جيوبوليتكال: نظام الأسد يسعى للخروج من فلك إيران

السبت 26 مارس 2022 04:48 م

في الأسبوع الماضي، زار رئيس النظام السوري "بشار الأسد" دولة الإمارات، في أول رحلة خارجية له منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا صارما تعترض فيه على محاولة إضفاء الشرعية على حكم "الأسد"، نظرا للجرائم المروعة التي ارتكبها في الحرب التي أودت بحياة أكثر من 500 ألف سوري وخلفت 150 ألفا آخرين في عداد المفقودين. وقال وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" إن الولايات المتحدة ترفض الجهود المبذولة لإعادة تأهيل "الأسد" ونظامه.

لكن الرحلة جاءت بعد أعوام من جهود التطبيع بين الدول العربية والحكومة السورية. وطوال فترة الحرب، حافظت عدة دول عربية على علاقات دبلوماسية مع سوريا، واستأنفت دول أخرى العلاقات عام 2013، وتعاونت دول أخرى في الشؤون الأمنية. وفي ترحيبه بـ "الأسد"، وصف ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" سوريا بأنها حجر الزاوية الأساسي للأمن العربي. وأصدر الزعيمان بعد اجتماعهما بيانا مشتركا دعيا فيه إلى انسحاب القوات الأجنبية من سوريا والحفاظ على وحدة أراضيها وإنهاء الصراع سلميا.

لكن بالنسبة لـ"الأسد"، كان أحد أهم أهداف الزيارة هو حشد دعم أبوظبي لكبح نفوذ إيران في سوريا، ما يمثل تحولا  سياسيا من المرجح أن تدعمه واشنطن.

عدم الاهتمام الغربي بسوريا

وكان الأمل أن تؤدي الثورة السورية إلى الإطاحة بـ"الأسد" بسرعة، لكن هذا لم يحدث. وبعد أن نجح "الأسد" في تصوير سياساته القمعية على أنها حرب على الإرهاب، تضاءل الاهتمام بالصراع السوري.

وفي عام 2012، أطلق الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي" "مجموعة أصدقاء سوريا"، بعد أن استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة الفظائع التي ارتكبها النظام السوري ضد المتظاهرين المطالبين بالحرية. وضمت المؤتمرات التي نظمتها المجموعة في عام 2012 ممثلين من 70 دولة والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية. وبحلول عام 2013، شاركت 11 دولة فقط في التجمعات، التي تم تعليقها بعد ذلك بوقت قصير.

وفي عام 2013 عندما استخدم نظام "الأسد" غاز الأعصاب لقتل 1429 سوريا بينهم 426 طفلا، صوت البرلمان البريطاني ضد القيام بعمل عسكري. كما عارض الرأي العام الأمريكي شن ضربات ضد النظام، وقرر الرئيس "باراك أوباما" عدم التدخل. وكان الأساس المنطقي لعدم معاقبة "الأسد" هو أن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة حيوية في سوريا. وبالمثل، لم تتخذ واشنطن أي إجراءات عقابية ضد الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع دمشق.

وبالرغم أن وزارة الخارجية قالت إن الولايات المتحدة لا تشجع إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام "الأسد"، إلا أنها قبلت اختيار الدول العربية لمساراتها الخاصة. ولم تستبعد واشنطن العمل مع "الأسد" عند استعادة السلام في سوريا. وأوضحت الولايات المتحدة فقط أنها لن ترفع العقوبات عن الحكومة السورية أو تساهم في إعادة إعمار سوريا قبل أن يتوصل نظام "الأسد" إلى اتفاق سياسي مع جماعات المعارضة بشأن نظام الحكم ما بعد الصراع.

دافع أبوظبي

وفي عام 2011، علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا لديها بعد أن قطعت العديد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة "الأسد". لكن خروج الثورة السورية السلمية عن المسار السلمي خدم في الواقع الاستبداد العربي بشكل جيد، فقد حول سوريا إلى مسرح للصراع الطائفي، وأعطى الحكام العرب المبرر لقمع الانتفاضات في بلدانهم، مع ترويج أن تكلفة التغيير أكبر من أن تتحملها تلك البلدان، وإجبار الشعوب على الاختيار بين الاستقرار والدماء.

ولم يكن التطبيع ممكنا إلا بعد أن أسكت القادة العرب الاستبداديون الانتفاضات في بلدانهم وقضوا تماما على المطالب بالانتقال إلى الديمقراطية. وملأت أبوظبي الفراغ الذي خلفه عدم اهتمام واشنطن بالصراع، خاصة بعد سماح "أوباما"ب التدخل العسكري الروسي في الحرب الأهلية. وفي عام 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، ما شجع العديد من الدول العربية الأخرى مثل الأردن والبحرين على أن تحذو حذوها.

