تونس.. الدستور الجديد ينسف مكاسب الربيع العربي وينذر باضطرابات واسعة

الجمعة 8 يوليو 2022 11:06 ص

انطلقت في تونس حملة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، في ظل فتور ملحوظ واتهامات موجهة إلى هيئة الانتخابات بدعوى "الانحياز" للرئيس "قيس سعيد"، ووسط تساؤلات عما إذا كان"سعيد" سيلتزم بنتائج الاستفتاء إن رفض الناخبون مشروعه الذي يستبدل النظام السياسي القائم من البرلماني المعدل إلى النظام الرئاسي الذي أطاح به ثوار الربيع العربي قبل عقد من الزمن.

ومن المقرر أن يصوت التونسيون في 25 يوليو/تموز الجاري على مشروع الدستور الذي تمت صياغته عبر عملية استشارية سريعة ومثيرة للجدل أشرف عليها "سعيد". وستجرى الانتخابات بعد عام من تجميد "سعيد" للبرلمان ومنحه سلطات تنفيذية أكبر لنفسه.

ولا يوجد حد أدنى للمشاركة في الاستفتاء، ما يعني أن النتيجة ستعتبر شرعية بغض النظر عن عدد التونسيين الذين سيدلون بأصواتهم. ويتمتع مكتب الرئيس أيضًا بسلطة ونفوذ كبير لتوجيه الأنشطة الحكومية والتأثير على قرارات هيئة الانتخابات. وبالنظر إلى هذه العوامل، من المتوقع أن يتم تمرير الاستفتاء على الدستور.

ويعني ذلك أن مشروع الدستور، الذي كشف النقاب عنه في 30 يونيو/حزيران الماضي، سيكون واقعا سواء أحب ذلك معظم التونسيين أو لا.

ويمنح الدستور الجديد سلطات أكبر لرئيس الجمهورية خلافا لدستور 2014، الذي يتقاسم فيه الرئيس السلطات مع البرلمان، ما يُعيد إرساء النظام الذي كان قائما قبل ثورة 2011، والذي يضمن سلطات أوسع للرئيس مع دور أقل للبرلمان.

ويقلص الدستور الجديد صلاحيات نواب البرلمان مقارنة بما كانوا يتمتعون به في دستور 2014. وينص على أن التفويض الممنوح للنائب يمكن سحبه وفق الشروط التي يحددها قانون الانتخابات. وينص على أن "النائب لا يتمتع بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والسب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس (البرلمان)".

ويمنح الدستور الرئيس الحق في طرح مشروعات القوانين على البرلمان، وهو من يقدم مشروعات قوانين الموافقة على المعاهدات ومشروعات القوانين المالية. وبجانب البرلمان، جاء المشروع الجديد للدستور بغرفة برلمانية ثانية هي "المجلس الوطني للجهات والأقاليم"، دون ذكر تفاصيل واضحة عن مهامه أو طريقة انتخابه والصلاحيات التي سيتمتع بها.

وسيكون لرئيس الجمهورية سلطة حل مجلس نواب الشعب (البرلمان) والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو أحدهما، ويدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها. ووفقا للدستور الجديد، لا يمكن للبرلمان إقالة الحكومة أو حجب الثقة عنها في التصويت إلا بتأييد ثلثي النواب (تتم بتأييد النصف زائد واحد في دستور 2014).

ومن شأن هذه التغييرات أن تقنن خسارة البلاد لمكاسب الربيع العربي مع استعادة النظام الاستبدادي الذي أطاحت به ثورة 2011.

وفي حين أن دستور 2014 ساهم في تعزيز الديمقراطية لكنه سمح أيضا بالصدام بين السلطات المختلفة وبدا الأمر أكثر فوضوية كما يتضح من الجمود السياسي الذي ابتلى به البرلمان. وتزايد إحباط التونسيين من المشاحنات شبه المستمرة بين الأحزاب على مر السنين، ما أعاق قدرة الهيئة التشريعية على تنفيذ السياسات والاستجابة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.

