تطورات الطلب الصيني على النفط الخليجي تبرز ضرورة تنويع شراكات الطاقة

الثلاثاء 26 يوليو 2022 12:56 م

أظهر الغزو الروسي لأوكرانيا والارتفاع اللاحق في أسعار الطاقة الآثار الجيوسياسية لشراكات الطاقة حول العالم. وقد سعى بعض المشترين الدوليين، خاصة في أوروبا، إلى إبعاد أنفسهم عن مشتريات النفط والغاز الروسي، فيما استفاد مشترون آخرون مثل الصين والهند، من صادرات الطاقة الروسية منخفضة السعر.

وفي مايو/أيار الماضي، قفزت واردات الصين من النفط الروسي بنسبة 55% على أساس سنوي، لتحل روسيا محل السعودية كأكبر مورد نفطي للصين. وبلغت واردات الصين من النفط الروسي نحو 2.01 مليون برميل يوميًا في يونيو/حزيران، بينما انخفضت واردات بكين من النفط السعودي من 1.85 مليون برميل يوميًا في مايو/أيار إلى 1.44 مليون برميل يوميًا في يونيو/حزيران.

لكن الطلبات الصينية على النفط الروسي في مايو/أيار جاءت من مصانع شاندونج التي لا تعالج الخام السعودي عادةً، وبالتالي لا يبدو أن زيادة الواردات تأتي على حساب السعودية بشكل مباشر. ومع ذلك، جاءت بعض طلبات يونيو/حزيران للخام الروسي من شركة "سينوبك" (وهي عميلة لشركة أرامكو السعودية)، ما يشير إلى أن تزايد الطلب الصيني على النفط الروسي قد يؤثر سلبًا في مرحلة ما على علاقات الطاقة الصينية الخليجية.

ومع ذلك، لا تزال الصين حاليًا سوقًا مركزية لصادرات النفط السعودي والعراقي والعُماني والإماراتي والكويتي وكذلك صادرات الغاز المسال القطري.

وفي الواقع، ارتفع الحجم الإجمالي للواردات الصينية من موردي الشرق الأوسط بنسبة 10% على أساس سنوي خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وفقًا لوكالة "MEES" المختصة بالبيانات المتعلقة بالنفط والغاز في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن النفوذ الصيني الضخم كمستورد للنفط والغاز ليس موزعًا بالتساوي في جميع أنحاء المنطقة.

وينتج عن الطلب الصيني الديناميكي وغير المتكافئ على السلع الهيدروكربونية آثار جيو-اقتصادية متباينة بالنسبة لدول الخليج. وبالرغم أن الصين تتمتع بتاريخ قوي من الطلب على صادرات الطاقة الخليجية، ينبغي على منتجي النفط في الخليج تجنب الاعتماد المفرط على الصين.

علاقات الطاقة من منظور تاريخي

تحتفظ الصين بالقسم الأكبر من صادرات النفط السعودية، وبلغت قيمة هذه الصادرات 24.7 مليار دولار في عام 2020 و 35.6 مليار دولار في عام 2019. وكانت "أرامكو" أطلقت استراتيجية تسويقية جديدة ساعدت في زيادة واردات الصين من النفط السعودي بنسبة 47% في عام 2019.

ولطالما كانت اليابان والهند وكوريا الجنوبية وجهات رئيسية للنفط السعودي، وعلى مدى العقد من 2011-2020، استوردت اليابان من النفط السعودي أكثر من الصين خلال الـ7 سنوات الأولى من هذا العقد. ومع ذلك، فقد تجاوز الطلب الصيني على صادرات الطاقة السعودية طلب الدول الآسيوية الأخرى في السنوات الأخيرة.

وفي مارس/آذار 2022، اتخذت "أرامكو" قرارًا استثماريًا نهائيا بتطوير مصفاة بمليارات الدولارات ومجمع للبتروكيماويات في شمال شرق الصين بعد الاتفاق على الخطط الأولية للمشروع في عام 2019. ووصف رئيس "أرامكو" التنفيذي "أمين ناصر" احتياجات الصين من الطاقة بأنها "أولوية قصوى" للشركة لمدة 50 عامًا على الأقل.

