استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

استقالة جونسون.. متى يستقيل المسؤول العربي؟

السبت 9 يوليو 2022 02:27 م

استقالة جونسون.. متى يستقيل المسؤول العربي؟

ثقافة الاستبداد، دائمًا، "شرط مسبق" لنشوء نظم الاستبداد!

في مرآة استقالة جونسون تتضح جوانب الفقر السياسي العربي المزمن الحادّ وهو في ضوء حركة التاريخ ومساراته، أخطر بكثير من شحّ أي مورد طبيعي.

ثمة تلازم بين مشروعية البقاء بالسلطة والاستحقاق الأخلاقي، فالأغلبية تمنح صاحبها حقّ تولي المنصب لكن استمراره يظل مرهونًا باحترامه تقاليد سياسية أخلاقية.

ينشأ الاستبداد حيثما كان المعيار الأخلاقي لمسؤولية المرؤوسين بهياكل البيروقراطية "وظيفيًا" يتنصل من المسؤولية الأخلاقية الفردية ويحتمي بمشروعية صدور كل أمر من أعلى!

استقالات المسؤولين مؤشّر لـ"معيار أخلاقي سياسي" ولما يملكه المجتمع من رصيد الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية ولا ينتظر صاحبه المساءلة القانونية أو الإكراه على ترك منصبه.

* * *

بعد عاصفةٍ قصيرةٍ، استقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من منصبه، وبعد أن أكد عدّة مرات تمسكه بالبقاء. وفي "مرآة" استقالته، تبدو على نحو أكثر وضوحًا جوانب الفقر السياسي العربي المزمن الحادّ، وهو في تقدير كل من لديه إحاطة بحركة التاريخ ومسارات صعوده وهبوطه، أكثر خطرًا بكثير من شحّ أي مورد طبيعي.

وقد كان مما لفت نظري في أول موجات "ثورات الربيع العربي" أن أترقب: أي العواصم التي شهدت ثورة ستشهد استقالات في جهاز الدولة، حيث تكون مثل هذه الاستقالات مؤشّرًا على "معيار أخلاقي سياسي" يؤشّر إلى ما يملكه كل مجتمع من رصيد الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية، وهو حسّ لا ينتظر صاحبه المساءلة القانونية أو الإكراه على ترك المنصب، أيًا كان منصبه.

وقد كان من المواقف المماثلة ذات الدلالة ما شهدته أميركا في مطلع فبراير 2017، وأعني بذلك إقالة القائمة بأعمال وزير العدل الأميركي سالي ييتس، بعد أن طلبت من محامي الوزارة ألا يدافع عن مرسوم أصدره الرئيس ترامب بحظر دخول مؤقتًا لمواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى أميركا.

وكانت ييتس قد كتبت، في مذكّرة، إنها غير مقتنعة بقانونية المرسوم، مضيفة أن "وزارة العدل لن تدافع في المحكمة عن المرسوم"، وأنها لا تعتقد أن الدفاع عنه "سيكون منسجمًا مع التزام هذه المؤسسة الراسخ بالسعي دومًا من أجل العدالة والدفاع عن الصواب".

وقد شهد العام نفسه صدور كتاب: "ولاء أعلى: الحقائق والكذب والقيادة" الذي استهدف به مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، جيمس كومي، وضع سهم "كبير" يشير إلى ما يجب أن يكون له الولاء الأعلى في ضمير كل "مرؤوس"، وكيف أن الفصل يجب أن يكون واضحًا جدًا بين "السلطة" و"الدولة".

وفي مرايا "استقالة جونسون" و"إقالة سالي ييتس" و"شهادة جيمس كومي"، يتجسّد ما أعتقد أنه أحد أكثر الجوانب خطورة في واقعنا السياسي العربي لعقود مضت.

وثقافة الاستبداد، دائمًا، "شرط مسبق" لنشوء النظم الاستبدادية، وينشأ الاستبداد حيثما كان المعيار الأخلاقي لمسؤولية المرؤوسين في الهياكل الوظيفية البيروقراطية "وظيفيًا"، يقوم على التنصل التام من المسئولية الأخلاقية الفردية والاحتماء بمشروعية أن كل أمر يستمد مشروعيته من معيار واحد: "أنه صدر من أعلى"!

والنقاشات الأخلاقية التي ارتبطت باستقالة جونسون تكشف عن جانب آخر من جوانب الثقافة السياسية في الديمقراطيات العريقة، وأعني بذلك التلازم بين مشروعية البقاء في السلطة و"الاستحقاق الأخلاقي"، فالأغلبية، كمعيار رقمي، تمنح صاحبها الحقّ في تولي المنصب.

لكن استمراره فيه يظل مرهونًا باحترامه تقاليد سياسية ذات طبيعة أخلاقية، وأحد أكثر الاعتبارات استئثارًا باكتراث معارضي جونسون ومعارضيه، ما إذا كان قد "كذب" أم لا بشأن علمه بطبيعة السلوك الجنسي لمسؤول عيّنه أخيرا.

ومن يرجع إلى النقاشات السياسية التي شهدتها أميركا في 1998 عند الكشف عن علاقة الرئيس الأميركي بيل كلينتون الجنسية بالمتدرّبة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي، يفاجئه قدر الاهتمام الكبير بالتساؤل عما إذا الرئيس قد "كذب تحت القسم أم لا"، أكثر من أي بعد سياسي أو قانوني آخر.

وهذا النفور الكبير من المسؤول الكاذب في المجتمعات الأنغلوسكسونية (إلى حد تهديد مستقبله السياسي)، يكشف الكثير هو الآخر، مقارنةً بالكيفية التي تنظر بها شرائح واسعة من مجتمعاتنا إلى مسؤوليها، كما أنه يكشف عن القدر "الحقيقي" لتأثير القيم الدينية في الواقع العربي، وكيف أنها تعكس حالة تلفيقية مخادعة!

وتحمل استقالة جونسون رسالة إلى كل مكونات الواقع العربي: الرؤساء والمرؤوسين والناس (كل الناس). وفي مرآة هذا المشهد وسوابقه التي لا يكاد يكون لنا منها نصيب، نبدو في أمسّ الحاجة لـ"اسكتشاف" ثقافتنا بفضاءاتها المتعدّدة: السياسية والأخلاقية، بل والإدارية.

فضلا عن حاجتها إلى "ترميم" غير قليل، والاستثمار في إنماء حس أخلاقي/ سياسي هو في قلب الاستثمار في المستقبل، حيث التدافع بين أغلبية "غاضبة" وأقلية بيروقراطية متماسكة و"متبلّدة" قد يكرس، بمرور الزمن، انقسامًا رأسيًا في المجتمعات، من دون أن يسهم في إنضاج التغيير، والمقارنة بين "رفاهيتهم" و"بؤسنا" بمعايير الاقتصاد، ينبغي أن يتسع نطاقها (إدراكًا وخطابًا وممارسةً) لتشمل المقارنة بين: "رفاهيتهم الأخلاقية" و"بؤسنا الأخلاقي".

* ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

استقالة جونسون، بريطانيا، التغيير الديمقراطي، الربيع العربي، البيروقراطية، المسؤول العربي، ثقافة الاستبداد، نظم الاستبداد، معيار أخلاقي سياسي، السلطة، الدولة،

جونسون يعود لبريطانيا لاستعادة منصبه السابق.. هل ينجح؟