استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السعودية في سباق مُتأخّر مع قطر والإمارات

الأربعاء 4 مايو 2022 02:33 م

السعودية في سباق مُتأخّر مع قطر والإمارات

أمست الإمارات وقطر «عقدة» المملكة التي يتطلب حلحلتها إزالة موانع جمّة ربما تفوق قدرة بن سلمان.

إن أرادت السعودية لعب دور يتناسب مع حجمها يجب أن تستوعب شقيقاتها الخليجيات وتتقرب منهم وتعطيهم الأمان لئلا يلوذوا بحثا عنه بأماكن أخرى،

الانفتاح السعودي على إسرائيل إن حصل، لا يقاس بانفتاح الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وستكون السعودية الجائزة الكبرى في التقارب السعودي الإسرائيلي

من حق السعودية أن تكون لها اليد الطولى بالجزيرة العربية على الأقل لكن ليس على حساب سيادة الدول الأخرى أو ممارسة سياسات غير مسؤولة أكثر الأحيان.

عرف بن سلمان متأخراً بأنه لا يمكن أن يقود دولة إقليمية ذات أكبر اقتصاد في المنطقة بصورة جيدة ومفيدة دون التواصل والتعاون مع الدول الإقليمية الفاعلة.

بعد تراجع وضعف دور المملكة نتيجة سياسات خاطئة، قلب بن سلمان صفحة خلافه مع قطر وأراد أن يكون براغماتياً كأقرانه، بهدف التقرب من تركيا وأعاد تنشيط اللقاءات مع إيران ورحّب بعودة ديبلوماسيين إيرانيين إلى المملكة.

* * *

تأخّرت السعودية، الدولة الأكبر بين الممالك والإمارات العربية، كثيراً. تجاوزتها، بمكان ما، كل من الإمارات وقطر. باشر، أخيراً، ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان في قيادة قاطرة السباق في السياسة والاجتماع والدين والاقتصاد..، وفي إعادة قراءة دور المملكة في الإقليم. تنتظره عقبات وعوائق جمّة على مختلف الأصعدة.

«عقدة» السعودية!

من الطبيعي أن تثور حفيظة المملكة التي تغطي أراضيها أربع أخماس الجزيرة العربية، والتي لم يخطر في بالها في سبعينيات القرن الماضي، تاريخ نشوء واستقلال معظم دول الخليج من حولها، أن بعض تلك الدول ستقف في وجهها نداً مكتمل المواصفات، رغم محاولة المملكة الجيوسياسية لناحية رسم الحدود مع جيرانها وفي ما بينهم، بطريقة منعت فيها الاتصال البري بين الإمارات وقطر.

حيث أُجبرت الإمارات على التنازل للسعودية عن المنطقة القريبة من خور العيديد القطري وإغلاق الحدود البرية بين قطر ودولة الإمارات، وبات على القطريين الذهاب إلى أبو ظبي وبقية الإمارات الأخرى عبر الأراضي السعودية. كذلك فرضت المملكة التقسيم الذي يناسبها في واحة البريمي، ولم تعترف باستقلال الإمارات قبل أن تتنازل الأخيرة عن حقل الشيبة النفطي العملاق، الذي ما زال موضع خلاف ومطالبة إماراتية باستعادته.

لم يقرأ حكام السعودية جيداً سياسات الشيخ زايد وطموحات ابنه محمد الذي حلم ذات يوم بإحالة دبي إلى بيروت ثانية. ولم يقرأ أيضاً تميز سياسات الشيخ خليفة آل ثاني عن المملكة، لا سيما مع إيران الثورة، عندما تلكّأ في دعم حرب صدام حسين عليها، ومتابعة ابنه وحفيده (حمد وتميم) سياسات أزعجت المملكة كثيراً، بدءاً من فتح أبواب الجزيرة أمام الأميركيين لبناء أكبر قاعدة لهم في الشرق الأوسط عام 1996 (قاعدة العديد)، وذلك بعيد انفجار الخُبر في السعودية بقليل، مستغلين رفض الأخيرة انتشار قواعد أميركية على أراضيها، مروراً بإنشاء قناة «الجزيرة» التي لم تسلم من انتقاداتها وبرامجها المثيرة للجدل أي دولة عربية وعلى رأسها السعودية، وربما ليس انتهاءً باشتراك قطر بمحور ثالث في المنطقة (تركيا - قطر- «الإخوان المسلمين») منذ بداية الألفية الثالثة.

