استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تعريب استراتيجية "أرض بلا شعب"!

الخميس 3 مارس 2022 04:02 م

تعريب استراتيجية "أرض بلا شعب"

"أرض بلا شعب" شعار صهيوني مُغرقٌ في الكذب وقد كان أحد أهم الأدبيات التي استند إليها المشروع الاستيطاني الدموي.

جرى إدخال خطاب "إنكار وجود الشعوب" في ماكينة تشفير ضخمة أنتجت شعاراتٍ كثيرة يمكن تبنّيها رسمياً لتؤدي الغرض نفسه.

تعريب شعار "أرضٌ بلا شعب" وتحويله لـ"أيديولوجية" نخبٍ عربيةٍ حاكمة، محنة لا تقل مآلاتها عن استخدام الصهاينة هذا الشعار لاغتصاب فلسطين.

الإقرار بوجود الشعوب يستلزم الإقرار بما لهم من حقوق: إنسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية.. وذلك مسارٌ يصرّ بعضهم على أنّ الموت أسهل منه.

الدولة عند بعض الحكّام ليست سوى ميدان حرب، لدفع أعداء الداخل والخارج، فلا مكان لرأي مخالف، ولا مكان لتساؤلٍ عن كفاءة مؤسسة أو نزاهة مسؤول!

كشفت الوقائع أنّ نخباً عربيةً حاكمةً كانت على قناعةٍ تامةٍ بأنّ الدولة التي تحكمها (حرفياً): "أرض بلا شعب" وفوجئ بعض الحكام العرب بوجود الشعوب.

* * *

خطاب إنكار حقوق المحكومين، أحد أكثر دعائم الاستبداد المشرقي خطورة. وبالإمكان رؤية هذا المبدأ في مرآة الشعار الصهيوني: "أرض بلا شعب" وهو شعار صهيوني مُغرقٌ في الكذب، وقد كان أحد أهم الأدبيات التي استند إليها المشروع الاستيطاني الدموي.

وحتى الآن هناك من يقول بتبجّح: "أراد الصهاينة العودة إلى أرضهم التاريخية، وفوجئوا، بعد العودة، بوجود الفلسطينيين"!

وبعد عقود من نشأة الكيان الصهيوني، طرأ تحوّل مثير على نطاق تأثيره والجهات التي توارثته بعد استخدامه على يد الصهاينة، فقد عاش العالم العربي، وهو لا يكاد يدري، محكومًا بهذا الشعار.

وعندما خرجت الشعوب التي ثارت في الربيع العربي لتحرّر نفسها من قامعيها، كشفت الوقائع أنّ نخباً عربيةً حاكمةً كانت كلّ منها على قناعةٍ تامةٍ بأنّ الدولة التي تحكمها (حرفياً): "أرض بلا شعب". وكما "فوجئ!" الصهاينة بوجود الفلسطينيين فوجئ بعض الحكام العرب بوجود الشعوب. ومن هنا، جاءت صيحة القذافي الشهيرة في وجه شعبه: "من أنتم؟".

والثائر على الاستبداد في هذه الثقافة، هو كـ"العبد الآبق"، وعقابه الموت، لأنّه يتمرّد على "النظام الطبيعي للأشياء"، ومؤدّاه أن يكون عبداً، وتمرّده جريمة، وعقابه واجباً.

والإقرار بوجود الشعوب يستلزم وجوباً الإقرار بما لهم من حقوق: إنسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية و... وذلك مسارٌ يصرّ بعضهم على أنّ الموت أسهل منه.

ولمّا كان من العسير في اللحظة الدولية الراهنة قبول مثل هذا الخطاب، فقد جرى إدخال خطاب "إنكار وجود الشعوب" في ماكينة تشفير ضخمة، أنتجت شعاراتٍ كثيرة يمكن تبنّيها رسمياً لتؤدي الغرض نفسه.

شعارات تبدو مختلفة لكنّها جميعاً، بشكلٍ متوازٍ أو بشكلٍ متساندٍ، تؤدي إلى نتيجة واحدة: هذه البلاد "أرض بلا شعب".

ذهب المتحذلقون إلى جورج فيلهلم هيغل وتوماس هوبز، وأخذوا من الأول "تأليه الدولة" ومن الثاني "تأليه الحاكم" وشعرت بغصّةٍ ودهشةٍ قبل أسابيع وأنا أشاهد برنامجاً على شاشةٍ تبث من عاصمة مغرقة في البداوة، تتحدّث مذيعتها بحماس عن أفكار هوبز العظيمة!

والأقل حرصاً على الشكل اعتبروا أنّ فزاعة الخطر، الداخلي أو الخارجي، أيسر وأكثر جدوى، فعزّزوا فكرة أنّ الدولة ليست سوى ميدان حرب، لدفع أعداء الداخل والخارج، حيث لا مكان لرأي مخالف، ولا مكان لتساؤلٍ عن كفاءة مؤسسة أو نزاهة مسؤول!

بل إن المواطنة، التعدّدية، ودولة القانون، الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، والحقوق الدستورية، والمشروعية بمستوياتها كافة جميعها "مكائد" لا تستهدف الحاكم أو نظامه السياسي، بل تستهدف "وجودنا" نفسه.

ومن يجرؤ على التصرّف، من دون أن يطرف له جفن، مقتنعاً بأنّ بلده: "أرضٌ بلا شعب" لن يجد مشقةً في نفي كلّ ما هو مستقرٌّ من حقائق تتصل بالاجتماع الإنساني جاءت بها الأديان، وكلّ ما هو بدهي من معالم العدالة، وكلّ ما هو مؤكّد بالتجربة من وقائع الاجتماع السياسي.

وتعريب الشعار "أرضٌ بلا شعب" وتحويله لاحقاً إلى "أيديولوجية" لنخبٍ عربيةٍ حاكمة، محنة لا تقل في مآلاتها عن استخدام الصهاينة هذا الشعار لاغتصاب فلسطين.

وها هي بيروت تحترق مرّة ومرّات، ونخبتها السياسية تصرّ على أنّ هذا البلد الذي انتقل، بأسرع مما كان كثيرون يتخيّلون، من جنّة للحرّيات والإبداع، إلى أكوام رماد وطوابير جرحى، وأفواج من المشرّدين.

والاستبداد الشيوعي، على سبيل المثال، عندما انهارت سلطته في الاتحاد السوفييتي وشرق أوروبا، لم يترك بلاده كومة رماد، فالشعوب كانت جزءاً من تصوّر سياسي شمولي، وعندما انهارت سلطته وجدت الشعوب لنفسها مكاناً، هو على الأرجح، أفضل.

أما في البلاد التي لا تقرّ فيها نخبة حاكمة بوجود شعبها، فإنّها، على الأرجح، واتساقاً مع أوهامها، تتجه عمداً إلى التخلص من الشعب، حتى يتطابق الواقع مع الصورة الذهنية.

ولعلّ مشاهد عربية، بينها أطلال سورية المحترقة، درسٌ بليغٌ لمن شاء أن يرى الثمرة المرّة للتعامل مع الشعوب، استناداً إلى "استراتيجية أرض بلا شعب" في نسختها العربية، وليس الدرس العربي الوحيد وإن كان الأقسى، وفي عواصم أخرى تكاد الملايين تموت بـ "التجويع الرسمي" المتخفي وراء خطاب الفقر والانفجار السكاني.

* ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

وطن بلا شعب، الربيع العربي، الشمولية، الاتحاد السوفياتي، التعددية، الصهاينة، الحكام العرب، الدولة، ماكينة تشفير، التجويع،