استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

المعادلة الصفرية للدولة المصرية!

الأربعاء 3 أغسطس 2022 09:22 ص

المعادلة الصفرية للدولة المصرية

تحاول الدولة المصرية قتل ووأد أي تفكير جريء في تكرار الخروج عليها مرة أخرى، خاصة من جيل الشباب.

لا يمكن فهم تنكيل وإذلال الدولة المصرية بأجهزتها ومؤسساتها وشخوصها ضد آلاف المعتقلين السياسيين، خاصة الشباب، إلا في سياق المعادلة الصفرية.

تعود جذور المعادلة الصفرية لبدايات الحكم العسكري لمصر منذ 1952، بل ربما قبل ذلك بنحو 150 عاما منذ تولي محمد علي السلطة في مصر.

لا تدرك الدولة المصرية أن من خرج مرّة سيخرج ثانية وأن الخروج القادم لن يكسر المعادلة الصفرية فقط بل قد يكسر "دولة محمد علي" القائمة على القمع والإقصاء.

منطق الدولة المصرية (الحديثة) كما أقامها محمد علي يتناقض جوهريا مع المجتمع وقواه وممثليه ويرفض أي شكل من التمثيل الشعبي ويعتبره خطراً على الدولة ذاتها وحكامها.

النظام الراهن ليس في صراع وجود فقط مع الإخوان، بل مع كل ما يتصل بثورة يناير، التي يعتبر أنها حالة تمرد من المجتمع على الدولة، لا يجب تكراره مهما كان الثمن.

* * *

يتجاوز القمع العنيف الذي تمارسه أجهزة الدولة المصرية بحق المعارضين السياسيين مسألة الخلاف السياسي أو الأيديولوجي معهم.

كذلك لا يتعلق هذا الأمر بما تدّعيه الدولة ومن يدور في فلكها من وسائل إعلام بكافة أصنافها، من اتهام المعارضين بالتهمة الرديئة البالية "الانتماء إلى جماعة إرهابية تسعى لقلب نظام الحكم"، وهو الاتهام الذي أصبح أقرب إلى طابع دمغة أو ختم النسر الذي يختم كل ما يخرج من بطن الدولة.

بل هو استمرار للمعادلة الصفرية التي تستخدمها هذه الدولة مع المجتمع، وتقوم على مبدأ "إما نحن أو هم"، وهي معادلة وإن ظهرت تمثلاتها العارية المتوحشة منذ تدخل الجيش والإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013، فإنها تعود بجذورها إلى بدايات الحكم العسكري لمصر منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بل لربما أكثر قبل ذلك بحوالي 150 عاما وتحديدا منذ تولي محمد علي السلطة في مصر.

ذلك أن منطق الدولة المصرية "الحديثة"، بالطريقة التي أنشأها بها محمد علي، هو في تناقض جوهري مع المجتمع وقواه وممثليه. وهو منطق يقوم على رفض أي شكل من أشكال التمثيل الشعبي، سواء أكان سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، انطلاقاً من كونه يمثل خطراً على الدولة ذاتها، أو بالأحرى على مصالح من يحكمونها ويسيطرون عليها.

ولذلك كانت إحدى المهام الأساسية لهذه الدولة هو تفكيك أية تكوينات أو تنظيمات أو حركات قد تمثل قطاعات شعبية معينة. ويتحول الأمر إلى حرب شاملة أمنية واقتصادية واجتماعية، إذا تجرأ أيّ من هذه القوى ودخلت المجال السياسي.

فالدولة المصرية تكره التمثيل الشعبي، وتعتبره خطراً وجودياً عليها، وعلى مصالح حكامها ومن يدور في فلكهم من الحاشية وتابعيهم.

وأنها إذا سمحت به، يجب أن يكون ضمن شروط معينة، وتحت سقف محدد بحيث يصبح تجاوزه -ولو دون قصد- كأنه إعلان حرب على الدولة، يحتم عليها خوضها وكسبها وكسر عظام من تجرأ بكسر هذه المعادلة، ليس انتقاما منه فحسب، وإنما ردعاً لكل من يفكر في تقليده.

خلال عهدي السادات ومبارك، استخدمت الدولة آليات وإستراتيجيات متنوعة من أجل ضمان استمرار هذه المعادلة الصفرية وضمان عدم الخروج عليها، وهي آليات تراوحت ما بين القمع والإقصاء والتدجين والاحتواء، ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين.