وكان العراق ثاني أكبر مورد خليجي للنفط الخام إلى الصين في السنوات الأخيرة. وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، كانت الصين والهند بالتبادل الوجهة الرئيسية لمشتريات النفط الخام العراقي.

ولم يؤثر الانكماش الاقتصادي الناجم عن فيروس "كورونا" بشكل مباشر على تجارة النفط الخام بين العراق والصين، فقد زاد حجم الشحنات العراقية إلى الصين بنسبة 27.5% في النصف الأول من عام 2020 مقارنة بنفس الفترة من عام 2019. وبلغ إجمالي صادرات النفط العراقي إلى الصين حوالي 17 مليار دولار في عام 2020 و21 مليار دولار في عام 2019، بزيادة كبيرة من 2.91 مليار دولار في عام 2009.

وبالإضافة إلى هذه الواردات الصينية الكبيرة من النفط العراقي، كانت الصين لسنوات مستثمرًا رئيسيًا في حقول النفط العراقية وكذلك ممولًا للعديد من مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد. وبالرغم من أهمية شراكة الطاقة الصينية العراقية متعددة الأوجه، فقد أعرب المسؤولون العراقيون عن مخاوفهم من أن الشركات الصينية تحتل دورًا ضخمًا في قطاع التنقيب والإنتاج في البلاد. وفي مايو/أيار 2021، رفضت شركة "نفط البصرة" جهود شركة "إكسون موبيل" لبيع حصتها في حقل نفط "غرب القرنة 1" لشركتين صينيتين.

ويعد الطلب الصيني على الصادرات العمانية من الهيدروكربونات محوريا للعلاقات الصينية العمانية. واشترت الصين 45.1% من إجمالي صادرات عمان في عام 2020، وشكلت المنتجات البترولية والكيماوية 13.3 مليار دولار من أصل 13.8 مليار دولار من الصادرات العمانية إلى الصين.

ووصل إجمالي واردات الصين من النفط العماني إلى مستوى قياسي بلغ 901 ألف برميل في اليوم في عام 2021، بزيادة 19% عن عام 2020، وفقًا لبيانات الجمارك الصينية وحسابات "MEES". ويعتقد بعض مراقبي الصناعة أن هذا الرقم قد يشمل الإمدادات الإيرانية المقنعة، بالنظر إلى أن أحجام الواردات الصينية المبلغ عنها تتجاوز أرقام الصادرات الرسمية لسلطنة عمان.

واشترت الصين ما يقرب من 83% من إجمالي شحنات النفط العمانية في النصف الأول من عام 2021. وفي أبريل/نيسان ومايو/أيار 2020، استوردت الصين ما يقرب من 90% من صادرات النفط العمانية. ومع ذلك، لم تكن الصين دائمًا السوق المهيمنة بالنسبة للنفط العماني؛ حيث بلغت حصة الصين من صادرات النفط العمانية 36.8% في عام 2000. وبينما تعد الصين سوقًا لا غنى عنها لصادرات الطاقة العمانية، توفر عُمان شريحة صغيرة فقط، 7.5% في عام 2020، من إجمالي واردات الصين من النفط الخام.

من جهتها، نجحت الإمارات أكثر من جيرانها الخليجيين في موازنة علاقاتها في مجال الطاقة مع العديد من المستهلكين الآسيويين. وفي عام 2019، صدرت الإمارات ما قيمته 3.98 مليار دولار من النفط الخام و 1.98 مليار دولار من الغاز البترولي المسال إلى الصين، وهو ما يمثل 25.3% و 12.6% من إجمالي الصادرات الإماراتية إلى الصين، على التوالي.

وتعد قيمة تجارة الطاقة الإماراتية مع الصين منخفضة نسبيًا بالمقارنة مع اليابان (19.4 مليار دولار من النفط الخام) أو الهند (7.91 مليار دولار من النفط الخام).

