انقلاب السودان.. اللعبة السياسية المريرة تتكشف بينما يجوع الملايين

السبت 26 مارس 2022 02:28 ص

قال الفريق أول "محمد حمدان دقلو"، وهو المسؤول الثاني في الجيش السوداني، لوسائل الإعلام إن سفارات السودان في الخارج لم تتلق أي تمويل خلال الـ 18 شهرا الماضية.

وأعلن "دقلو" المعروف باسم "حميدتي" والذي ظهر وهو يرتدي بدلة جيدة ويقرأ من بيان معدّ مسبقًا - إنه منزعج من الحالة العامة الرهيبة في البلاد، قائلًا: "الناس متعبون، والشعب يعاني؛ طلابنا تقطعت بهم السبل، وتوقفت سفاراتنا عن العمل".

صراع على السلطة

مضى نحو 5 أشهر منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول الذي قطع الفترة الانتقالية القصيرة للسودان، والتي سبق أن أشاد بها رئيس الوزراء السابق "عبدالله حمدوك" باعتبارها شراكة مدنية عسكرية فريدة من نوعها.

وبعد الإطاحة به في الانقلاب، تم وضع "حمدوك" في البداية تحت الاقامة الجبرية، ثم أعيد تنصيبه كرئيس للوزراء بموجب اتفاق قصير الأجل مع الزعماء العسكريين، قبل الاستقالة في يناير/كانون الثاني، ويعتقد أنه الآن في دبي.

ويقع مستقبل السودان الآن في أيدي مجموعة متنوعة من الضباط العسكريين وقوات الأمن والمتمردين السابقين، دون أي هيكل موحد ومعلن ​​لإدارة مصالحهم المتضاربة.

وفي الشهر الماضي مع مغادرة "حميدتي" للخرطوم لزيارة موسكو، اشتكى الجنرال "عبد الفتاح البرهان" للمسؤولين المصريين حول مناورة نائبه، معربًا عن مخاوفه من أن "حميدتي" يمكن أن يخطط للإطاحة به بمساعدة أطراف أجنبية. وقبل بضعة أيام من ذلك، تلقى"حميدتي" استقبالًا حارًا من ولي عهد أبوظبي الأمير "محمد بن زايد".

وفي اليوم الذي سافر فيه نائبه إلى موسكو، قام "البرهان" بجولة في معسكر جنوب الخرطوم، وشدد على أن الجيش لن يسلم السلطة إلا إلى حكومة تشكلت من خلال "إجماع وطني" أو انتخابات شفافة.

تولي دور جديد

تشمل مهمة الوصول إلى مثل هذا الإجماع "فولكر بيرتس"، رئيس بعثة الأمم المتّحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس) التي أنشئت في يونيو/حزيران 2020، حيث كان التفويض بهذه المهمة الخاصة في البداية لتوفير الدعم للسودان خلال انتقالها السياسي إلى الحكم الديمقراطي، بما في ذلك من خلال تعزيز حقوق الإنسان وحشد المساعدات الاقتصادية.

وخلال الفترة القصيرة من "نموذج" الشراكة بين المدنيين والعسكريين، كانت البعثة في الغالب تعمل في الخلفية، بالرغم أن "بيرتس" تحدث علانية حول الحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات.

ولكن بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقدت "يونيتامس" مبرر وجودها.

ومنذ ذلك الحين، تولى "بيرتس" دور الوسيط، وأصبح بسرعة واحدًا من أكثر الأصوات السياسية انخراطًا في البلاد.

وبعد إطلاق سلسلة من المشاورات بشأن العملية السياسية في السودان، أصدر ورقة موجزة الشهر الماضي، قال إنها نتاج أكثر من 110 اجتماع حضره 800 شخص، إلى جانب أكثر من 80 تقريرا مكتوبا.

ومن خلال هذا الكلام، يمكن استنتاج النطاق الضيق لهذه الاجتماعات، بالنظر إلى أن إجمالي سكان السودان يتجاوز 45 مليونًا.

ومن غير المستغرب أن هذا التقرير بدا في نهاية المطاف كأنه مجرد قائمة أمنيات، حيث ترقى نتائج جلسات التشاور إلى كونها مجرد مطالب شكلية، مثل إيقاف مقتل المتظاهرين، ورفع حالة الطوارئ، وضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتعديل الوثيقة الدستورية المنتهية لعام 2009، والتشكيل العاجل لمجلس تشريعي انتقالي وجيش موحد غير حزبي.

وبناء على ما ورد أعلاه، أوصى التقرير بأن تشمل الخطوات التالية ما يلي:

(1) جعل الأولوية للخطوات الحرجة.

(2) الشمول والملكية الوطنية.

(3) الحلول الشاملة.

(4) التسهيل والتزامن.

لا يصعب تخمين ما تعنيه هذه العناصر في الواقع، لكنها تبدو عملية أكثر منها سياسية، كأنها خرجت مباشرة من كتاب مختص بفن الإدارة. 

أما ما يفشل تقرير "يونيتامس" في الاعتراف به فهو الحقائق الغاشمة للسلطة على الأرض. 

أشهر قاسية قادمة

في الوقت نفسه، من المتوقع أن يواجه ما يقرب من ثلثي سكان السودان، أي أكثر من 18 مليون شخص، مستويات حادة من الجوع بحلول سبتمبر/أيلول، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.

وفي تقرير حديث، يستشهد البرنامج بالصراع المسلح والأزمة الاقتصادية وتراجع الحصاد كأسباب لتنبؤاته.

وقال التقرير: "يعاني نحو 13.6% من الأطفال دون سن الـ5 من سوء التغذية. وفي بعض المناطق، يصل انتشار سوء التغذية الحاد إلى 30%، وهي مستويات كارثية."

وفي الوقت نفسه، تتصاعد تكاليف الغذاء، ولجأت الحكومة - غير القادرة على تمويل سفاراتها - لرفع الضرائب ورفع دعم الوقود والكهرباء والخبز.

وبحسب ما ورد، فإن ميزانية 2022 تهدف إلى زيادة بنسبة 145% في الإيرادات الضريبية وزيادة 140% في إيرادات السلع والخدمات.

أما ما يعقد الأمور، فهو أن السودان تعتمد بشكل كبير على القمح الروسي لإطعام سكانها.

ففي يناير/كانون الثاني الماضي، تلقت السودان ومصر وإيران ثلثي صادرات القمح الروسية.

لكن الغزو الروسي لأوكرانيا - مع العلم بأن البلدين  يمثلان 29% من صادرات القمح العالمية - يهدد باضطرابات في المعروض وزيادة أسعار القمح ومستويات الجوع في عشوائيات الخرطوم.

أما "حميدتي" الذي بدا دائمًا كأنه تاجر، فيبدو أنه يعتقد أنه يستطيع تحمل الأشهر القاسية القادمة عن طريق بيع ساحل السودان إلى روسيا أو لمن يقدم عرضًا أعلى، أما "بيرتس" الذي أنهى تقريره فربما يتطلع إلى ترقية.

المصدر | مجدي الغزولي/ ميدل ايست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان حميدتي البرهان حمدوك محمد بن زايد انقلاب السودان احتجاجات السودان مجاعة السودان روسيا مجاعة

الخرطوم.. مئات المحتجين يطالبون بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين

الجبهة الثورية تقدم مبادرة لحل الأزمة السياسية في السودان