هل ينجح رهان أوروبا على أفريقيا كبديل للطاقة الروسية؟

الأربعاء 27 أبريل 2022 06:05 م

خلقت الحرب الاقتصادية ضد روسيا توترات في أسواق الطاقة الأوروبية التي تدافعت لتأمين مصادر بديلة للنفط والغاز الروسي. ومن الأمثلة على ذلك إبرام إيطاليا اتفاقات لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي من الجزائر وأنغولا.

ومع ذلك، فإن روسيا ليست قلقة للغاية، فهي تدرك المشاكل الداخلية المستوطنة في أوروبا، كما ستؤدي اتفاقية "أوبك+" والمنافسة على الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى استمرار اعتماد أوروبا على الصادرات الروسية إلى حد ما.

ولكن في الوقت ذاته، تحاول موسكو تحييد المخاطر، وهي ترى ما تفعله أوروبا، وسوف تتخذ جميع الخطوات الممكنة للحفاظ على موقعها في الأسواق الأوروبية من خلال زيادة التعاون مع الدول الأفريقية.

محاولة استبدال الغاز الروسي

يعد النقاش حول التخلي عن الغاز الروسي واللجوء لموردين آخرين -لا سيما في أفريقيا- ليس جديدا. فقد شجع الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" أوروبا على القيام بذلك منذ عام 1981 في وقت بناء خط أنابيب "أورينجوي - بوماري - أوجغورود" (القناة الرئيسية للصادرات الروسية إلى أوروبا عبر أوكرانيا). وكانت الفكرة هي إضعاف الاتحاد السوفيتي الذي كان -مثل روسيا اليوم- يعتمد اعتمادا كبيرا على إيرادات النفط والغاز.

ووضعت واشنطن سقفًا لأوروبا الغربية -يمكن للحلفاء شراء ما يصل إلى 30% فقط من من احتياجاتها من الغاز من الاتحاد السوفيتي- وتوقفت شركة "جنرال إلكتريك" عن تصدير التقنية والمعدات إلى الاتحاد السوفيتي تحت تهديد العقوبات. لكن في نهاية المطاف اختارت أوروبا مسارها الخاص؛ فقد أبرمت ألمانيا الغربية والاتحاد السوفيتي عقود بنية تحتية هامة تخص النفط والغاز، ولم يرد كلاهما التخلي عنها، أما الدول الأخرى فلم يكن لديها خيارات لزيادة إنتاجها.

وتعد التواترات الحالية مماثلة إلى حد ما. وسيكون لكبح الصادرات الروسية تداعيات خطيرة على الحكومة في موسكو التي تعتمد ثلث ميزانيتها على مبيعات النفط والغاز، مع استيراد أوروبا حوالي 85% من جميع الغاز الروسي. وهذا هو السبب في أن المفوضية الأوروبية سارعت إلى خطة لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية.

وإذا تم تنفيذ الخطة، فإن الاتحاد الاتحاد الأوروبي سيخفض واردات الغاز الروسي بنسبة تصل إلى الثلثين بحلول نهاية عام 2022، وسوف يتم تعويض هذه الإمدادات عن طريق زيادة الواردات من شبه الجزيرة العربية وآسيا الوسطى وأفريقيا وأذربيجان والنرويج، وكذلك الولايات المتحدة التي تصدر الغاز الطبيعي المسال.

لماذا الرهان على أفريقيا؟

في سياق الحرب الاقتصادية الحالية، تحتل الدول الأفريقية أهمية خاصة لعدة أسباب. أولا الكمية الهائلة من موارد الغاز الطبيعي والتي تبلغ نحو 455.2 تريليون متر مكعب، وفقا لشركة الطاقة البريطانية "بريتيش بتروليوم".

ثانيا هناك عامل القرب، فقد أدى الإرث الاستعماري إلى تركيز الدول الأفريقية على التجارة والروابط مع أوروبا. ثالثا هناك عدد من الدول الأفريقية، مثل الجزائر ونيجيريا، تصدر بالفعل كمية لا بأس بها من الغاز إلى أوروبا. ( الغاز الجزائري يمثل 12% من الاستهلاك الأوروبي بينما تمثل نيجيريا حوالي 3%).

