السودان وتونس: انقلابان وحواران!

السبت 11 يونيو 2022 06:23 ص

السودان وتونس: انقلابان وحواران!

الوسائل التي ينبغي اعتمادها لهزيمة الانقلاب: الثورة الشعبية، والتضامن الدولي والإقليمي، والحل السياسي المفضي لتسليم السلطة للمدنيين.

كان العسكر السودانيون واضحين في طريقة انقلابهم، باعتقال الوزراء ورئيسهم، وإصدار قرارات تحكم سلطتهم وتلغي إنجازات الحكومة المدنية.

لجأ قيس سعيّد إلى إغلاق البرلمان بالقوة، وتبعت ذلك قرارات تعزز سلطاته التنفيذية، طالت مجمل مؤسسات الدولة، من النائب العام إلى القضاء ورؤساء البلديات.

اجتماع روتانا حضرته قوى اعتبر سعيها للاجتماع «شرعنة للانقلاب وبناء لحاضنة متحكم بها على أساس قسمة السلطة بعيدا عن قضايا الثورة والانتقال المدني الديمقراطي».

ما لم تسترد القوى السياسية بتونس الشارع لصفوفها فحظها في الاستفادة من الضغوط الدولية على سعيّد لتخفيف دكتاتوريته المتصاعدة أقل كثيرا من نظرائها بالسودان.

* * *

أصدرت «قوى الحرية والتغيير»، وهي ائتلاف لقوى معارضة سودانية، بيانا يشرح خلفيات اجتماع، تمّ برعاية أمريكية – سعودية، وتمّ بين وفد منها وآخر من «المكوّن العسكري» الحاكم في البلاد، معتبرا أن اللقاء مع «قادة السلطة الانقلابية من العسكريين» هو من الوسائل التي تعتمدها لهزيمة الانقلاب، وهي الثورة الشعبية، والتضامن الدولي والإقليمي، والحل السياسي المفضي لتسليم السلطة للمدنيين.

جاء الاجتماع الأخير بعد تعثّر محاولة «المكوّن العسكري» إعطاء الشرعيّة لحوار سياسي حقيقي بين الأطراف السودانية الفاعلة، عبر تركيبته لما سمته المعارضة السودانية «اجتماع روتانا»، الذي حضرته قوى اعتبر سعيها للاجتماع، حسب قوى الحرية والتغيير، «شرعنة للانقلاب وبناء لحاضنة متحكم بها على أساس قسمة السلطة بعيدا عن قضايا الثورة والانتقال المدني الديمقراطي».

انتقد البعض حضور «الحرية والتغيير» اللقاء المذكور، وذكروا برفعها اللاءات الثلاثة: «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية مع من انقلب على إرادة الشعب السوداني»، وقد بررت «الحرية والتغيير» قبولها بإجراء اللقاء بكونها طرحت فيه رؤية واضحة حول إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للشعب، وبإنهاء مسار «حوار روتانا» الذي يشرعن الانقلاب.

يأتي الاجتماع المذكور كتطوّر مهم في الأوضاع السودانية، منذ أن حل عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، الحكومة المدنية واعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وكبار الشخصيات المدنية التي كان الجيش قد وافق على اقتسام السلطة معها إلى حين إجراء انتخابات في العام التالي.

بغض النظر عن فشله أو نجاحه في حلحلة الأزمة بين سلطة الانقلاب والقوى المدنية السودانية، فإن الاجتماع يشير إلى تضافر العوامل الثلاثة التي ذكرها بيان «الحرية والتغيير»، والمتمثلة في استمرار التظاهرات والاحتجاجات الشعبية رغم القمع الدموي ضدها، والضغوط الأممية والدولية والإقليمية على المنظومة الحاكمة، والحفاظ على تماسك سياسي معقول للقوى السياسية المناهضة للانقلاب.

تبعد العاصمة السودانية الخرطوم عن تونس العاصمة قرابة ثلاثة آلاف كيلومتر، لكن كما كان هناك رابط بين ما حصل في تونس من أحداث سياسية عام 2011 حين افتتحت موجة ثورات عربية نضجت ظروفها الموضوعية ضد أنظمة عسكرية – أمنية فاسدة، فمن المفيد، لكلا الشعبين، المقارنة بين ما يحصل في ساحاتهما.

تفصل بين انقلاب قيس سعيّد، الذي جرى في 25 تموز/يوليو، بدعم من أجهزة الجيش والأمن التونسية، وانقلاب عبد الفتاح البرهان/ محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الذي جرى في 25 تشرين أول/أكتوبر، ثلاثة شهور فقط، وفي الوقت الذي كان فيه العسكر السودانيون واضحين في طريقة انقلابهم، عبر اعتقال الوزراء ورئيسهم، وإصدار قرارات تحكم سلطتهم وتلغي إنجازات الحكومة المدنية، لجأ سعيّد إلى إغلاق البرلمان بالقوة، وتبعت ذلك قرارات تعزز سلطاته التنفيذية، طالت مجمل مؤسسات الدولة، من النائب العام إلى القضاء ورؤساء البلديات.

لجأ سعيّد إلى أساليب مستحدثة في تجاهل القوى السياسية، وذلك عبر ما سمي «الاستشارة الوطنية» الإلكترونية، التي شارك فيها أقل من 500 ألف شخص بينهم أطفال، أما «الحوار الوطني» فلم يكن يشبه حتى ما سمته المعارضة السودانية «حوار روتانا»، حيث انتفى منه معنى الحوار بإعلان شروط للمشاركة فيه، وهو ما دفع «الاتحاد العام للشغل»، الذي كان الطرف الرئيسي الداعم لإجراءات سعيّد إلى إعلان رفضه له «لتهميشه القوى السياسية والاجتماعية»، وبعد إعلان سعيّد «انطلاق الحوار» لم تعد ترد أنباء عنه، في دليل واضح على هلهلته وعدم استطاعة الرئيس تركيب شيء مفيد منه.

إحدى الاختلافات المهمة للوضع السوداني عن نظيره التونسي، أن القوى السياسية المعارضة في السودان تملك زمام المبادرة في الشارع، رغم مواجهتها بقمع دموي عالي المنسوب، هو ما يجعلها قادرة على الاستفادة من ضغوط دولية وإقليمية على النظام، كما يجعلها أقدر على تخفيف أثر لجوء العسكر السودانيين لدعم إسرائيل، وهو ما اضطر سلطة الانقلاب السودانية للعودة لطاولة المفاوضات مع المعارضة الحقيقية.

وبالتالي، فما لم تستطع القوى السياسية التونسية من إعادة الشارع إلى صفوفها، فإن حظوظها في الاستفادة من الضغوط الدولية على سعيّد، وتخفيف نزعة الدكتاتور المتصاعدة لدى الرئيس، ستكون أقل بكثير من نظرائها في السودان.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، السودان، انقلاب، حوار، العسكر، إسرائيل، الشارع، الضغوط الدولية، البرهان، حميدتي، قيس سعيّد، الثورة الشعبية،