صناديق الثروة السيادية السعودية .. «سلاح النفط» يضيع (1-2)

الأحد 24 أغسطس 2014 02:08 ص

محمد خالد – الخليج الجديد

توظيف سياسي يقلق الميزان العالمي للقوة المالية

عندما وقعت الأزمة المالية العالمية عام 2008 وانهارت مئات الشركات الغربية والبنوك، ظهرت أهمية الحاضر الغائب وهو «صناديق الثروة السيادية» Sovereign Wealth أو ما يسمي «صناديق الأجيال» ، وهي عبارة عن صناديق مالية تضع فيها الحكومات أموالها الضخمة وتستثمرها في مشاريع خاصة في الخارج تدر عليها أموالا طائلة ، وأشهرها علي الإطلاق هي صناديق الثروة السيادية الخليجية التي تمثل الوجه الآخر من الثروة النفطية ويمكن أن نعتبرها هي الوجه الآخر (المتطور) لسلاح النفط لقدرتها علي التحكم في مشاريع وطنية أمريكية مثلا واستخدامها كأدوات للضغط السياسي في المستقبل لو رغبت أن تلعب بها لصالحها أو لصالح الدول العربية والإسلامية.

إذ تكمن أهمية صناديق الثروة السيادية هذه التي تمتلكها الحكومات العربية والإسلامية بخلاف دول أسيوية وأجنبية ( أكبرها نرويجي ثم إماراتي ويليه الصيني وعددها 26 صندوق منها حوالي 9 عربية وإسلامية) في أنها تسيطر على أصول إستراتيجية أمريكية في مؤسسات مالية كبرى مثل «بلاك ستون» و«يو بى إس» و«ميريل لينش» و«مورجان ستانلى» و«سيتى»، ما يجعلها تتحكم في الاقتصاد الأمريكي وربما التأثير على السياسة الأمريكية لاحقا لو أرادت الدول العربية مالكة هذه الصناديق استعمال هذا السلاح، فضلا عن أنها تلعب دورا هاما في رفاهية مواطني هذه الدول العربية والإسلامية نفسها.

والغريب أنه برغم أن الصندوق السيادي للثروة بمثابة صندوق استثمار عام تملكه الدولة وتسعى من خلاله لاستثمار فوائضها المالية في الخارج كفوائض الصادرات النفطية والفوائض التي تحققها الميزانيات العامة، فلم تفكر المملكة في إنشاء صندوق سيادي لها في السنوات الماضية رغم الدور الذي تلعبه صناديق الثروة السيادية في السوق العالمي لرأس المال نظرا للفوائض الكبيرة التي تحققها بعض الدول في موازناتها، وجاء التفكير فيه مؤخرا قبل نحو شهرين فقط.

وقد أشارت وسائل إعلام رسمية في السعودية إلى أن مقترح إنشاء صندوق للثروة السيادية في المملكة قد أثار مناقشات في اجتماع لمجلس الشورى، إلا أنه لم يسفر عن نتيجة، وكشف تقرير اللجنة المالية لـ«مجلس الشورى السعودي» أن «الصندوق الاحتياطي الوطني» الذي سيستثمر جزءا من الثروة النفطية الضخمة للسعودية سيقام على الاستقرار المالي للبلاد.

ولم يتم الإفصاح حتى الساعة عن الإستراتيجية الاستثمارية للصندوق، لكن إذا أدير الصندوق المقترح مثل صناديق الثروة السيادية لبلدان خليجية غنية أخرى مثل قطر وأبوظبي فإن ذلك قد يعني تغيرا في وسائل تدفقات الأموال السعودية خلال الأسواق العالمية.

ولا يعني هذا أن الاستثمارات السعودية في الخارج التي تعد نوعا من «السلاح الاقتصادي السياسي للنفط» لم تلعب دورا في العالم، إذ أن «مؤسسة النقد العربي السعودي» تقوم منذ فترة طويلة وحتى اليوم بإدارة استثمار فائض الإيرادات النفطية للسعودية في الخارج مركزة على الأوعية الاستثمارية المنخفضة المخاطر،  فيما يشير حجم احتياطيات النقد الأجنبي للسعودية إلى أن صندوق الثروة السيادية المقترح قد يصبح أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم بناء على حجم الاحتياطيات التي سيخصصها.

ومنذ الأزمة المالية العالمية، عززت صناديق الثروة السيادية مركزها بوصفها جهات فاعلة وهامة في الأسواق المالية العالمية وما وراءها،  وباتت الصناديق، المتوقع أن  تشرف علي قرابة 12 تريليون دولار (التريليون ألف مليار) عام 2015، تعلب دورا سياسيا كبيرا في عالم اليوم.

