فورين أفيرز: هكذا ستحكم نظريات التمرد تطور الحرب في أوكرانيا

الاثنين 28 فبراير 2022 07:40 م

قصفت القوات الروسية أهدافا في جميع أنحاء أوكرانيا، واستولت على منشآت رئيسية ومساحات من الأراضي. وبالرغم أن التقارير تشير إلى أن القوات الأوكرانية نجحت في صد الكثير من الهجمات، فمن المرجح أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لم يقرر بعد إلى أي مدى ستذهب روسيا في أوكرانيا.

وبصفتي ضابط عمليات متقاعد يتحدث الروسية في وكالة الاستخبارات المركزية، وخدمت في آسيا الوسطى وأدرت عمليات لمكافحة التمرد، فلا أعتقد أن "بوتين" كان سيهاجم أوكرانيا ما لم يكن خطط بالفعل لمشهد النهاية، نظرا لتكاليف مثل هذا الصراع المعقد. لكن أفضل خطط "بوتين" الموضوعة قد تفشل بسهولة في مواجهة المقاومة الشعبية وحركة التمرد.

وإذا حددت روسيا هجومها ليقتصر على شرق وجنوب أوكرانيا، فلن تتوقف الحكومة الأوكرانية ذات السيادة عن القتال، وستتمتع بدعم عسكري واقتصادي موثوق من الخارج وبدعم من الشعب في الداخل. ولكن إذا ضغطت روسيا لاحتلال جزء كبير من البلاد وتنصيب نظام موالي يعينه الكرملين في كييف، فسوف تستعر نيران الحرب على مدى وأوسع ولوقت أطول.

وسوف يواجه "بوتين" تمردا دمويا طويلا يمكن أن ينتشر عبر حدود متعددة، وربما يصل إلى بيلاروسيا لتحدي الرئيس البيلاروسي "ألكسندر لوكاشينكو"، حليف "بوتين" القوي.

وربما يؤدي اتساع نطاق الاضطرابات إلى زعزعة استقرار دول أخرى في مدار روسيا، مثل كازاخستان، بل وقد يمتد إلى روسيا نفسها. فعندما تبدأ الصراعات، يمكن أن تصبح النتائج غير المتوقعة، والتي لا يمكن تصورها حقيقة وواقعا. وقد لا يكون "بوتين" مستعدا لمثل هذا التمرد في المستقبل.

  • مواجهة الاستنزاف

وبالعودة إلى التاريخ، فقد شنت العديد من القوى العظمى حربا ضد قوة أضعف، إلا أنها تعثرت نتيجة فشلها في الوصول إلى نهاية مدروسة جيدا. وكان هذا الأمر واضحا في غزو الولايات المتحدة لفيتنام عام 1965 وأفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003. وبالمثل بالنسبة للاتحاد السوفيتي حين دخل أفغانستان عام 1979. وكانت المهمة الأصعب هي أن تستمر القوى الغازية في تلك البلدان في مواجهة حركات التمرد العنيدة.

ويمكن لروسيا على الأرجح الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية كما تشاء. لكن خطط تهدئة الأوضاع في أوكرانيا ستتطلب أكثر بكثير مما اقترحه "بوتين" حين تحدث عن التحول لـ"قوات حفظ سلام" بعد تحقيق الأهداف القتالية الأولية.

وبفضل عدوان "بوتين"، تصاعدت الحماسة المعادية لروسيا والقومية المحلية في أوكرانيا. وأمضى الأوكرانيون الأعوام الـ 8 الماضية في التخطيط والتدريب والتجهيز لمقاومة الاحتلال الروسي. وتدرك أوكرانيا أنه لن تتدخل أي قوات من الولايات المتحدة أو "الناتو" في ساحة المعركة. ولا تعتمد أوكرانيا في استراتيجيتها على صد الغزو الروسي، بل على استنزاف موسكو لجعل الاحتلال غير محتمل.

وسوف يستفيد أي تمرد في المستقبل من جغرافية أوكرانيا، حيث يحد البلد 4 دول في "الناتو"، وهي المجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا. ويحد بيلاروسيا، وهي حليف روسي مهم، بولندا من الغرب وليتوانيا، وهي عضو آخر في "الناتو"، من الشمال.

وتوفر هذه الحدود الطويلة فرصة للولايات المتحدة وحلف "الناتو" لدعم المقاومة الأوكرانية والتمرد طويل الأمد وإذكاء الاضطرابات في بيلاروسيا إذا اختارت الولايات المتحدة وحلفاؤها تقديم المساعدة السرية لمعارضة نظام "لوكاشينكو".

وتعد مولدوفا، الواقعة إلى الجنوب الغربي من أوكرانيا، لاعبا مثيرا للاهتمام أيضا. وبالرغم أن مولدوفا محايدة اسميا، فقد تعاونت في الماضي مع الولايات المتحدة وحلف "الناتو" ولديها علاقات باردة إلى حد ما مع موسكو بسبب التوترات المستمرة حول جمهورية ترانسنيستريا الانفصالية، وهي شريط ضيق من الأرض على طول الحدود المولدوفية الأوكرانية.

