استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

قمة مجلس التعاون الأخير في الميزان

الأربعاء 16 ديسمبر 2015 04:12 ص

عقدت القمة الخليجية السادسة والثلاثون الاسبوع الماضي في الرياض، واصدرت بيانا ختاميا تطرق لاغلب القضايا الساخنة في المنطقة. وبرغم الخلافات في الرؤى فقد حضر القمة اغلب الزعماء في ظرف ربما هو الاصعب منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 1981، والاخطر منذ الاجتياح العراقي للكويت في 1990.

ويسجل للمجلس قدرته على عقد القمم في مواعيدها السنوية وان لم تخل من حالات مقاطعة من قبل بعض القادة لاسباب عديدة.

قمة الرياض الاخيرة جاءت في وقت عصيب جدا، ليس على الصعيد الاقليمي الذي يشهد تدويلا غير مضمون النتائج فحسب، بل حتى على صعيد دول المجلس نفسه: العلاقات بين زعمائه وما يشوبها من خلافات، الحروب التي تحيط بها شمالا وجنوبا، والتوترات الداخلية الشديدة داخل بعض دوله، والاوضاع الاقتصادية التي تزداد تأزما مع استمرار تراجع اسعار النفط.

لذلك من الصعب اصدار حكم قاطع على مدى نجاح القمة او فشلها. فلا شك ان انعقادها برغم الصعوبات المذكورة انجاز للمجلس، ولكن عدم خروج قادتها بنتائج ملموسة خصوصا ازاء القضايا ذات الصلة بدول المجلس نفسها يمثل جانبا من عدم فاعليتها.

البيان الختامي كان متوازنا في اغلبه، وان كان قد اغفل حقائق على ارض الواقع خصوصا في ما يتعلق بالازمة السورية وحرب اليمن وشعوب دوله. ويمكن القول ان الدولة الراعية للقمة تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية، خصوصا في ضوء الادارة الجديدة للملك سلمان بن عبد العزيز ونجله، محمد، وتبعات ذلك على العلاقات في اوساط العائلة المالكة ومع بعض مسؤولي دول مجلس التعاون. 

هنا يجب الاعتراف بان قدرا من الواقعية اصبح يفرض نفسه على سياسات «الشقيقة الكبرى»، متمثلا بامور ثلاثة:

أولها غض زعمائها الطرف عن مواقف زعماء دول الخليج الاخرى التي تختلف مع السعودية سياسيا ومذهبيا، كسلطنة عمان. فالسعودية تدرك ان السياسات الخارجية للسلطنة ومواقفها تختلف مع قناعاتها، لا سيما علاقات مسقط مع إيران، ودورها في التقريب بين طهران وواشنطن والملف النووي، ورفضها المشاركة في الحرب على اليمن التي تقودها السعودية، ورفضها القاطع للتعامل مع المجموعات المتطرفة، وسعيها للتوسط في بعض قضايا دول المجلس الداخلية كالبحرين، كل ذلك يمثل اختلافا مع الرياض. مع ذلك التزمت الاخيرة بموقف هادىء ولم تدخل في صراع معلن مع مسقط.

ثانيها: ان السعودية استمعت، حتى الآن للمواقف الدولية المطالبة بعدم تنفيذ احكام الاعدام بحق اكثر من خمسين مواطنا ادانتهم محاكمها بسبب ارتباط بعضهم بالإرهاب وبعضهم بالحراك الاحتجاجي المطالب بالاصلاح السياسي.

ثالثها: استجابة السعودية للضغوط الخارجية بتطوير نظامها السياسي، وتشريع انتخابات للمجالس البلدية التي اجريت الاسبوع الماضي وشاركت فيها المرأة للمرة الاولى وفاز سبع عشرة منهن. وفي الوقت الذي ما تزال الرياض ترفض السماح للمرأة بقيادة السيارة فانها سمحت لها بالترشح لخوض الانتخابات التي ما تزال تجربتها في بداية الطريق. ومع انها منعت عمليا ترشح بعض الناشطات اللاتي رفعن اصواتهن بالمطالبة ببعض الحقوق، إلا ان المشروع يعكس بمجمله جانبا من الواقعية التي دفعت الحكام الجدد لانتهاج هذه السياسات. 

هذا المنحى السعودي يختلف عن منحى قادة البحرين الذين يرفضون الاستماع لمطالب لشعبهم والذين يصرون على مواصلة سياسة «العصا الغليظة» برغم عجزهم عن وقف الحراك الميداني الذي لم يتوقف منذ انتفاضة شعبها في 14 شباط/فبراير 2011. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر فقط كانت هناك 450 مسيرة احتجاجية في كافة انحاء البحرين، وقدم قرابة الالف مواطن للمحاكمة وصدرت احكام بحق ربعهم تقريبا. 

البيان الختامي لقمة مجلس التعاون السادسة والثلاثين تطرق للقضايا الساخنة كحرب اليمن والازمة السورية وظاهرة الإرهاب وأمن الخليج. لكنه لم يطرح خرائط طريق للخروج من هذه المآزق مكتفيا بترديد السياسات العامة التي تطرح عادة في هذه المؤتمرات. فقد ايد ما يسميه «الحل السياسي» في سوريا و»ضمان وحدة اراضيها واستقلالها».