وعليه، أمست الإمارات وقطر «عقدة» المملكة التي يتطلب حلحلتها إزالة موانع جمّة ربما تفوق قدرة بن سلمان.

الوهابية

لم تحسب السعودية يوماً أن الإمارات سوف تتجاوزها بأشواط في أكثر من محل، لأكثر من سبب، منها؛ موجة الانفتاح وعدم التقيّد بالقيم والتقاليد والفتاوى الدينية، فيما السعودية غارقة في زواج «كاثوليكي» بين آل سعود وآل الشيخ منذ منتصف القرن الثامن عشر. حاولت السعودية مراراً التملص من بعض شروطه لكن الزواج ما زال قائماً.

ويقود ابن سلمان ثورة ضد ذلك الزواج إلى حد الهجران كون الطلاق غير جائز. فقيادة المرأة السعودية للسيارة، والسماح لها بالمغادرة من دون محرم، إضافة إلى السماح بإحياء الحفلات الموسيقية، وغيرها من الفعاليات الترفيهية، كلّها أمور أثارت انتقادات صامتة من المؤسسة الدينية القوية وحسب، كون جوهر المذهب الوهابي الذي يعطي الشرعية للحكم ما زال حاجة لحكم آل سعود.

بالتالي، الإبقاء على الوهابية على أنها الدعامة الثانية للنظام، إلى جانب دعامة العائلة الحاكمة، سوف تُعيق طموحات ابن سلمان لناحية توفير بيئة صالحة لنقل مقرّات الشركات العابرة للقارات وطواقمها من دبي إلى الرياض، والتي تستدعي توفير بيئة منفتحة تشبه ماركاتها الملونة وتتماهى مع المجتمع الأوروبي كما هي حال إمارة دبي.

لكن ما سمعناه بالأمس القريب في مقابلة ابن سلمان مع مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية، في ما خص المذهب الوهابي، يشير إلى تطور خطير باعتباره المذهب الوهابي هو أحد المذاهب الإسلامية الموجودة في السعودية ولا يختصر الدين الإسلامي: «السعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتمّ تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لإحدى هذه المذاهب (المذهب الوهابي) ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية، وربما حدث ذلك أحياناً سابقاً».

«نيوم» والتطبيع مع إسرائيل

التطبيع الذي ذهبت فيه الإمارات بعيداً، إذ تجاوزت مصر والأردن بكثير، واللتين ما زال شعباهما يرفضان التطبيع مع إسرائيل رغم مُضي أربعة عقود ونيف على اتفاقية «كامب ديفيد» وثلاثة عقود إلا قليل على اتفاق «وادي عربة».

هذا بطبيعة الحال لا يسري على السعودية، أو بمعنى آخر لا يمكن للمملكة أن تخطو هكذا خطوات وبهذه الخفة من دون أن تنظر إلى ثقلها وموقعها في العالم العربي والإسلامي.

فالانفتاح السعودي على إسرائيل إن حصل، لا يقاس بانفتاح الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وستكون السعودية الجائزة الكبرى في التقارب السعودي الإسرائيلي، وتسقط معه كل المحرمات، فعندما تطبّع «حارسة الحرمين الشريفين» في مكة والمدينة فعلى القضية الفلسطينية والقدس السلام.

من ذلك نفهم أن مساحة وهامش تحرك المملكة أضيق بكثير من فضاء الإمارات وقطر غير المعنيتين بما تؤول تصرفاتهم على الواقع العربي ومكانته في المنطقة والعالم. فيما السعودية تعتبر نفسها هي المعنية الأولى في «قيادة» العالم العربي الذي فقد ركائزه التقليدية (مصر والعراق وسوريا)، واستبدلت بـ«ركائز» إلى جانب السعودية، الإمارات وقطر، ركائز يصعب الركون إليها.