فصراع الدولة مع هذه الإخوان منذ أواسط القرن الماضي لم يكن بالضرورة صراعاً فكرياً أو دينياً أو أيديولوجيا، بقدر ما كان -ولا يزال- صراعاً على رأس المال الاجتماعي والبشري الذي نجحت هذه الجماعة في بنائه ورعايته وتمثيله بأشكال مختلفة، سواء نقابية أو مهنية أو سياسية، حتى إن كان هذا التمثيل يحدث ضمن شروط السقف المحدود الذي وضعته الدولة.

ولذلك ففي كل مرة حاولت فيها الجماعة كسر هذه المعادلة، والخروج عن قواعد اللعبة، أو السقف المحددّ لها من قِبلِ الدولة، كان يتم قمعها ومحاولة تحطيمها وكسرها ومحاولة استئصالها. واعتمد الأمر على رؤية وإستراتيجية كل نظام في هذا الصدد، ومدى شرعيته ودعمه الشعبي، إن وجد أصلاً.

ولعله من اللافت أن دورات القمع والاستئصال التي تحدث للجماعة، تتزامن دوما مع محاولات الحكام المتغلبين -بالمعنى السياسي لا الفقهي- بناء قاعدة شعبية لهم، مما يجعل صدامهم حتميا مع شرعية التمثيل المجتمعي للجماعة، ولو من شرائح معينة. فقد كان من الصعب، مثلا، لعبد الناصر أن يبني شرعيته، دون أن يقوم بتحطيم جماعة الإخوان.

ذلك أن جزءاً أصيلاً من شرعيته ينطلق من نفي شرعية الجماعة، قبل نفيها من الوجود، وذلك وفق منطق المعادلة الصفرية، وفي هذه الحالة حسب شعار "إما أنا أو المرشد". ولعل الصراع الحقيقي لم يكن مع الجماعة بالأساس، وإنما مع فكرة التمثيل المجتمعي والشعبي الذي كان يكرهه بعض أعضاء ما كان يسمّي بـ"مجلس قيادة الثورة".

فقد قرر عبد الناصر في يناير 1953، إلغاء كافة أشكال الحياة النيابية والتمثيلية خاصة الأحزاب السياسية، قبل أن يقوم بحظر جماعة الإخوان المسلمين بعدها بشهور.

وهو نفس الأمر الذي يفعله النظام الحالي منذ الثالث من يوليو 2013، ولكن مع فارق مهم وهو أن هذا النظام ليس في صراع وجود فقط مع الجماعة، وإنما أيضا مع كل ما ومن يتصل بثورة يناير، التي يعتبر أنها حالة تمرد من المجتمع على الدولة، لا يجب تكراره مهما كان الثمن.

وهو ما نسمعه في الأحاديث الرئاسية المتكررة التي تُحمَّل فيها الثورة دوما كل مشاكل البلاد. لذا لا يتوقف الإعلام النظامي عن تشويهها وشيطنة من قاموا بها، والتخويف من تكرارها.

ولعل النظام محق في ذلك، فثورة يناير كانت محاولة جريئة لكسر المعادلة الصفرية بين الدولة والمجتمع الذي حاول -من خلال قواه الحية وشرائحه الفاعلة- انتزاع حق الوجود والتمثيل من الدولة المصرية.

كذلك لا يمكن فهم منطق التنكيل والإذلال المتعمد الذي تمارسه الدولة المصرية، بكافة أجهزتها ومؤسساتها وشخوصها، ضد آلاف المعتقلين السياسيين، خاصة الشباب، إلا ضمن هذا السياق. فالدولة تحاول قتل ووأد أي تفكير جريء في تكرار الخروج عليها مرة أخرى، خاصة من جيل الشباب.

بيد أن ما لا تدركه الدولة المصرية ومن يديرونها ويتحكمون بمؤسساتها وأجهزتها، أن من خرج مرّة سوف يخرج ثانية، إن آجلا أو عاجلاً، وأن الخروج القادم لن يكسر المعادلة الصفرية فحسب، وإنما قد يكسر "دولة محمد علي" التي تقوم على القمع والإقصاء.

* د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا

المصدر | الجزيرة نت

  كلمات مفتاحية

مصر الدولة المصرية المعادلة الصفرية دولة محمد علي المعتقلين السياسيين ثورة يناير الإخوان عبد الناصر الإقصاء التنكيل الخروج القادم