشكيل حكومة جديدة وانسحاب الحوثيين بعد ذلك. واقترح الاتفاق عقد حوار واتفاق سياسي جديد. وتحت رعاية الأمم المتحدة، أعربت الأحزاب السياسية اليمنية عن استعدادها للانخراط في الاتفاق الجديد، حتى مع اتهام "هادي" بالرضوخ لإكراه الحوثيين.

لكن تحت مظلة هذا الاتفاق الذي أفرز حكومة تكنوقراط، شرع الحوثيون في مهاجمة وسجن المعارضين السياسيين، وإجبار الرئيس على الاستقالة، ثم وضعه رهن الإقامة الجبرية، وتعزيز سيطرتهم العسكرية على العاصمة.

وبعد 3 سنوات من التدخل السعودي في 2015 والذي طرد الحوثيين من العاصمة الجنوبية عدن، اندلعت الحرب في مدينة الحديدة الساحلية الحيوية. وبالنسبة للحوثيين، كانت الحديدة ولا تزال ضرورية للغاية لسيطرة الحوثيين على الشمال كما توفر الحديدة منفذًا إلى البحر، وبالتالي فهي خط إمداد حيوي. وسيكون من المستحيل عمليًا الاحتفاظ بالسيطرة على صنعاء إذا تمت إعادة الحديدة إلى القوات الحكومية.

وفي 2018، تمكنت القوات الحكومية من خلق زخم عسكري كافٍ لتهديد الحوثيين في الحديدة. وبدا أن القوات الحكومية سوف تستولي على المدينة، وبالتالي تحول تيار الحرب لصالح الحكومة المعترف بها دوليًا والتي أطاح بها الحوثيون. ونظرًا لأهمية المدينة، سعى الحوثيون بشدة إلى الصمود فيما خصصت الإمارات والسعودية المزيد من الموارد لدفع القوات الحكومية إلى نصر حاسم.

وأمام احتمالات الهزيمة، قام الحوثيون بضربة دبلوماسية بارعة حيث أبلغوا مبعوث الأمم المتحدة اليائس أنهم مستعدون للحديث والتفاوض. وانتهز مبعوث الأمم المتحدة الفرصة لمطالبة القوات الحكومية بوقف الهجوم والجلوس إلى طاولة المفاوضات. وانتقد المدافعون عن الحكومة المعترف بها دوليًا ما اعتبروه سذاجة مبعوث الأمم المتحدة، بحجة أن الحوثيين كانوا يسعون فقط لكسب الوقت وليس التفكير بجدية في التفاوض.

واتهم مبعوث الأمم المتحدة هؤلاء المنتقدين بالمبالغة. وفي النهاية رضخت الرياض وأبوظبي تحت الضغط الدولي ورفعتا الحصار عن الحديدة. ثم سافرت الحكومة المعترف بها دوليًا إلى ستوكهولم لإجراء محادثات مع الحوثيين. وأسفرت المحادثات عن اتفاق لوقف إطلاق النار قوبل بضجة كبيرة. وكان الاتفاق يقضي بوضع ميناء الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة وتنفيذ عمليات تبادل للأسرى.

ومع ذلك، لم يتم تنفيذ اتفاقية ستوكهولم حيث رفض الحوثيون الانسحاب. وعندما انتشرت قوة الأمم المتحدة في الحديدة، تعرضت لإطلاق النار. ونجح الحوثيون في تعزيز وجودهم خلال فترة المفاوضات وأعادوا تنظيم خطوط معاركهم في المناطق التي بدت على وشك الانهيار قبل تدخل مبعوث الأمم المتحدة.

في الواقع، أنقذت اتفاقية ستوكهولم الحوثيين، الذين شرعوا بعد ذلك في شن حملة عسكرية للاستيلاء على محافظة مأرب الغنية بالموارد.

ويُعتقد أيضًا أن اتفاقية ستوكهولم كانت نقطة تحول بالنسبة لدولة الإمارات التي أصبحت مقتنعة بأن المجتمع الدولي ليس لديه نية لاستعادة الحكومة المعترف بها دوليًا وأن سياسات الأمم المتحدة تفضل ترسيخ الحوثيين. وأصبح دعم الإمارات للانفصاليين الجنوبيين أكثر وضوحًا. وفي 2019، قصفت الإمارات القوات الحكومية لتعزيز الانقلاب الذي قام به الانفصاليون الجنوبيون في عدن.

ويدرك الحوثيون جيدًا أن هذه المحاولة السابعة للاستيلاء على اليمن بالقوة هي أنجح محاولاتهم على الإطلاق، فهم يسيطرون الآن على الجوف وعمران والحديدة وصنعاء والبيضاء ويواصلون السيطرة على أجزاء كبيرة من تعز. وقد بذلت الجماعة المتمردة جهودًا عسكرية منسقة للاستيلاء على محافظة مأرب الغنية بالموارد حتى تتمكن من إقامة حكم ذاتي في الشمال في حال أي تسوية تفاوضية.

ويدرك الحوثيون أيضًا أن الرواية الدولية عن اليمن تتمحور حول السعودية وتجاوزاتها وليس على اليمن نفسه ودينامياته الفريدة. وهناك لامبالاة دولية لشرعية الحكومة المعترف بها دولياً والتي تم الاتفاق عليها في الحوار الوطني حيث ينصب التركيز العالمي على أعراض الحرب التي تشمل الأزمة الإنسانية والمجاعة، ولكن ليس على سبب الحرب وهو الطموح المستمر للحوثيين.

وفيما يتعلق بالحلول، ينصب التركيز على بدء محادثات جديدة مع الحوثيين، بغض النظر عن فشل المحادثات السابقة رغم تقديم تنازلات كبيرة للحوثيين. والمفارقة أن هذا كان له تأثير محرج جعل الحكومة المعترف بها دوليًا عاجزة، مما أدى إلى توسيع دور السعودية، ووضع الأساس للانفصالية.

ويعد الحوثيون تنظيما أيديولوجياً يسعى لإقامة حكم وراثي في ​​اليمن على أساس حق ديني يخص عائلة الحوثي فقط. لذلك، ينظر الحوثيون إلى المحادثات والمفاوضات والعمليات السياسية على أنها تكتيكات مشروعة في السعي لتحقيق هذا الهدف الأوسع الذي يعتبرونه نبيلًا، حتى لو أغرق البلاد في حرب كارثية وشنيعة.

ومع تلاحق النكسات العسكرية للحوثيين في الفترة الأخيرة نتيجة تغير موقف إدارة "بايدن" التي أصبحت تميل بشكل متزايد للسماح للسعودية والإمارات بمواصلة العمليات العسكرية، سيصبح الحوثيون بطبيعة الحال أكثر ميلًا للتفاوض.

وبناد على التجربة التاريخية، سيتم الترحيب بمثل هذه المحادثات بموافقة دولية مما سيؤدي إلى استغلال الحوثيين الفرصة لتعزيز مكاسبهم العسكرية مرة أخرى والاستعداد للمعركة القادمة. 

المصدر |  سامي حمدي/ إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحوثيون الحديدة السياسة اليمنية عبدربه منصور هادي الأزمة اليمنية حرب اليمن عدن مأرب اتفاق ستوكهولم وقف إطلاق النار

التحالف العربي يعلن إطلاق عملية عسكرية ضد مواقع الحوثيين في صنعاء