وتدعم موسكو هذا الكيان الانفصالي، الذي تحرسه القوات الروسية باسم "حفظ السلام". وبسبب دور موسكو في ترانسنيستريا، تميل مولدوفا نحو الغرب.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، هزم "مايا ساندو"، رئيس وزراء مولدوفا السابق، الرئيس المدعوم من روسيا آنذاك. ومن غير المحتمل أن تستفز مولدوفا الكرملين علانية، لكن "ساندو" قد يكون على استعداد للتعاون سرا مع المقاومة الأوكرانية.

وكما تعلمت الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان، فإن التمرد الذي لديه خطوط إمداد موثوقة، واحتياطي وافر من المقاتلين، وملاذ عابر للحدود، يمكنه الحفاظ على جذوته مشتعلة إلى أجل غير مسمى. ومع مرور الوقت يتم استنزاف إرادة جيش الاحتلال مع استنفاد الدعم السياسي للاحتلال في الداخل.

وسيتعين على روسيا أيضا أن تفكر مليا قبل محاولة مطاردة المتمردين عبر الحدود إلى بولندا، على سبيل المثال، لأن مثل هذه الأعمال قد تؤدي إلى حرب مع "الناتو".

  • خطوط الدعم

وستكون الولايات المتحدة دائما مصدرا رئيسيا وأساسيا لدعم التمرد الأوكراني. وخلال إدارتي "باراك أوباما" و"دونالد ترامب"، التزمت الولايات المتحدة بضبط النفس في الرد على الهجمات الإلكترونية الروسية والمعلومات المضللة والتوسع العسكري. ولم ترغب واشنطن في إطلاق العنان لدوامة تصعيد لا تستطيع السيطرة عليها، حتى لا تجازف برد روسي يصيب البنوك والشركات والبنية التحتية الأمريكية.

ومع ذلك، كان "بايدن" أقل ترددا في التعامل مع روسيا. ولمواجهة التحركات الروسية، كشفت الإدارة الأمريكية عن قراصنة مرتبطين بروسيا واستردت الأموال المسروقة خلال هجوم فدية إلكتروني، وسلمت القراصنة الروس للمحاكمة، وكشفت معلومات استخبارية عن الخطط الروسية في أوكرانيا.

وإذا ظلت أوكرانيا المستقلة قائمة، سواء كانت محكومة من كييف أو "لافيف"، وهي أكبر مدينة في الجزء الغربي من البلاد، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها في "الناتو" أن يساعدوها علنا بالأسلحة والتدريب والمال.

ومن المعقول أن نستنتج أن الميثاق القانوني لوكالة الاستخبارات المركزية للشراكة مع نظرائها من أجهزة الاستخبارات الأجنبية يسمح لها بتوفير التدريب والدعم لشركائها في أوكرانيا. ويجب أن تصبح هذه المساعدة سرية إذا استولت روسيا على الحكومة واحتلت البلاد بالكامل. ويجب أن يكون الدعم العسكري ضد دولة ليست الولايات المتحدة في حالة حرب معها، دعما سريا، مثل دعم الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات، وللأكراد العراق قبل غزو عام 2003، والمتمردين في سوريا قبل عقد من الزمن.

وسوف يتطلب الهجوم وراء خطوط العدو إجراء رئاسيا سريا. وبالطبع، ربما توجد نسخة من هذا التفويض بالفعل، وقد يحتاج في معظم الأحيان إلى تعديل من قبل البيت الأبيض، ربما عبر مذكرة إخطار جديدة للكونجرس لاستيعاب الظروف المتغيرة.

ويعد دعم التمرد جزءا من جينات وكالة الاستخبارات المركزية منذ عملها بمسماها القديم خلال الحرب العالمية الثانية من خلال دعم قوات المقاومة في فرنسا وهولندا وشرق آسيا.

ومع الخبرات التي راكمتها الوكالة خلال دعم ومكافحة التمردات في أفغانستان والعراق وسوريا، فيمكنها المساعدة جيدا في مقاومة القوات الروسية. ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد المتمردين الأوكرانيين في ضرب أهداف ذات قيمة عسكرية كبيرة وإحداث تأثير نفسي ضد الروس.

وكشفت تقارير في يناير/كانون الثاني عن برنامج أطلقته وكالة الاستخبارات المركزية عام 2015 لتدريب قوات العمليات الخاصة الأوكرانية وأفراد استخبارات آخرين وذلك بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

ووفقا للتقارير، تضمنت الجهود النشر شبه العسكري لضباط وكالة الاستخبارات المركزية في أوكرانيا. وتنضج مثل هذه البرامج بمرور الوقت حيث تنمو الثقة بين المدربين ونظرائهم الأجانب وعندما ينقل المتلقين ما تعلموه للآخرين.

ولطالما خطط المسؤولون الأمريكيون والأوكرانيون لهذا اليوم. وفي جميع الاحتمالات، فإن برنامجا سريا للمساعدة في تنظيم المقاومة ضد روسيا سوف يحتوي بالفعل على بنية تحتية للاتصالات، وقدرات جمع المعلومات الاستخبارية، وخطط تشغيلية. ويمكن أن تنتقل التكتيكات التي تم تطويرها لدعم العمليات الدفاعية ضد الغزو إلى تلك التي تهدف إلى إعاقة واستنزاف قوة محتلة.

