«ستراتفور»: هل تقبل السعودية إدارة إسلامية مشتركة للحرمين الشريفين؟

الاثنين 14 ديسمبر 2015 04:12 ص

في الوقت الذي يتفاعل فيه العالم مع مجموعة الهجمات الإرهابية لتنظيم «الدولة الإسلامية» والتي جلبت المآسي والموت إلى باريس، فإن رجال الدين المسلمين والعلمانيين على حد سواء قد بدأوا يرفعون أصواتهم بالحديث حول المشاكل داخل دار الإسلام. هم يؤكدون، بصوت مسموع لدى كل وسائل الإعلام، أنه لا يوجد سلطة واحدة تملك التحدث باسم جميع مسلمي العالم البالغ عددهم 1.5 مليار مسلم، وأن الإرهاب هو لعنة على الأخلاقيات الدينية الإسلامية وأن التوتر بين فروعها، وخاصة الطوائف السنية والشعية، ينبغي أن يتم التصدي له.

بعض من هذه القضايا يعود تاريخها إلى أكثر من 80 عاما، عندما هزمت الإمبراطورية العثمانية (أعلى سلطة في الإسلام السني) في الحرب العالمية الأولى وحلت محلها الجمهورية التركية الجديدة التي ورثت أنقاض الإمبراطورية. الآن فإن مسلمي القرن الحادي والعشرين، المتنوعين ثقافيا، والذين لا تجمعهم سلطة مركزية، يتعاملون مع الآثار المترتبة على عدم وجود سلطة واحدة متماسكة لواحدة من أكبر الأديان في العالم. والسؤال الأكثر إلحاحا في ظل هذا الوضع هو كيف يمكن تأكيد التنكر الشامل للدولة الإسلامية. أما السؤال الأكثر بساطة، والذي لا يزال معقدا إلى الآن هو: من الذي يجب أن يسيطر على أقدس المواقع الإسلامية؟

سوء الإدارة في مكة والمدينة

أهم هذه الأماكن هي مكة المكرمة والمدينة المنورة التي تمثل نقاط الاتصال الروحي للمسلمين في جميع أنحاء العالمالمسجد . الحرام، أو المسجد الكبير في مكة المكرمة، يضم البناء الديني الأكثر مركزية في الإسلام، الكعبة المشرفة. ترمز الكعبة إلى أول بيت بني لعبادة الإله الواحد وهي القبلة التي يتجه إليها المسلمون في كل صلاة. على مر الأوقات، فقد شهدت حوادث متكررة من الحرائق إلى الفيضانات، وقد أعيد بناء المسجد الذي يحميها وتم توسيعه مرارا وتكرارا على مدار القرون الـ14 الماضية. المدينة المنورة هي موطن المسجد النبوي، وهو المنطقة المحيطة حول بيت النبي «محمد». وقد تمت توسعته أيضا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصلين على مر الزمان. في الوقت الحاضر، فإن المملكة العربية السعودية تسيطر على المدينتين، ولكن هذا الترتيب قد أصبح موضعا لجدل متزايد بين المسلمين.

المخاوف بشأن سلطة المملكة العربية السعودية على الموقعين المقدسين قد تم تحييدها لبعض الوقت، ولكن التدافع القاتل الذي وقع في موسم الحج هذا العام قد أعاد تقدميها بمزيد من الإلحاح. وأشارت التقارير الأولية إلى أن أكثر من 700 شخصا لقوا حتفهم و 800 آخرين قد أصيبوا بجروح خلال الحشد الساحق للحجاج عند جسر الجمرات يوم 24 سبتمبر/ أيلول. وبحلول 10  ديسمبر/ كانون الأول، قيل أن عدد القتلى قد ارتفع إلى 2400 قتيل.

وتتابعت موجات الانتقادات واللوم، ووجهت العديد من الاتهامات للإدارة غير الكفؤة للحكومة السعودية. الرياض بدورها قد ألقت باللوم على الحجاج بسبب عدم اتباعهم للتعليمات.