وقد دفع هذا الكثيرين إلى التأكيد على أن الطريقة التي يتم بها تشكيل البرلمان معيبة بطبيعتها، وهو اعتقاد ردده "سعيد" في حملته الرئاسية لعام 2019 وساعده في الفوز بالانتخابات كما حقق له دعما واسعا بين التونسيين في بداية تحركه لتعليق البرلمان.

ومن المرجح أن يؤدي عدم وجود ضوابط على سلطات الرئيس في الدستور الجديد إلى إشعال معارضة سياسية كبيرة وفترة طويلة من الاضطرابات الاجتماعية، خاصة أن معظم الأحزاب السياسية والعديد من منظمات المجتمع المدني تعارض رؤية الرئيس "سعيد" لمستقبل تونس السياسي.

ومن المرجح أن يواصل حزب "النهضة" الإسلامي وحزب "آفاق تونس" العلماني والاتحاد العام للشغل، على وجه الخصوص، التعبير عن رفضهم للاستفتاء على الدستور حتى الانتخابات البرلمانية في ديسمبر/كانون الأول وما بعدها.

وقد تشهد البلاد احتجاجات عنيفة وإضرابات واسعة في الأشهر المقبلة إذا دعت الأحزاب والنقابات العمالية في البلاد التونسيين إلى النزول إلى الشوارع، وهو خطر سيزداد على الأرجح إذا تمت الموافقة على الدستور كما هو متوقع.

ومن المرجح أن تؤدي ردة الفعل الأولية على التحول الاستبدادي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وشلل سياسي على المدى القريب.

ولا يزال الاقتصاد التونسي المعتمد على السياحة يعاني من تداعيات جائحة "كورونا"، كما تفاقمت الصدمات الاقتصادية العالمية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف المعيشة. كما أصبح لدى تونس واحدة من أعلى نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم.

وللتخفيف من عبء الديون المتزايد، تفاوضت حكومة "سعيد" على برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي يتضمن خفض الإنفاق وإجراءات تقشف أخرى غير شعبية.

ومع المعارضة الواسعة لهذه الإجراءات والفوضى السياسية في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية، سيكون من الصعب على "سعيد" تمرير الإصلاحات الاقتصادية المقترحة حتى بعد الانتخابات التشريعية في ديسمبر/كانون الأول.

ومع ذلك، إذا تم التصديق على الدستور الجديد، فإن النظام الجديد يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل مع تكليف مكتب واحد (الفرع التنفيذي) بوضع التشريعات، وبالتالي تقليل النقاش البرلماني والنقاش في المجتمع المدني الذي أدى إلى إبطاء عملية صنع السياسات.

ومع إضعاف الديمقراطية في تونس بموجب الدستور الجديد، قد تتضرر علاقات البلاد مع الدول الغربية، لكن على النقيض قد تتحسن علاقاتها الإقليمية.

فقد أعربت الولايات المتحدة وفرنسا بالفعل عن مخاوفهما بشأن استيلاء "سعيد" على السلطة مؤخرًا، وستدين بلا شك الاستفتاء على الدستور إذا تم تمريره. ويطرح ذلك تساؤلات حول علاقات تونس المستقبلية مع الدول الغربية والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، وكلاهما يوفر مساعدات مالية تشتد الحاجة إليها في البلد المثقل بالديون.

لكن تقويض الأحزاب الإسلامية والتحول إلى سلطة تنفيذية أقوى وأقل خضوعًا للمساءلة سيكون موضع ترحيب من قبل الأنظمة الاستبدادية الأخرى في الشرق الأوسط مثل مصر، ما قد يساعد حكومة "سعيد" في الحصول على المزيد من المساعدات المالية المباشرة من الدول الإقليمية.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد الدستور التونسي أفاق تونس الربيع العربي البرلمان التونسي استفتاء

وقفة احتجاجية جديدة ضد قيس سعيد وسط العاصمة تونس