فحاجة بن سلمان ملحّة لتطبيع علاقاته مع إسرائيل لتنفيذ رؤيته «2030»، لا سيما في ما خص مدينة «نيوم» المستقبلية على سواحل البحر الأحمر في أقصى شمال غربي المملكة العربية السعودية بإمارة منطقة تبوك، والمحاذية لكل من الأردن ومصر، بحيث لا يمكن الاتصال بالبر المصري (شبه جزيرة سيناء) من طريق بناء جسر يعبر مضيق تيران ويربط مصر بـ«نيوم» إذا ما جرى التنسيق مع إسرائيل. حيث تتضمن معاهدة السلام للعام 1979 بين مصر وإسرائيل ضمان الشحن الإسرائيلي المجاني عبر مضيق تيران، بالتالي، يعتمد المشروع على موافقة الدولة العبرية.

وذلك بعدما سلخت جزيرتا تيران وصنافير عن أرض الكنانة بموافقة قيادتها، وأمست الجزيرتان جزءاً لا يتجزأ من الأراضي السعودية. وابن سلمان لا ينفك يمهد للتطبيع، ولكن ببطء وحذر، وقد أشار في مقابلته مع مجلة «ذي أتلانتيك» إلى أنه لا ينظر إلى إسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل في العديد من المصالح.

ونجاح مدينة «نيوم» أكثر من ضرورة، والتي يتوقف عليه مشروع «رؤية 2030» برمته، تلك المدينة التي تفوق الخيال، ويحلم بها ابن سلمان لأن تكون البديل الشرعي من إمارة دبي، درّة إنجازات آل مكتوم وآل نهيان على السواء. وليس بوسع السعودية أن يكون مصير المدينة الموعودة مشابه لمصير مركز الملك عبدالله المالي ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية اللذيْن لم يؤت ثمارهما، ولم يقدرا على مزاحمة مدينة دبي المستقطبة للجزء الأكبر من حركة الأموال والبضائع في الشرق الأوسط.

التطبيع مع إيران

كما التطبيع مع إسرائيل يشكّل عقدة للمملكة، فالأمر نفسه ينسحب على تطبيع علاقاتها مع الجارة الشرقية (إيران)، بخلاف قطر والإمارات، اللتين لا تجدان ضيراً في تطوير علاقاتهما مع إيران، حيث تشكّل الإمارات وموانئها (جبل علي والفجيرة) الفوهة التي تتنفس منها الجمهورية الإسلامية الأوكسجين في ظل الحصار وحزمة العقوبات الأميركية الغليظة التي تمارس عليها عملاً باستراتيجية «الضغوط القصوى».

وقطر، التي وجدت ضالتها في «الجمهورية» عندما فرضت عليها السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً محكماً إبان القطيعة التي دامت ثلاث سنوات ونصف (2017-2020)، بات الرأي العام فيها ينظر إلى إيران كدولة صديقة وموازنة للدولة السعودية في الإقليم، والتي لم تعد تأمن لها الإمارة الصغيرة.

هذا فضلاً عن حاجة التواصل بين الدولتين اللتين تتقاسمان أكبر حقل غاز في العالم حقل «غاز الشمال» أو ما يعرف بإيران بـ«حقل بارس الجنوبي»، وهو حقل غاز طبيعي يقع في الخليج العربي، يحوي 50.97 ترليون متر مكعب من الغاز، وتبلغ مساحته نحو 9700 كيلومتر مربع منها 6000 في مياه قطر الإقليمية و 3700 في المياه الإيرانية، اكتشف عام 1971، وبدأ الإنتاج فيه عام 1989.

فأبو ظبي وقطر عندما ترسم قيادتهما خريطة سياساتهما تجاه طهران، لا تضعان في حساباتهما مصلحة الإقليم والنفوذ الإيراني المتعاظم فيه بقدر ما تصوبان على مصلحتيهما الوطنية وحسب. كونهما تعرفان مسبقاً أن ضريبة العلاقات الصراعية مع إيران تفوق بكثير ضريبة العلاقات التعاونية، وتدركان جيداً أنهما ستكونان أولى ضحايا التوتر مع الجارة الشرقية إذا ما تطور إلى حرب في الخليج العربي.

