ليبيا: متغيرات خارجية وثوابت داخلية

الأربعاء 4 مايو 2022 04:08 ص

ليبيا: متغيرات خارجية وثوابت داخلية

نهاية معاناة شعب ليبيا ليست قريبة فالآفاق لا تبدو في حال من الانسداد الشديد فقط بل تنذر بعواقب وخيمة تكمن في طياتها أشباح الحرب الأهلية.

فشل اجتماع فرقاء ليبيا بالقاهرة أظهر عقم خيارات السيسي الليبية خاصة بعد تصريحه الشهير بأن تجاوز مدينة سرت «خط أحمر» بالنسبة لمصر.

مع استعصاء الحلول السياسية استجمع «تنظيم الدولة» صفوفه في الجنوب الليبي وترافق ذلك مع تنشيط ميليشيات تشادية وسودانية في إقليم فزان.

المسائل التي تدفع الأطراف الليبية لمزيد من التعنت والخلاف والافتراق لا يلوح أنها تتأثر بأي تطورات ذات معنى على ساحات البلد السياسية والعسكرية والاقتصادية.

صراع اليوم حول مشروعية حكومة الدبيبة مقابل حكومة باشاغا استئناف أشبه بإعادة إنتاج للنزاع السابق حول حكومة فائز السراج مقابل حكومة عبد الله الثني.

* * *

أزمات ليبيا السياسية والعسكرية والاقتصادية والدستورية المتعددة لم يكن ينقصها التعقيد وصراعات الأطراف الداخلية وتشابك مصالح القوى الخارجية، حتى جاء الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا كي يزيدها تعقيداً سواء لجهة انشغال العالم بمسائل الحرب والطاقة وسلال العقوبات المفروضة على موسكو، أو تأجيل متابعة الملف الليبي إلى درجة الانصراف عنه نهائياً.

وهذه حال يمكن أن تُلاحظ تبعاتها من خلال التبدل الظاهر في طبائع الارتباطات السابقة وكذلك في اختلاط الأوراق على مستويات محلية وإقليمية ودولية، بحيث بلغ الأمر أن يقوم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة بزيارة غير مألوفة إلى أبوظبي، بعد زيارة مشهودة إلى الجزائر، أعقبتها زيارة إلى تونس.

على الجانب الآخر من الخلافات، فتحت تركيا أقنية تواصل مع رئيس الحكومة المعينة من مجلس النواب فتحي باشاغا، ونشر الأخير مقالة في صحيفة «تايمز» البريطانية تناشد لندن إقامة علاقات تحالف مع ليبيا وتشكو من ميليشيات فاغنر الروسية وتعرض على الغرب خدمات نفطية.

كذلك بدا غريباً عن خارطة القوى القديمة المتورطة في الملف الليبي أن تحتضن القاهرة اجتماعات بين ممثلين عن الدبيبة وباشاغا تحت رعاية رئيس المخابرات المصرية، وأن تنتهي إلى فشل ذريع لاح أنه التتويج الأوضح لعقم الخيارات الليبية التي اعتمدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وخاصة بعد تصريحه الشهير بأن تجاوز مدينة سرت «خط أحمر» بالنسبة إلى مصر.

ولم يكن أقل فشلاً ذلك المؤتمر الذي استضافته الجزائر لدول جوار ليبيا، وظهرت خلاله إلى العلن خلافات المؤتمرين ومصالحهم المتضاربة.

وفي باطن هذا المشهد الآخذ في التعقيد تتزايد معاناة الليبيين على أصعدة الحياة اليومية والمعاشية كافة، وبدل أن تدفع أزمات النفط الروسي الراهنة إلى انتعاش مبيعات النفط الليبي فإن إغلاق الموانئ النفطية خلال الفترة الأخيرة تسبب في خسائر تقارب 400 ألف برميل يومياً.

وفي ظل استعصاء الحلول السياسية واستمرار انشطار البلد إلى حكومتين كان تطوراً طبيعياً أن يعود «تنظيم الدولة» لاستجماع صفوفه في الجنوب الليبي، وأن يترافق ذلك مع عودة تنشيط ميليشيات تشادية وسودانية في إقليم فزان.

وأياً كانت تأثيرات الحرب في أوكرانيا على تجميد الاهتمام العالمي بالشأن الليبي، وبصرف النظر عن الثوابت أو المتغيرات لدى العواصم ذات التأثير مثل أنقرة وباريس وموسكو والقاهرة والرياض وأبو ظبي، إلى جانب واشنطن بالطبع، فإن المسائل التي تدفع الأطراف الليبية الداخلية إلى مزيد من التعنت والخلاف والافتراق لا يلوح أنها تأثرت أو سوف تتأثر بأي تطورات ذات معنى على ساحات البلد السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وليس صراع اليوم حول مشروعية حكومة الدبيبة مقابل حكومة باشاغا سوى استئناف أشبه بإعادة إنتاج للنزاع السابق حول حكومة فائز السراج في موازاة حكومة عبد الله الثني.

والخلاصة المؤسفة هي أن معاناة الشعب الليبي ليست قريبة من أي نهاية ملموسة، فالآفاق لا تبدو في حال من الانسداد الشديد فقط، بل هي تنذر بعواقب وخيمة تكمن في طياتها أشباح الحرب الأهلية.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

ليبيا، ثوابت خارجية، متغيرات داخلية، حكومة الدبيبة، حكومة باشاغا، الحرب الأهلية، تنظيم الدولة، ميليشيات تشادية وسودانية،