وفي الواقع، أعربت العديد من الدول العربية، باستثناء قطر، عن اهتمامها بتطبيع العلاقات مع نظام "الأسد". وكانت مصر أول من فعل ذلك في 2013 بعد أن أطاح "عبد الفتاح السيسي" بـ"محمد مرسي" كرئيس لمصر. ويعمل ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" حاليا على إجراء الترتيبات النهائية لإعادة تأهيل "الأسد" بين أقرانه العرب، وإن لم يكن على المستوى الدولي.

ولا تصر الدول العربية التي تسعى إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا على أن يشرع "الأسد" في إصلاحات أو إطلاق سراح السجناء السياسيين كشرط مسبق للتطبيع. ومع ذلك، فهي تريد تشجيع "الأسد" على النأي بنفسه عن إيران. وترى هذه الدول التطبيع كخطوة أولى نحو تقليص نفوذ إيران في سوريا، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تآكل هيمنتها على السياسة العراقية، وخنق "حزب الله" اللبناني، وإقناع طهران بالتخلي عن سعيها للسيطرة على المنطقة.

في غضون ذلك، يحتاج "الأسد" إلى تأمين حليف سياسي عربي قوي لتعزيز مصالحه التجارية المتضررة. وتناسب الإمارات، الدولة العربية المستقرة والمزدهرة، جميع الأهداف. وخلال زيارته الأخيرة إلى الإمارات، وصل "الأسد" إلى دبي، العاصمة التجارية لدولة الإمارات، وغادر من أبوظبي، عاصمتها السياسية. واستكشف "الأسد" مع مضيفيه في كلتا المدينتين آفاقا جديدة للتعاون في المجالات الحيوية. وقال محاورو "الأسد" في الإمارات إنهم يريدون الاستثمار في الطاقة المتجددة والتطوير العقاري في سوريا.

ولتبرير الرحلة، قال "بن زايد" إن إنهاء الصراع يتطلب البراجماتية، وإن إيران ستعزز قبضتها على سوريا ما لم تنته الحرب، خاصة الآن بعد أن انشغلت روسيا بأوكرانيا. وبالنسبة لإسرائيل، يعتقد الكثيرون أن كلا من إسرائيل والنظام السوري يريدان تطبيع العلاقات، لكن في الواقع لا يوجد في البلدين من يهتم بتوقيع معاهدة سلام رسمية، بالرغم أن إسرائيل لا تزال ملتزمة ببقاء "الأسد" سياسيا.

ورفض والد "الأسد"، الذي حكم سوريا من عام 1971 حتى وفاته عام 2000، التوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل؛ لأن مقاومة إسرائيل كانت مصدره الوحيد للشرعية الشعبية. لكن إسرائيل لم ترى أي سبب لصنع السلام مع دولة لا تملك القدرة العسكرية لتحديها في ساحة المعركة. وبالنسبة لكلا البلدين، فإن إقامة علاقات رسمية غير مهمة، ولن يمنع عدم وجودها التعاون سواء بشكل مباشر أو من خلال الإمارات.

قلق إيران

في غضون ذلك، تشعر إيران بالقلق من إعادة دمج سوريا في العالم العربي ونوايا "الأسد"، خاصة بعد زيارته للإمارات. وبالرغم أن إيران ووكلاءها الشيعة، بدعم من القوات الجوية الروسية، ساعدوا في منع انهيار النظام في دمشق، فإن "الأسد" يكره إيران وأيديولوجيتها الدينية، وهو عالق في تحالف بدأه والده الراحل، الذي وقف إلى جانب إيران عام 1980 في حربها ضد حزب البعث في العراق.

وتحاول إيران بهدوء خلق طبقة من المواطنين الموالين لها في سوريا، على غرار "حزب الله" في لبنان. وتضغط طهران على "الأسد" لمنح الشركات الإيرانية عقودا طويلة الأجل تصل إلى 50 عاما للاستثمار في الكهرباء والطرق والجسور والبناء. وأنشأ البلدان مؤخرا بنكا مشتركا استعدادا لإعادة الإعمار بعد الحرب وجهود إعادة التأهيل الاقتصادي. كما اتفقا على تطوير العديد من مناطق التجارة الحرة في سوريا لتعزيز الصادرات الإيرانية التي تشكل حاليا 3% فقط من الواردات السورية، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بـ30% من الواردات من تركيا.