  • قوات مطلقة العنان

ولا شك أن التمرد المناهض لروسيا سيواجه عقبات ويتعرض لانتكاسات أيضا. ويدرك "بوتين" إمكانية المقاومة الأوكرانية لاحتلال روسي أوسع. وزعم المسؤولون الأمريكيون أن الحكومة الروسية تحتفظ بقوائم المسؤولين السياسيين والأمنيين الأوكرانيين الذين ستعتقلهم، أو حتى تغتالهم، بمجرد استيلائها على البلاد، وقوائم الشخصيات المؤيدة للكرملين التي تأمل في تثبيتها في الحكم.

وسوف تسعى روسيا إلى تقويض أي تمرد من خلال التحرك بسرعة للقضاء على القادة المحتملين لمثل هذا التمرد. وسيستغرق التمرد ضد القوات الروسية في أوكرانيا وقتا لاكتساب القوة وتحقيق الأهداف. ويمكن أن تستغرق حركات المقاومة أعواما، وليس شهورا، لتنضج وتنظم نفسها وتحقق إيقاعا هجوميا ذا مغزى.

وكان بإمكاني السير في الشوارع بسهولة أو تناول العشاء في مقاهي كابول في عام 2002 وبغداد في عام 2003 دون أن أهتم بما حولي. ولكن بعد مرور عام أو عامين، كان علي ارتداء الدروع الواقية وأن أسير مع رفقة أمنية وقائية وأتنقل في عربات مدرعة ثقيلة، على أمل تجنب الكمائن وضربات العبوات الناسفة.

وسيتعين على المتمردين الأوكرانيين أن يحسبوا حساب التقدم الروسي في التكنولوجيا الحديثة التي قد تجعل عملهم أكثر صعوبة. وخلال الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والغزو السوفيتي لأفغانستان، كان بإمكان المجموعات المنظمة من المتمردين التفرق في الريف أو في التلال. لكن أصبح الهروب من قوات الاحتلال أكثر صعوبة الآن بفضل الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية والصور الحرارية.

وبالتأكيد سيشن المتمردون غارات عبر الحدود، لكن العمليات العسكرية المستمرة خلف خطوط العدو ستتطلب المساعدة من أولئك الذين يعيشون في مثل هذه المناطق بشكل طبيعي ظاهريا لكن يمتلكون سرا الوصول إلى الأسلحة والاتصالات الآمنة ويمكنهم بالتالي التهرب من الرقابة الروسية.

وسوف يصف الروس هجمات هؤلاء النشطاء بأنها أعمال إرهابية بينما يصفق لها الناس في الغرب على أنها أعمال نضال من أجل الحرية.

وفي المراحل الأولى، من المحتمل أن يكتشف الروس العديد من خلايا المتمردين،. لكن حركات التمرد تتكيف أسرع بكثير من الجيوش الكبيرة المنظمة التي تقاتلها، ما يعني أنه سيظهر قادة جدد اكتسبوا خبراتهم من التجارب الأولى. وتصبح خفة حركتهم هنا ميزة هائلة.

وتأمل روسيا في التمركز في أجزاء من أوكرانيا قد يكون سكانها أكثر ميلا لقبول الحكم الروسي أو التحرك بسرعة البرق للاستيلاء على البلاد وتهدئة الأجواء قبل ميلاد أي مقاومة قابلة للحياة لأن المزايا العسكرية لروسيا على القوات الأوكرانية سوف تتضاءل مع تحول العدو الذي تقاتله من جيش منظم إلى مقاومة لامركزية.

وستهدف حملة التأثير المليئة بالصور المروعة للقتلى من المدنيين الأوكرانيين والعسكريين الروس، إلى إثارة المشاعر المناهضة للحرب في روسيا ومواجهة رواية موسكو التي تدعي أن القوات الروسية  مرحب بها من قبل السكان المحليين الممتنين لها لأنها جاءت تحررهم.

ولا تزال دوافع "بوتين" لبدء هذه الحرب موضع نقاش كبير. لكن قد تصبح أكثر وضوحا في الأيام والأسابيع المقبلة مع استمرار الهجوم الروسي. لكن إذا كانت أهدافه متطرفة، مثل إعادة رسم الحدود أو حتى إسقاط الحكومة الحالية، فإن التمرد والمقاومة  أمر لا مفر منه. وبالنسبة لكل من "بوتين" وأعدائه، سيكون من الصعب السيطرة على القوات التي تم إطلاق العنان لها الآن.

المصدر | دوجلاس لوندون/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التمرد الأوكراني المقاومة الأوكرانية حرب الاستنزاف غزو أوكرانيا الغزو الروسي الدعم الأمريكي التمرد حرب استنزاف حرب أوكرانيا الجيش الروسي

بقمصان وأعلام.. مان سيتي وإيفرتون يدعمان أوكرانيا قبل مباراتهما بالدوري الإنجليزي