الإشراف على الأماكن المقدسة

بدأ زعماء المسلمين الباحثين عن حل في الاقتراح أنه ربما يكون قد آن الأوان بالنسبة إلى آل سعود للتخلي عن سلطتهم المطلقة على المدينتين، اللتين تقعان ضمن الحدود الجغرافية للمملكة. إن ادعاء السعوديين شرعية الإشراف على مكة المكرمة والمدينة المنورة قد أتى نتيجة للسلطة الواقعة وليس التوافق أو الانتخاب. مع تصاعد الاحتجاجات ضد إدارة المملكة العربية السعودية للحج وتزايد الظروف غير الآمنة للحجاج والدمار الذي طال المواقع الأثرية في المدينتين المقدستين من أجل إفساح المجال للفنادق الفاخرة والمباني الشاهقة التي تشهد نموا صاخبا على نحو متزايد، فإن تراجع التأييد لدور المملكة الحاضن من المرجح أن يتقلص بمرور الوقت.

وقد تعاقبت السيادة على المدن المقدسة عدة مرات على مر القرون. بدأت السلطة مع النبي «محمد» عندما أنشأ المجتمع في المدينة المنورة في عام 622. وبعد وفاة النبي في عام 632، فإن السيطرة على الإمبراطورية الإسلامية المزدهرة قد تحولت من القادة المحليين إلى الخلافة الأموية في دمشق قبل تحويلها إلى الخلافة العباسية في بغداد ثم إلى الفاطميين في القاهرة، وأخيرا انتهى الحال بوقوع مكة المكرمة والمدينة المنورة تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية. بعد خسارة العثمانيين المدن في هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، فإن «عبدالعزيز بن سعود» (أول ملك المملكة العربية السعودية) قد راهن على دعواه على الأراضي التي شملت مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقد أنشأ مملكته رسميا في عام 1932. وقد حمله أبناءه فيما بعد لقب «خدام الحرمين الشريفين».

ولكن القرن الحادي والعشرين قد جلب تدقيقا جديدا في هذه الوصاية. على مدى الأعوام الثمانين الماضية، شهد المقيمون والزوار تغييرات سريعة وجذرية تحدث في المدينتين. وقد دمرت أحياء بأكملها بالقرب من الكعبة المشرفة في مكة المكرمة لإفساح الطريق لفنادق ريتزي والمحلات التجارية الراقية. برج الساعة، ثاني أطول في العالم، يلوح من فوق المسجد مثل «جودزيلا» مثل الصلب والزجاج. قام السعوديون بتدمير قلعة أجياد التي تعود إلى العصر العثماني خلال عام 2002 من أجل بناء البرج. وقد وقف وزير الثقافة التركي الأسبق «أستمحان تالاي» الأمر وقتها أنه تخريب ثقافي وحرب على التراث. المحيط التاريخي لمسجد المدينة المنورة من المرجح أن يلقى مصيرا مشابها.

وسط هذه التغيرات في محيط الأماكن المقدسة، لم تسع المملكة العربية السعودية بما يكفي للاستفادة من مشورة المهندسين والمهندسين المعماريين وخبراء السيطرة على الحشود. في مؤتمر صحفي عام 2013 في مكة المكرمة بشأن التوسعات الجارية في ذلك الوقت، سألت حكام المدينة وقتها حول هوية الجهات التي تشاوروا معها. بعد كل شيء، تنمية البلديات الكبرى في المدن الأمريكية وغالبا ما يتطلب لقاءات مفتوحة واستفتاءات. نظر المتحدث باسم السعودية في وجهي متسائلا وقال: وقال: «نحن لم نشاور أي أحد».

أجبته متابعة، من فضلك يا سيدي: إذا كنتم ستقومون بتوسيع المسجد كي يستوعب مليوني شخص أو أكثر يدورون حول الكعبة في نفس الوقت فإن الناس في الحلقات الأبعد سوف يكونون بعيدين جدا لدرجة أنهم لن يكونوا قادرين على رؤية الكعبة، التي جاؤوا لرؤيتها من مكان بعيد ومعظمهم يأتي لمرة واحدة في حياته. فأجاب دون تردد: «أنت لا تحتاج إلى رؤية الكعبة كي يكون حجك صحيحا».