ولكن بالرغم من البدء من عتبة أدنى، يبدو أن التعاون الصيني الإماراتي في قطاع النفط والغاز آخذ في الازدياد. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وصلت واردات الصين من النفط الإماراتي إلى مستوى قياسي. في غضون ذلك، تسعى الإمارات إلى توسيع قدرتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال إلى جانب تقليل استهلاك الغاز المحلي من خلال استخدام بدائل منخفضة الكربون، ما قد يوفر المزيد من صادرات الغاز الطبيعي المسال الإضافية للعملاء في الصين.

واشترت الصين نفطا خاما من الكويت بقيمة حوالي 7.9 مليار دولار في عام 2020 وهو ما يمثل 28.6% من صادرات النفط الكويتي، أيّ أن الصين تتمتع بالحصة الأكبر من أي دولة أخرى. ومع ذلك، فمن عام 2000 إلى عام 2017، كان هناك تبادل بين كوريا الجنوبية واليابان كوجهة أولى لشحنات النفط الخام من الكويت.

وغالبًا ما تجاوزت قيمة صادرات النفط الكويتي إلى الهند وتايوان وسنغافورة قيمة الصادرات إلى الصين طوال العقد الأول من القرن الـ21. ونمت صادرات النفط الكويتية إلى الصين بشكل متواضع في الفترة من 2019 إلى 2021، مما يشير إلى وجود مجال لمزيد من النمو.

أما الواردات الصينية من المنتجات البترولية الكويتية الأخرى فهي متباينة، حيث كانت واردات الصين من البترول الكويتي المكرر ضئيلة للغاية خلال السنوات العديدة الماضية. ومع ذلك، استوردت الصين ما يقرب من نصف صادرات الغاز الطبيعي الكويتي في عامي 2018 و 2019.

وصدرت قطر ما قيمته 7.81 مليار دولار من الغاز البترولي إلى الصين في عام 2019  وهو ما يشكل نحو 76% من إجمالي الصادرات القطرية المتجهة إلى الصين. وشحنت قطر أيضًا ما قيمته حوالي مليار دولار من البترول المكرر وما قيمته 371 مليون دولار من البترول الخام إلى الصين في عام 2019.

وتشير هذه الأرقام إلى نمو كبير لقطاعات الغاز الطبيعي والبترول المكرر في تجارة الطاقة الصينية القطرية، حيث بلغت الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي والبترول المكرر 424 مليون دولار و 1.22 مليون دولار على التوالي في عام 2009.

وطلبت قطر ما قيمته 762 مليون دولار من ناقلات الغاز الطبيعي المسال الصينية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهي أول عملية شراء قطرية من هذا القبيل لناقلات صينية، فيما عقدت الدوحة عدة صفقات غاز طبيعي طويلة الأجل مع شركات صينية في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وقد يتحرك المشترون الصينيون في نهاية المطاف لتأمين المزيد من عقود الغاز القطرية بدلاً من الاضطرار إلى التدافع على الشحنات بأسعار فورية متقلبة. وأفادت تقارير أن شركات النفط الصينية تجري محادثات متقدمة مع قطر للاستثمار في مشروع توسعة حقل "الشمال الشرقي" ثم شراء الغاز الطبيعي المسال القطري بموجب عقود طويلة الأجل.

ومع ذلك، فإن قطر توازن بين العديد من شراكات الطاقة الحاسمة مع دول آسيوية أخرى غير الصين. على سبيل المثال، فإن اليابان تعد مشتريا رئيسيا لكل من الغاز الطبيعي والنفط الخام من قطر. وتراوحت القيمة الإجمالية للصادرات القطرية إلى اليابان - وهي سلع طاقة على وجه الحصر تقريبًا - من 33.7 مليار دولار في عام 2014 إلى 13.1 مليار دولار في عام 2019، أما الهند فاستوردت ما قيمته 8.14 مليار دولار من الغاز الطبيعي من قطر في عام 2019، بينما استوردت الصين بقيمة 7.81 مليار دولار، واستوردت كوريا الجنوبية بقيمة 7.68 مليار دولار.