فصناديق الثروة السيادية هي صناديق مكلفة بإدارة الثروات والاحتياطات المالية للحكومات، وأموالها تأتي من طريقين: ملكية ثروة السلع (خصوصا النفط والغاز). أو مدخرات الاقتصاد التصنيعي الذي يركز على التصدير، كما هي الحال في الصين وسنغافورة .

قلق غربي

وبرغم أن هذه الصناديق السيادية للثروة لعبت دورا هاما في تخفيف حدة الأزمة المالية العالمية الأخيرة ، إلا أن صنّاع السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا، على وجه الخصوص، يخشون تحكم هذه الصناديق – خصوصا العربية والإسلامية – في اقتصادهم ومن ثم تشكيلها أداة ضغط سياسية حين تريد الدول المالكة لهذه الصناديق ذلك، وتزداد خشيتهم مع الصناديق العربية والإسلامية بدعاوي أنها لا تتبع أسلوب الشفافية في عملها، ولذلك يراقبون تحرّك صناديق الثروة السيادية بقدر كبير من القلق إن لم يكن الارتباك.

فبعض صناديق الثروة السيادية لعبت دورا في تحقيق الاستقرار خلال الأزمة المالية العالمية، عبر توفير السيولة للمؤسسات المالية الغربية في الأيام الأولى للأزمة ولاقتصاد بلدانها في وقت لاحق، ولعبت دورا كحواجز دفاعية مالية ، ولكن هذا الدور مكنها من الظهور كجهات كبيرة فاعلة جيوسياسيا، ما يشير إلى تحوّل في الميزان العالمي للقوة المالية وما يرتبط بها من قوة سياسية، ما أثار القلق من أن تتحول علي المدي المتوسط والطويل للعب دور سياسي عالمي .

وما يقلق أمريكا والدول الصناعية الغربية –وفق دراسة لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية 2008– هو أن صناديق الثروة السيادية بدأت تدخل في صفقات ضخمة لحصص كبيرة نسبيا في شركات أمريكية وأوروبية عملاقة مثل «سيتي جروب»، و«مورجان ستانلي»، و«بير ستيرن»، و«ميريل لينش»، و«يو بي إس»، وغيرها من الشركات.

وقد أثار هذا مخاوف أمريكية من هيمنة تلك الصناديق السيادية على حصص كبيرة في شركات عملاقة أو دخولها إلى قطاعات البنية التحتية الإستراتيجية مثل الموانئ والمطارات وسكك الحديد، أو دخولها إلى صناعات إستراتيجية مثل التكنولوجيا والاتصالات والطيران والطاقة، وخاصة الطاقة النووية، والصناعات الحربية وغيرها، لاسيما أن أغلب تلك الصناديق تملكها وتديرها حكومات.

وإذا ما حدث ذلك فسوف يكون لتلك الصناديق تأثير كبير في صنع القرار الاقتصادي الأمريكي، وبالتالي سيكون للدول المالكة لتلك الصناديق سلطة التدخل في صناعة القرارات الاقتصادية المهمة في الدول الصناعية، أي التدخل في سيادة الدولة والتأثير في أمنها القومي.

وهناك عشرات التقارير والدراسات الأمريكية والأوروبية التي تتحدث عن أهمية وتأثير سلاح الأموال النفطية العربية في صناديق الاستثمار السيادية العربية، وهي ترشدنا لسلاح هام لا يقل عن سلاح النفط المباشر الذي استخدم عام 1973، ربما لم تتنبه له الدول النفطية العربية.

ولا شك أن تفكير السعودية في إنشاء صندوق للثروة السيادية يثير قلقا أكبر نه سيكون الأكبر علي الإطلاق من حيث حجمه، ولهذا يجري الترتيب لمراقبته والسيطرة عليه من جانب أمريكا والغرب عموما، خصوصا أن الصندوق المقترح سيبدأ برأسمال قدره 30% فقط من فوائض الميزانية المتراكمة على مدى السنوات الماضية، وحققت الحكومة السعودية خلال العام الماضي فقط 2013 فائضا في الميزانية قدر بنحو 55 مليار دولار.

في الجزء الثاني من التقرير: 

الوجه الأخر لسلاح النفط في صناديق الثروة السيادية

  كلمات مفتاحية

موجودات الصناديق السيادية الخليجية 35.4% من موجودات الصناديق السيادية في العالم

مرشح رئاسي أمريكي: على السعودية اقتسام ثرواتها معنا إذا أردات البقاء