ومن الواضح أيضا أن المملكة العربية السعودية هي التي تتحكم في تحديد هوية من يؤدون فريضة الحج نظرا لتحكمها في التأشيرات. حاليا، فإن النظام الموضوع للحصص هو الذي يتولى تحديد هذا الأمر. وفي الوقت نفسه، فإن الحجاج الأثرياء الذين يستطيعون البقاء في فنادق جديدة تطل على المواقع المقدسة تكون مهمتهم في أداء المناسك أوفر حظا، في حين تقع المساكن الأقل سعرا في أماكن بعيدة، ويضطر الحجاج إلى التكدس ساعات كل يوم في الحافلات أو السير على أقدامهم لمسافات طويلة من أجل الوصول إلى الكعبة. الأغنياء والفقراء على حد سواء يتعرضون لمتاهة من الحواجز والممرات الضيقة المؤدية إلى جسر الجمرات، حيث تقع مناسك «رجم الشيطان» وهو المكان الذي وقع به التدافع القاتل خلال عام 2015.

كل شعائر الحج السنوية والممارسات اليومية للعبادة عند الكعبة هي شعائر إسلامية وليست سعودية. تحتفظ المملكة بالسيطرة على أماكن المقدسة من خلال السلطة وليس عبر تفضيل شعبي.

الشرعية الدينية

ما البدائل موجودة؟ يمكن أن يكون على غرار الوضع الموجود في الفاتيكان. يقع مركز الكاثوليكية الرومانية داخل حدود إيطاليا، ولكن مدينة الفاتيكان هي كيان سياسي مستقل. الفاتيكان ليست إيطالية، تماما كما أن الكاثوليكية ليست إيطالية.

ولكن بدون سلطة دينية مركزية للمسلمين، فهل هناك خيار إسلامي؟، كان النبي «محمد» يستخدم الشورى لاتخاذ القرارات، وقد استقرت في المجتمع المسلم بعد وفاته. ربما يكون مجلسا استشاريا دوريا من ممثلين ينتخبهم رجال الدين المسلمين في العالم أحد الحلول المطروحة.

بعد فترة وجيزة من كارثة الحج هذا العام، اقترح مجلس الشؤون العامة الإسلامي، ومقره في كاليفورنيا أنه »إذا كانت المملكة العربية السعودية لا يمكنها التعامل مع التدقيق والإجابة على الأسئلة الصعبة، فقد حان الوقت لإعادة تقييم أدوارها ومسؤولياتها عن موسم الحج». وقد قالت اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان في لندن أن «الحجاج عليهم أن يعاملوا كضيوف الله وليس كضيوف على الحكومة السعودية»، وقد أوصت بإنشاء «نوع من الأوقاف الإسلامية، كما كان في وقت العثمانيين، من أجل الـتأكد أن الدول الإسلامية الرئيسية ستكون ممثلة في الواقع في ترتيب هذا الأمر».

لا يمكن لعائلة واحدة أو دولة أو خلافة قامت بتنصيب نفسها أن تدعي الحق في السيطرة على إيمان يستند إلى العالمية والتنوع والمساواة.  ولا يوجد كيان واحد لديه الأحقية للهيمنة على دين يقول: (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).

مما لا شك فيه إصلاح الإسلام ربما على النحو المضطرب والدموي مثل الإصلاح المسيحي. قد يصبح تشكيل لجنة دولية تشرف على مكة المكرمة والمدينة المنورة واحدة من العديد من علامات على طول الطريق الصخري لتمكين المسلمين لاستعادة دينهم من الذين يسيئون استخدام اسمه وروحه أيضا.

  كلمات مفتاحية

السعودية المسجد الحرام مكة المكرمة المسجد النبوي حادث التدافع في منى حادثة منى

«المونيتور»: الحوادث الدامية في مكة أعادت مطالبات الإدارة المشتركة للحج

«فورين بوليسي»: ثورة البناء في مكة تدمر المدينة المقدسة

«تليجراف»: السعودية تشرع في بناء أكبر فندق في العالم بمكة المكرمة

الأروقة العثمانية تعود من جديد حول الكعبة المشرفة

تدمير مكة: عن الذي فعلته السعودية بالمسلمين