وفي المقابل، المملكة التي تخوض صراعاً على المكانة والنفوذ مع «الجمهورية»، لا يمكنها أن تنظر إلى علاقتها مع إيران إلا من باب العلاقة «الصفرية». بمعنى آخر، أي علامة تحسب لطهران تحذف ما يقابلها للرياض. وعليه، ثمة ضوابط تحكم علاقة البلدين، بالتالي لا يمكن لابن سلمان أن يكون براغماتياً على غرار أقرانه الشيخ محمد بن زايد والأمير تميم بن حمد، المنشغلين في أمور أخرى تعني بلديهما، فيما السعودية غارقة في ساحات الصراع الأربعة مع إيران؛ اليمن، العراق، سوريا ولبنان.

التطبيع مع تركيا

رغم رفض وخشية الإمارات التقليدية من الإسلام السياسي، عندما رأت مصلحة في تطبيع علاقتها مع تركيا، التي تشكل الحاضنة والمأوى الآمن والمحبب لقيادات «الإخوان المسلمين»، لم تتوان في مد يد العون لتركيا وطي صفحة العداء أو الخصومة معها، وتبادل الزيارات على أعلى المستويات.

يلاحظ المراقب لهذه المتغيّرات الطارئة على سياسات الإمارات منذ فترة وجيزة بعد عقد من الزمن على خوضها حروباً في سوريا وليبيا واليمن بقوات مرتزقة، وغالباً ما كانت في مواجهة مرتزقة تركيا، أن أبو ظبي تتمتع ببراغماتية غير معهودة مهما كانت كلفة تلك السياسات المتبعة شريطة أن تخدم مشاريعها واستراتيجياتها في المنطقة.

وقطر هي من الجهات الاستثمارية المهمة في القطاعَين المصرفي والعقاري، والبورصة ومراكز التسوّق في تركيا، وترتبط بتحالف مع تركيا سمح للأخيرة ببناء قاعدة عسكرية لها (قاعدة الريان) عام 2014 على الأراضي القطرية، ولم ينقص الدوحة بعد إلا استضافة قاعدة عسكرية إيرانية ليكتمل المصرع مع جيرانها من دول مجلس التعاون.

هذا في الوقت الذي بالكاد فكرت فيه الرياض في إعادة الدفء إلى علاقاتها مع أنقرة، أبرز منافسيها على زعامة العالم الإسلامي. ولا يمكنها التعاطي معها إلا من هذا الموقع الذي يثير الحساسية ومن شأنه أن يعرقل تطور علاقات البلدين.

خاتمة

يبدو أن بن سلمان، بعد تراجع وضعف دور المملكة نتيجة سياسات خاطئة، قد قلب صفحة خلافه مع قطر وأراد أن يكون براغماتياً كأقرانه، وذلك بهدف التقرب من تركيا، وأعاد تنشيط اللقاءات مع إيران ورحّب بعودة ديبلوماسيين إيرانيين إلى المملكة. لكنه عرف متأخراً بأنه لا يمكن أن يقود دولة إقليمية ذات أكبر اقتصاد في المنطقة بصورة جيدة ومفيدة من دون التواصل والتعاون مع الدول الإقليمية الفاعلة في الإقليم.

وعرف متأخراً أيضاً مدى قدرة تأثير المملكة في المنطقة والعالم، أقلّه من خلال ثروتها النفطية (ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم)، حيث استجداه الغرب لزيادة إنتاج هذه السلعة الاستراتيجية لتغطية النقص الحاصل ورفع سعر برميل النفط إثر الحرب الأوكرانية.

في المحصلة، إن أرادت السعودية أن تلعب الدور الذي يتناسب مع حجمها عليها أن تستوعب شقيقاتها، من الإمارات إلى قطر وغيرهما، وتتقرب منهم وتعطيهم الأمان حتى لا يلوذوا في التفتيش عنه في أماكن أخرى، فمن حق السعودية أن تكون صاحبة اليد الطولى في الجزيرة العربية على الأقل، لكن ليس على حساب سيادة واستقلال الدول الأخرى، أو ممارسة سياسات غير مسؤولة في أكثر الأحيان.

* د. مهدي عقيل كاتب وباحث سياسي لبناني

المصدر | الأخبار

  كلمات مفتاحية

السعودية، الإمارات، قطر، بن سلمان، نفط، اقتصاد، نيوم، تطبيع مع إسرائيل، تركيا، إيران، حقل الشمال، الوهابية،