نأتي للبحرين حيث يتضاءل طلب الصين على الطاقة. ففي عام 2020، أرسلت البحرين ما قيمته 143 مليون دولار من صادراتها من النفط الخام إلى اليابان. وتتمتع الصادرات البحرينية من البترول المكرر (بلغت قيمتها 3.19 مليار دولار في عام 2020) بسوق أكبر. ومع ذلك، فإن صادرات البترول المكرر إلى الصين، والتي بلغت قيمتها 67.90 مليون دولار فقط في عام 2020، بالكاد تضعها ضمن قائمة الشراكات التجارية الرئيسية.

استوردت اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة كميات من البترول المكرر من البحرين أكثر بكثير من الصين. ومع ذلك، حصلت دولة الإمارات المجاورة على نصيب الأسد من هذه الصادرات البحرينية بين عامي 2016 و 2019.

 المسارات المستقبلية

قد تدفع اتجاهات الطاقة الجديدة دول الخليج المنتجة للنفط والغاز إلى وضع الصين ضمن محفظة أكثر تنوعًا من شركاء الطاقة. وتسعى قطر لتقديم نفسها كمورّد غاز طبيعي غير مسيس وغير مثير للجدل في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ما يخلق فرصًا جديدة لتوسيع العلاقات مع المشترين الأوروبيين. وبالمثل، تستكشف "أرامكو" السعودية فرص السوق الجديدة في أوروبا.

وتهدف السعودية والإمارات إلى أن تصبحا أكبر منتجي الهيدروجين في العالم، وهي سوق متنامية ومكون واعد في التحول العالمي للطاقة. ووصلت طليعة الصادرات الخليجية من الأمونيا - وهي مادة تستخدم لتخزين ونقل الهيدروجين - إلى اليابان، في حين وقعت الشركات الكورية الجنوبية اتفاقيات مع نيوم بشأن مشروعات الهيدروجين الموجهة للتصدير.

وستستمر أهمية علاقات الطاقة الصينية الخليجية في التطور جنبًا إلى جنب مع جهود دول الخليج لتصبح مراكز إنتاج للهيدروجين النظيف مع تقدم الصين في خطتها طويلة الأجل للهيدروجين للفترة بين 2021-2035.

ويمكن أن تؤثر الرؤية السياسية لبكين أيضًا على طبيعة علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج المنتجة للنفط والغاز. تريد الصين أن يأتي 80% من إجمالي مزيج الطاقة لديها من مصادر غير الوقود الأحفوري بحلول عام 2060، وهو الموعد الذي تأمل فيه الصين أن تصبح قوة محايدة الكربون.

في غضون ذلك، قد يؤدي تباطؤ وغموض معدلات النمو الاقتصادي في الصين وميل الحكومة إلى فرض ضوابط صارمة على الحدود وعمليات الإغلاق المتعلقة بوباء "كورونا" إلى إعاقة الطلب المستقبلي على سلع الطاقة الخليجية.

وسيكون المكان الذي يميل إليه العملاء والمستثمرون الصينيون المؤثرون (ضمن مزيج أوسع من شركاء الطاقة الخليجيين) أمرًا حاسمًا بالنسبة للحكومات الإقليمية لزيادة عائدات تصدير الطاقة والاستمرار في دفع الأجندات غير النفطية.

ويعد التنويع الذكي لشراكات الطاقة على المدى القصير والمتوسط هو مفتاح التنويع الناجح لاقتصادات الخليج بعيدًا عن النفط والغاز على المدى الطويل.

المصدر | جاكوبو سيتا | معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الخليجية الصينية النفط الغاز المسال حرب أوكرانيا التنويع الاقتصادي الصين السعودية الإمارات الكويت قطر حقل الشمال الشرقي مستقبل الطاقة