استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

رغيف الخبز سيهزمهم جميعا

الأحد 21 أغسطس 2022 04:22 ص

رغيف الخبز سيهزمهم جميعاً

ماذا يستطيع الانقلابيون أن يقدموا لتونس وشعبها سوى الانقلاب؟ هل الوضع المعيشي في تونس في ظل الانقلابيين أفضل أم أسوأ بعشرات المرات؟

كل الأسباب التي دفعت الشعوب الى الثورات قبل عشر سنوات تضاعفت أضعافا، وبدل وجود ألف سبب للثورة قبل عقد من الزمان هناك اليوم آلاف الأسباب!

هل هناك منتصر ومهزوم في الثورات العربية أم إن الجميع مهزوم وأن صمود الأنظمة العربية ليس مؤشراً على النصر، بل وضعها أشبه بمن يواجه كارثة وهو يبتسم.

بعد انقضاء أكثر من عشر سنوات على الثورات، الواقع لا يقول إن الأنظمة العربية وطواغيتها انتصرت على الشعوب، بل إنها في وضع لا يقل رثاثة وتعاسة عن وضع الشعوب.

* * *

من أكثر المغالطات رواجاً في الشارع العربي بعد أكثر من عقد على الثورات العربية أن الشعوب تعرضت لهزيمة تاريخية نكراء قتلاً وتهجيراً وتعذيباً وسحقاً وجوعاً وفقراً، بينما انتصرت الأنظمة العربية التي ثارت عليها الشعوب، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة.

ويشيع أنصار هذه المغالطة أن ضباع العالم أو القوى الدولية التي تقود العالم قد دعمت عملاءها في العالم العربي كي يقلبوا الطاولة على الشعوب ويبقوا في السلطة.

وهذا طبعاً كلام مُرسل وعاطفي ولا يرتكز على أي أسس علمية أو سياسية سليمة، بل هو مجرد شطحات شعبوية سخيفة، لأن الواقع الآن بعد انقضاء أكثر من عشر سنوات على الثورات لا يقول أبداً إن الأنظمة والطواغيت قد انتصروا على الشعوب، لا أبداً، بل إن الأنظمة والحكام في وضع لا يقل صعوبة ورثاثة وتعاسة عن وضع الشعوب.

تعالوا نأخذ آخر مثال لما يسمى بانتصار الثورات المضادة في تونس. لا شك أن النظام السابق وبقاياه وداعميه نجحوا في قلب الطاولة على الثورة وعلى الشعب التونسي الذي اعتقد البعض أنه أنجز ثورته بأقل التكاليف.

صحيح أن تونس عادت إلى المربع الأول، وأن المنقلبين على الثورة جعلوا الشعب يتحسر على أيام زين العابدين بن علي، لكن ماذا يستطيع الانقلابيون أن يقدموا لتونس وشعبها سوى الانقلاب؟

لا شيء، فمنذ أن أعلن قيس سعيد وكفلاؤه في الخارج الثورة على الثورة وبدأوا يقضون على كل منجزاتها، والبلاد تسير من سيئ إلى أسوأ، وخاصة على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وهو مقتل أي نظام في العالم.

ربما بكى بعض التونسيين على أيام بن علي بعد انتصار الثورة وتدهور الأحوال المعيشية التي نسبوها للثورة، لكن السؤال اليوم:

هل الوضع المعيشي في تونس في ظل الانقلابيين أفضل من الفترة التي تلت الثورة، أم أسوأ بعشرات المرات؟

هل يستطيع قيس سعيد وشركاؤه أن يؤمنوا الخبز على الأقل للشعب في وقت ترتفع فيه أسعار الحبوب والسلع بسبب الصراع الدولي في أوكرانيا؟

أم إن الأوضاع المعيشية مرشحة في تونس لمزيد من الانهيار والفوضى والانتفاضة؟ إلى متى يمكن أن يصبر الناس على الانقلابيين وكفلائهم؟

ما هو وضع النظام الذي يقوده سعيد في تونس اليوم؟ هل هو مرتاح، أم إنه كاللص الذي لا يستطيع النوم خوفاً من فقدان مسروقاته؟ بعبارة أخرى، فإن وضع الأنظمة التي ظن البعض أنها انتصرت سيئ للغاية، وحسبها أن تحمي نفسها من الشارع.

لا شك أن الذين دعموا قيس سعيد في انقلابه في تونس لن يصبروا طويلاً بعد أن يعضهم الجوع وبعد أن أصبح رغيف الخبز صعب المنال. لهذا يجب ألا نقول إن النظام في تونس انتصر على الثورة، بل هو مهزوم وفي حالة حصار ويعلم جيداً أن أيامه مهما طالت تبقى معدودة لأن عدوه الأقوى هو رغيف الخبز.