ولم يكن صدفة تزامن قمة الرياض مع اجتماع مجموعات المعارضة السورية في المدينة نفسها بمبادرة سعودية لتوحيد صفوفها في هذه الفترة التي قد تكون حاسمة في مسار القضية. فروسيا بادرت لعمل عسكري نوعي ضد داعش والمجموعات الإرهابية، الامر الذي دفع الولايات المتحدة وحليفاتها لتدخل جوي مواز.

فقد اتضح لهؤلاء جميعا ان ظاهرة الإرهاب التي استخدمت اساسا لمواجهة النظام السوري لن توفر احدا. وقد تكرست هذه القناعة بعد حوادث باريس الاخيرة. الموقف الخليجي ليس واضحا بعد لأن المجموعات التي اجتمعت في الرياض اصبحت هي الاخرى مستهدفة بالقصف الجوي الروسي وكذلك من تنظيم داعش نفسه.

ويمكن القول ان قمة الرياض لم تحسم موقف المجلس ازاء الازمة السورية، فهو يضع رجلا في خندق دعاة الحل السياسي ورجلا اخرى مع المجموعات المسلحة. وفيما عدا الموقف العماني الواضح منذ البداية لا تبدو القمة ذات اثر على مسار القضية السورية. 

ويمكن سحب ذلك الموقف على قضية اليمن. فالبيان لم يتطرق للقصف العسكري اليومي الذي تقوم به السعودية وما يسمى «التحالف العربي» الذي تقوده، ولم يدع إلى وقف اطلاق النار في الوقت الذي اصبح واضحا عدم امكان حسم الازمة اليمنية عسكريا بعد اكثر من ثمانية شهور من القصف الذي حول اليمن إلى انقاض، وادى لمقتل اكثر من 5000 انسان ونزوح الملايين من سكانه.

مع ذلك اتضح عجز «التحالف العربي» عن حسم الحرب عسكريا، ووافق على عقد جولة جديدة من المفاوضات في جنيف بدأت هذا الاسبوع بحضور كافة الفرقاء. القمة الخليجية كانت ستكون اكثر فاعلية لو اتخذت قرارا بوقف القصف اليومي والتعجيل بالحل السياسي ودعم المبعوث الاممي الذي يسعى لتحقيق قدر من التفاهم كمقدمة لحل سياسي دائم.

والأرجح ان تبقى قضية اليمن متوترة في المستقبل المنظور خصوصا بعد ان توسع انتشار تنظيم «القاعدة» الذي سيستهدف السعودية وحليفاتها بعد ان سيطر على مساحات شاسعة خصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف الذي تقوده السعودية. كما ان موقف القمة من قضية فلسطين لم يكن بالمستوى المطلوب.

كان الاجدر به ان يعبر عن دعمه الانتفاضة الثالثة للشعب الفلسطيني، ويوجه نداء لمجلس الامن الدولي لاصدار قرارات جديدة لحماية المسجد الاقصى ووقف العنف الاسرائيلي الذي ادى لاستشهاد اكثر من مائة فلسطيني خلال الشهرين الاخيرين واعتقال عشرات الآلاف منهم.

قمة الرياض كان بامكانها ان تكون اكثر التحاما بقضايا دول المجلس نفسه، خصوصا بعد ان اعترف امير قطر في خطابه امام القمة بان تطلعات شعوب دول مجلس التعاون الخليجي أكبر مما حققه المجلس من انجازات، ليصل إلى القول : «اننا مطالبون بمزيد من الجهد». كان على المجتمعين ان يدركوا خطر اوضاعهم الداخلية خصوصا مع تداعي اسعار النفط واحتمال هبوط اسعاره العام المقبل إلى حوالي 20 دولارا وهو ما كان عليه قبل اكثر من عشرة اعوام.

القمة لم تعالج اسباب ذلك، وكان بامكانها اتخاذ قرار يلزم الدول الاعضاء بخفض الانتاج لحماية الاسعار، ولكنه لم يفعل ذلك. فالرياض سعت لاستخدام النفط سلاحا ضد روسيا وإيران والعراق بشكل خاص بسبب سياسات تلك الدول غير المتوافقة مع سياساتها ازاء الازمة السورية. 

فالوضع الاقتصادي في اغلب دول مجلس التعاون ينذر بالكارثة خصوصا مع استنزاف الخزائن في صفقات السلاح وتمويل المجموعات المسلحة في عدد من البلدان.

واستباقا لخفض صفقات السلاح، دعت منظمة العفو الدولية الاسبوع الماضي بريطانيا لوقف امداد السعودية بالسلاح بدعوى انه استخدم لضرب مدارس ومستشفيات في اليمن.

أي ان الدول الغربية تعلم ان الحقبة المقبلة ستكون صعبة جدا على الاوضاع السياسية والاقتصادية في الخليج وانها لن تستطيع مواصلة الانفاق الهائل على السلاح.

 

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن.

  كلمات مفتاحية

مجاس التعاون الخليجي قمة الرياض الخليجية انخفاض أسعار النفط

اختتام أعمال القمة الخليجية الـ36 بدعم الحل السياسي في سوريا واليمن