والأهم من ذلك هو أن الدول الأفريقية لديها القدرة على زيادة الإنتاج والإمدادات دون إعادة توجيه كبيرة لتدفقات الإمدادات العالمية. وسيكون تحفيز الإنتاج واكتشاف المستودعات الجديدة طريقة أكثر فعالية في حرب الطاقة من إعادة توجيه تدفقات التجارة الحالية.

أما إذا فضل الاتحاد الأوروبي البلدان التي لديها بالفعل بنية تحتية متطورة للإنتاج والمعالجة والنقل، ولديها بالفعل عملاء وتحتل حصة سوقية كبيرة، فمن المرجح أن تتخلى هذه البلدان عن أسواقها الحالية لتغطية الطلب الأوروبي (كما هو الحال مع أذربيجان وقطر والنرويج) وسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى جعل النفط الروسي يملأ هذه الفجوات. لذلك فإن زيادة الإنتاج في أفريقيا يتجنب هذه المشكلة.

عراقيل خطيرة

كل ما سبق يسهل قوله ولكن ميدان العمل أمر مختلف، فكل بلد في الاتحاد الأوروبي يحاول إنجاز نفس الشيء ولكن على أساس ثنائي، وبالتالي فإن ما قد يستفيد منه بلد قد يأتي على حساب آخر.

وسيتوجب على أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين يذهبون في هذا المسار منفردين أن يتحملوا تكاليف هائلة في الموارد اللازمة لتعزيز الإنتاج الأفريقي بما يكفي لتعويض الإمدادات الروسية.

وفي الواقع، من الصعب للغاية تجاوز مشكلة تأسيس البنية التحتية اللازمة على المدى القصير. ولا تعود المشكلة لغياب خطوط أنابيب تماما، هناك مثلًا خط أنابيب الغاز الطبيعي "ترانسميد" الذي يمتد من الجزائر عبر تونس إلى صقلية ومن ثم إلى البر الرئيسي لإيطاليا، ويوصل حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. هناك أيضًا خط أنابيب "ميدغاز" الذي يربط أكبر حقل للغاز في الجزائر مع إسبانيا، ولديه سعة تصميمية تبلغ 8 مليارات متر مكعب سنويا.

لكن المشكلة أن خطوط الأنابيب الحالية إما غير كافية لاستبدال الواردات الروسية أو فقدت قدرتها على العمل بسبب مشاكل تأسيسية أو نزاعات إقليمية. (هذا هو الحال مع خط أنابيب الغاز المغرب - أوروبا في الجزائر). أضف إلى ذلك صعوبة بناء خطوط أنابيب جديدة عبر البحر الأبيض المتوسط، الذي غالبا ما يكون أعمق من قدرة التكنولوجيات الحديثة على الاستيعاب.

مشكلة الاستهلاك المحلي

وحتى لو كانت البنية التحتية الجديدة قابلة للتشغيل، فإن هناك مشكلة أخرى تتمثل في اضطرار منتجي الغاز إلى استهلاك المزيد من إنتاجهم.

ففي الجزائر على سبيل المثال، ارتفع استهلاك الغاز من 25.3 مليار متر مكعب في عام 2010 إلى 43.1 مليار متر مكعب في عام 2020. وفي مصر، قفز من 43.4 مليارات متر مكعب إلى 57.8 مليارات متر مكعب، بينما قفز في غرب إفريقيا من 8.6 مليارات متر مكعب إلى 25.2 مليار متر مربع.

ويعني ذلك أن الجزائر تستهلك نحو نصف ما تنتجه فيما وتستهلك مصر كل ما تنتجه تقريبا، بينما يستهلك غرب إفريقيا ثلثي ما ينتجه.