ولو ذهبنا إلى اليمن، ماذا يستطيع الحوثي المنتوف الذي انقلب على ثورة الشعب لصالح كفلائه الإيرانيين أن يقدم لليمنيين سوى الشعارات الدينية والعنتريات الممجوجة؟ اليمن لا يحتاج إلى عنتريات وحروب وانتصارات فارغة، بل يحتاج إلى رغيف الخبز، وهو شيئاً فشيئاً سيصبح الحصول عليه عسيراً جداً وسط الظروف الاقتصادية والمعيشية الرهيبة التي يعيشها الشعب اليمني.

لذلك مهما تفاخر الحوثيون بانتصاراتهم وحروبهم فهم مهزومون لأنهم لا يستطيعون توفير الرغيف لا للشعب ولا حتى لمرتزقتهم الذين يقاتلون معهم. والعبرة لاحقاً ليس في الإعلان عن انتصارات في ساحات المعارك، بل في الانتصار على الجوع في اليمن، وهو شبه مستحيل، ولا شك أنكم تعلمون جيداً أن الجيوش تزحف على بطونها كما قال نابليون، وكذلك الشعوب. وعندما لا تجد الخبز ستزحف على حكامها وحكوماتها.

وحدث ولا حرج عن انتصار النظام في سوريا. قال شو قال: انتصار، فإذا كان ذلك انتصاراً فكيف ستكون الهزيمة التاريخية بربكم؟ شعب يعيش أكثر من تسعين بالمائة منه تحت خط الفقر العالمي وبلد منهار على كل الأصعدة ويحتاج إلى حوالى ترليون دولار كي يعود سيئاً كما كان قبل الثورة، فمن سيقدم هذا المبلغ للنظام كي يعود إلى الحكم كما كان؟

والأمر الآخر: ما محل النظام أصلاً من الإعراب في سوريا في ظل الهيمنة الروسية والإيرانية؟ ألم يصبح هذا المنتصر أشبه بحامل بشاكير للغزاة والمحتلين الذين استجلبهم مشغلوه لحماية عرشه الذليل؟

ألم يصبح رأس النظام مجرد معقب معاملات للذين يحتلون سوريا ويتحكمون بمفاصلها الأمنية والعسكرية والاجتماعية؟ هل يستطيع النظام أو داعماه الإيراني والروسي توفير الرغيف للسوريين؟ بالطبع لا، فآخر ما يهمهم أصلاً معاناة السوري في تأمين أبسط حاجاته.

ورغم أن الوضع في العراق مختلف ومسبباته تختلف عن أوضاع بلاد الثورات، إلا أن الوضع المعيشي في البلاد هو الدافع الأول وراء القلاقل والفوضى رغم أن العراق ثاني أغنى بلد بالنفط في العالم.

هل تستطيع إيران وأمريكا وإسرائيل تأمين الخبز للبنانيين المنتفضين؟ إلى متى يصمد رجل إيران في الضاحية وهو يقمع الانتفاضة الشعبية في لبنان الذي لم يعد شعبه يجد اللقمة؟

صحيح أن النظام في مصر انتصر وعاد أقوى من السابق أمنياً؟ لكن ما هو مستقبل البلاد اقتصادياً ومعيشياً؟ إلى متى يمكن أن يستمر الوضع الحالي مع غلاء رهيب بالأسعار ووضع معيشي يسير من سيئ إلى أسوأ في ظل وضع اقتصادي عالمي متدهور بات يشكل خطراً على الغرب قبل الشرق؟

والمشكلة الأخطر أن كل الأسباب التي دفعت الشعوب الى الثورات قبل عشر سنوات تضاعفت عشرات المرات، يعني بدل وجود ألف سبب للثورة قبل عقد من الزمان صار اليوم هناك آلاف الأسباب حسب نعوم تشومسكي.

ولا ننسى أن أحد أهم وأخطر أسباب الثورات في أكثر من بلد عربي هو الجفاف وتدهور الزراعة وهبوط نسبة المحاصيل، وهذا الوضع مناخياً يزداد سوءاً منذ اندلاع الثورات قبل عشر سنوات، ويبدو أن نسبة التصحر وهجوم الأرياف على المدن سيزيد وسيشكل مزيداً من الضغط والخطر على الحكومات في أكثر من بلد عربي، مما سيجعل رغيف الخبز العدو الأول لكل الأنظمة العربية باستثناء دول الخليج بسبب الوفرة المالية التي تستطيع تغطية العجز.

وفي الختام، هل هناك منتصر ومهزوم في الثورات العربية فعلاً، أم إن الجميع مهزوم شر هزيمة، وأن صمود الأنظمة العربية إلى الآن ليس مؤشراً على النصر، بل إن وضعها أشبه بمن يواجه الكارثة وهو يبتسم.

٭ د. فيصل القاسم كاتب واعلامي سوري

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

رغيف الخبز الثورات العربية الثورات المضادة الأنظمة العربية الانقلاب قيس سعيد تونس سوريا مصر العراق لبنان اليمن

أزمة رغيف الخبز بمصر تتجدد.. هل تدعم توجهات الحكومة الفقراء أم تحتال عليهم؟