وتحاول إيران تغيير أسس نفوذها في سوريا ما بعد الحرب، من الوجود العسكري الكبير إلى الهيمنة الاقتصادية، بالرغم من مقاومة "الأسد" غير المعلنة، حيث يعتبر روسيا ضامنا لنظامه وأمن العلويين، وبالتالي فهو مستعد لمنح موسكو حصة كبيرة في إعادة إعمار سوريا. وحتى الآن، قامت روسيا باستثمارات كبيرة في قطاعي الفوسفات والنفط، ومصنع للبتروكيماويات في حمص، وميناء طرطوس التجاري.

لكن "الأسد" غير مستعد لمنح إيران نصيبا مكافئا في اقتصاد ما بعد الحرب، بالرغم من تلقي إيران وعودا بالتعاون والمشاركة في مؤتمرات الأعمال التي لم ينتج عنها سوى صور لوسائل الإعلام. وبالرغم من الروابط الثقافية القوية بين البلدين، بفضل جهود طهران المستمرة على مدى العقدين الماضيين لتعزيز الثقافة والدين واللغة والتعليم والتاريخ الإيراني في سوريا، ينظر العلويون إلى إيران بازدراء، معتقدين أن طهران حاولت تغيير دينهم.

وتعد العلاقات الاقتصادية بين البلدين ضعيفة أيضا، وقد أضعفها "الأسد" عن عمد. وتجنب الرئيس السوري تقديم التزامات اقتصادية كبيرة لإيران، ووقع صفقات مالية مع شركات إيرانية لكنه لم ينفذها أبدا. ويتسبب هذا في إحباط متزايد في طهران. ومنذ انتفاضة 2011، أنفقت إيران نحو 30 مليار دولار لدعم النظام السوري وتريد الحصول على غنائم السلام الاقتصادية.

حدود روسيا

ويعتقد "بن زايد" أن بإمكان موسكو لعب دور حاسم في استقرار نظام "الأسد" وتمكين إسرائيل من تقويض الأصول الإيرانية في سوريا. وليس من الواضح إلى أي مدى ستؤثر حرب روسيا في أوكرانيا على تصور قادة الشرق الأوسط لموسكو كقوة عالمية. لكن على المدى الطويل، فإن انتشار روسيا في سوريا ليس قابلا لإعادة التطبيق ولن يجعلها قوة عسكرية متوسطية.

وتختلف السياسة الخارجية لروسيا عن سياسة الولايات المتحدة في أنها تفتقر إلى التركيز والعمق، وتسعى وراء الفرص بغض النظر عن الموقع الجغرافي. ويتم تحديد السياسة الخارجية لروسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي من خلال "مبدأ بريماكوف"، الذي تم إرساؤه عام 1996، ويهدف إلى إنشاء روسيا كمركز مستقل للقوة في الشؤون الخارجية لإنهاء الهيمنة الأمريكية العالمية.

وقد تحرك وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لوضع تلك العقيدة موضع التنفيذ في المحيط القريب لروسيا. وساعد في ذلك اكتساب القوات الروسية خبرة قيمة في سوريا. وفي العام الماضي، قال وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" للمسؤولين التنفيذيين في شركة تصنيع طائرات الهليكوبتر "روست فيرتول" إن سوريا كانت فرصة لبلاده لاختبار مروحيتها الهجومية الحديثة من طراز "مي 35 إم"، إلى جانب أكثر من 320 سلاحا آخر.

وحصل الطيارون الروس على تدريب على استهداف المستشفيات والمدارس والأسواق والمصانع، وهي تجربة أثبتت أنها مفيدة في الحرب في أوكرانيا. وقضت القوة الجوية الروسية على القوات المناهضة لـ"الأسد"، ما مكن النظام ووكلاءه من الانتصار في الحرب بعد عامين من المعارك غير الحاسمة. ومع ذلك، بعد استخدامها الوحشي للهجمات العشوائية، من غير المرجح أن تكون روسيا قادرة على استغلال الأصول الهيدروكربونية في سوريا.

ويبدو أن زيارة "الأسد" للإمارات كانت سابقة لأوانها، حيث جاءت أثناء أزمة دولية غير معروف نهايتها. ويذكرنا سلوك روسيا في أوكرانيا بحملتها الجوية العشوائية في سوريا. ومن المرجح أن تؤدي الصعوبات العسكرية الكبيرة التي تواجهها روسيا في أوكرانيا إلى تشجيع إيران على معارضة تفوق روسيا في سوريا، وهو ما يعزز موقف طهران أو قد يطلق عملا عسكريا إسرائيليا مكثفا.

المصدر | هلال خاشان - جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بشار الأسد زيارة الإمارات النفوذ الإيراني النفوذ الروسي حرب أوكرانيا إعادة إعمار سوريا

الأسد في الإمارات.. تعاون بلا قيود وتحد علني لواشنطن