وخلال السنوات الأخيرة لم يكن الإنتاج متناسبا مع الزيادة في الاستهلاك لأسباب مختلفة. فقد بدأت شركات الطاقة الدولية في تقليل الاستثمار عندما انخفضت الأسعار. وفي الجزائر، أصبح من المكلف تطوير مناطق استكشاف جديدة -معظمها مخزونات غاز صخرية جديدة- بسبب عدم وجود موارد المياه اللازمة للكسور الهيدروليكي.

أما في نيجيريا، فيعتمد إنتاج الغاز على إنتاج النفط، وقد أصبح إنتاج النفط محدودا بسبب اتفاقية "أوبك+". وفي أنغولا، انخفض الإنتاج بأكثر من الثلث لأن المشغلين الغربيين لا يريدون استثمار أي أموال إضافية في الاقتصادات غير المستقرة.

وغني عن القول إن إعادة توجيه إمدادات الغاز اللازمة إلى أوروبا ستحبط السكان المحليين مما سيؤدي إلى موجات من الاضطرابات.

روسيا تتحوّط في رهاناتها

عززت روسيا موقفها في أفريقيا بشكل كبير. فقد قامت شركات "لوكويل" و"غازبروم" و"روزنفت" وغيرها، بتعزيز علاقات الطاقة بشكل مباشر أو غير مباشر مع العديد من الدول الأفريقية. على سبيل المثال، دخلت "لوكويل" مشروعًا بحريًا في منطقة تانو من جرف غانا في غرب إفريقيا، حيث يوجد حقلان للغاز.

واستحوذت "لوكويل" أيضا على حصة بنسبة 25% في مشروع "Marine XII" لإنتاج الهيدروكربونات على جرف جمهورية الكونغو، حيث يتم إنتاج الغاز المكثف من حقل غاز "ليتشينديلي". أما شركة "روسنفت" فقد استحوذت على حصة 30% في حقل غاز "زهر" البحري في مصر.

ولدى شركة "غازبروم" مشاريع في ليبيا والحقول البحرية في غينيا الاستوائية وأنغولا من خلال الشركة التابعة لها "NIS". وتشارك "غازبروم" في عمليات الاستكشاف والإنتاج في حقل "الأسيل" الجزائر، حيث تمتلك حصة 49%. وتشارك روسيا أيضا في النقل البحري، كما يتضح من النقل من الكاميرون إلى أسبانيا عبر ناقلة تابعة لشركة "غازبروم".

وبالنسبة لأوروبا، من الممكن العثور على شركاء جدد ولكن ذلك صعب. ويعد العثور على مستودعات جديدة مكلف ويستغرق وقتا طويلا. كما إن إعادة توجيه التدفقات الموجودة يخاطر بخلق المزيد من الأسواق لروسيا.

وحتى إذا سارت الأمور دون عقبات، فمن غير المرجح أن تحل أفريقيا محل الطاقة الروسية في السوق الأوروبي في أي وقت قريب. لذلك ستعتمد موسكو على عدم فعالية المشروع الأوروبي في أفريقيا على المدى القصير، مع الاستمرار في تعزيز حصتها في السوق على المدى المتوسط.

وإجمالا، فإن المستقبل لا يزال مشرقا أمام روسيا في مجال الطاقة بالنظر إلى افتقار أفريقيا إلى الاستثمارات والتكنولوجيا وفوق ذلك العلاقات الودية بين الدول الأفريقية وروسيا وسياسات العقوبات التي لا يوجد إجماع عليها.

المصدر | إيكاترينا زولوتوفا - جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب روسيا أزمة أوكرانيا الغاز الروسي طاقة أوروبا الولايات المتحدة حقل غاز أفريقيا الشرق الأوسط النفط العلاقات الروسية الأفريقية العلاقات الأوروبية الأفريقية حرب أوكرانيا

النقد الدولي: أفريقيا الأكثر تضررا من حرب روسيا في أوكرانيا

الإندبندنت: المواجهة حتمية.. النفوذ الروسي يتزايد في أفريقيا

بقيمة 195 مليار يورو.. خطة أوروبية للتخلي عن طاقة روسيا