الانقلابيون والتلاعب بالأمن
انقلاب قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر الماضي، وكعادة جميع الانقلابات، تم تعليل تنفيذه بالإشارة إلى انهيار الأمن.
سلطة الانقلاب قرأت من ذات الكتب التي تجعل التدهور الأمني فزاعة لمن ينادي بعودة العسكر للثكنات: إما نحن ومعنا الأمن أو المدنية زائد الفوضى!
خلال خلافات العسكر مع المدنيين، برزت الجرائم بشكل أكبر مما كانت عليه خاصة جرائم النهب في أحياء وأسواق الخرطوم عبر عصابات تبدو منظمة وموجّهة.
مقاومة الانقلاب قابلتها زيادة حوادث النهب وتراخي الأجهزة الأمنية وتباطؤ تدخلها وعدم ملاحقة العصابات لانشغالها بملاحقة المحتجين والتنكيل بهم قتلاً وإصابة واعتقالاً.
* * *
بعد سقوط نظام عمر البشير ومحاولة العسكر تصدّر المشهد ووراثته، وفي خضم خلافاتهم على طاولة التفاوض مع المدنيين، برزت الجرائم بشكل أكبر مما كانت عليه، ولا سيما جرائم النهب في الأحياء والأسواق في الخرطوم وعبر عصابات تبدو منظمة أو موجّهة.
بعد انتهاء المفاوضات لصالح الدولة المدنية وتكوين حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وقبول العسكر بذلك على مضض، واجهت الحكومة زيادة في وتيرة التفلتات الأمنية وتضجّر الشارع وتململه.
كما واجهت حملة منظمة بشكل أكبر من قبل العصابات لتحميل المدنيين في السلطة مسؤولية ذلك، والإفصاح أو التلميح إلى أنه لو آل الأمر كله للعسكر، الأجدر والأكثر خبرة بإدارة الملفات والأزمات الأمنية، لما حدثت الفوضى التي يصرّ البعض على ربطها بالمدنية والأنظمة الديمقراطية.
وقد حدث ذلك رغم أن الاتفاق السياسي أعطى العسكر وزارتي الداخلية والدفاع، وحق تعيين قادة الأجهزة الأمنية وإدارة كل العمليات الأمنية.
انقلاب قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر الماضي، وكعادة جميع الانقلابات، تم تعليل تنفيذه بالإشارة إلى انهيار الأمن.
ومن المعلوم أن الانقلاب وجد مقاومة شعبية واسعة تجلّت في حراك ثوري لم ولن ينقطع، حسب كل المؤشرات، إلا بتنحي العسكر وعودتهم إلى ثكناتهم، أو هكذا يطالب ثوار السودان وثائراته.
تلك المقاومة قابلتها زيادة في حوادث النهب، وسط تراخي الأجهزة الأمنية وتباطؤها في التدخل وملاحقة العصابات، لانشغالها بملاحقة المحتجين والتنكيل بهم؛ قتلاً وإصابة واعتقالاً.
في مارس وإبريل الماضيين، قرر التفكير الجمعي للسودانيين في الخرطوم، وبصورة عفوية، التصدي لمجموعات النهب المسلح عبر لجان الأحياء والمناطق، وذلك بترصّد العصابات والقبض عليها وحبسها وتصويرها والتحقيق معها في بعض الأحيان، من دون حتى تحويلها لأقسام الشرطة.
وإن بدا هذا التفكير مخالفاً لصحيح القانون وسيادة حكمه، ويكرّس أخذ الحقوق باليد، لكنه ترياق ضروري لغياب مؤسسات الدولة. ومهما كان، فقد ساهم في تقليل الجريمة بنسبة أو بأخرى.
الشهر الماضي، تحركت سلطات الانقلاب العسكري وشنت حملاتها على أوكار الجريمة ولاحقت المجرمين، فصار الوضع أفضل بكثير من الأشهر السابقة.
وبقدر ما يحسب ذلك للأجهزة الأمنية، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن جريمتها الكبرى بتأخّرها في التعاطي الجاد مع الظاهرة منذ البداية. وهو أمر لا يعطي إلا تفسيراً وحيداً، وهو أن سلطة الانقلاب قرأت من ذات الكتب الصفراء والبالية التي تجعل من التدهور الأمني فزاعة لكل من ينادي بعودة العسكر للثكنات (إما نحن ومعنا الأمن أو المدنية زائد الفوضى).
لكن فاتها أن شعب السودان وبقية شعوب الربيع التي ترنو للحرية والديمقراطية والمدنية، استوعبت الدرس وملّت المسرحيات رديئة الإخراج.
* عبد الحميد عوض كاتب صحفي سوداني
