ليبيا: ما الذي أجّج الصراع الدموي مجددا؟

الاثنين 29 أغسطس 2022 07:32 ص

ليبيا: ما الذي أجّج الصراع الدموي مجددا؟

هناك إرادة قويّة لدى الليبيين لاستعادة السيادة على بلادهم، ورفض عودة نظام القذافي عبر تأسيس سلالة دكتاتورية جديدة يتزعمها خليفة حفتر.

أخفقت قوات فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المعيّن من برلمان طبرق، كما هو متوقع، من السيطرة على العاصمة، وهزيمة قوات حكومة «الوحدة الوطنية».

تأجج الأحداث وحصدها لأرواح الليبيين مرتبط بتصدّعات عالمية واتجاه الأنظمة العربية لاستعادة الدكتاتورية مما يتضافر مع أوهام ساسة محليين ولو تكبدت ليبيا دماء وخرابا.

منذ 2014 قام تحالف دولي إقليمي: فرنسا وروسيا والإمارات ومصر، بمحاولة السيطرة العسكرية على ليبيا، وإعادتها إلى النظام العربي القديم، بدعم تمرّد الجنرال خليفة حفتر.

* * *

أخفقت قوات فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المعيّن من قبل برلمان طبرق، كما هو متوقع، من السيطرة على العاصمة طرابلس، وهزيمة قوات حكومة «الوحدة الوطنية» التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.

كان ثمن هذه المحاولة العنيفة البائسة إزهاق أرواح اثنين وثلاثين ليبيًا (على الأقل) كما جُرح 159 شخصا ودمّرت عدة مستشفيات وأحرقت بنايات، قبل أن تعود قوات الطرف إلى مواقعها و«عاد الهدوء الحذر» إلى العاصمة.

سبب الاشتباكات هو تنازع الحكومتين الآنفتين على الشرعيّة، وهو حال ما زال الليبيون يعانون منه منذ عام 2014 حين قام تحالف دولي إقليمي، ضم فرنسا وروسيا والإمارات ومصر، بمحاولة السيطرة العسكرية على ليبيا، وإعادتها إلى «النظام العربي» القديم، عبر دعم تمرّد الجنرال خليفة حفتر على الحكومة الليبية التي كانت من نتائج ثورة شباط 2011 على نظام معمر القذافي.

انفراط السيادة الليبية أدى إلى متابعة خيط التدخّل الأممي الذي بدأ عام 2011 بوضع ليبيا تحت طائلة محكمة الجنايات الدولية وحظر تسليحها وتجميد أصول النظام المتهاوي، وانتهى بمحاولة تسوية الصراع العسكريّ السياسيّ عبر رعاية اتفاقية الصخيرات.

أنشأت تلك الاتفاقية كيانين سياسيين، هما المجلس الرئاسي ومجلس الدولة، لكنّه تم تعطيل هذين الكيانين عبر تكليف مهام التشريع للبرلمان، الذي يسيطر حفتر على مقدراته، وقد مكّن ذلك البرلمان من تعطيل الحكومات اللاحقة واعتماد حكومة موازية، وبذلك أسس الحل الأممي، عمليا، لجولات دموية جديدة من الصراع على الشرعيّة بدل أن ينهيه.

شهدنا ضمن هذا المسلسل رفض برلمان حفتر الموافقة على حكومة الوفاق، وبذلك عطّلت المادة رقم 13 من اتفاقية الصخيرات (التي تعطي الصلاحية للبرلمان باعتماد الحكومة) المادة رقم 10 التي تلزم الحكومة بتشكيل لجنة مشتركة من النواب والدولة ومجلس الدفاع والأمن القومي للتوافق على صلاحيات القائد الأعلى ومستويات الجيش القيادية، وهي مادة شديدة الخطورة كون المطلوب منها تشكيل جيش موحد، وهو ما سمح لحفتر بتكرار سيناريو إنشاء حكومة موازية بدءا من مواجهة حكومة فايز السراج في طرابلس، بحكومة عبد الله الثني في بنغازي.

تجاهل رؤساء البعثة الأممية في ليبيا هذه الإشكالية الكبرى الواضحة والتي ستكون سببا جاهزا لكافة الجولات الدموية اللاحقة، وكان حفتر بالمرصاد لغسان سلامة وستيفاني وليامز، مع حرب الكانيات عام 2018 التي خلفت 115 قتيلا، ثم حرب حفتر للسيطرة على طرابلس خلال عامي 2019 و2020، والتي زعم أنه قام بها لتحرير البلاد من «الميليشيات الإرهابية» وبعد معارك طويلة تمكنت حكومة الوفاق من استعادة مطار طرابلس الدولي، والسيطرة على قاعدة الوطية الجوية، وبسطت سيطرتها على مدينة ترهونة، واقتربت من السيطرة على قاعدة الجفرة ومدينة سرت.

تشير هذه الوقائع بوضوح إلى وجود إرادة قويّة لدى الليبيين لاستعادة السيادة على بلادهم، ورفض عودة نظام القذافي عبر تأسيس سلالة دكتاتورية جديدة يتزعمها خليفة حفتر، كما تشير إلى أن تأجج الأحداث وحصدها لأرواح الليبيين مرتبط، إلى حد كبير، بالتصدّعات العالمية والاتجاه الناظم للسياسة العربية لاستعادة النظم الدكتاتورية، وهو ما يتراكب، أحيانا، مع أوهام بعض الساسة المحليين، الذين يجربون حظوظهم، ولو دفع الليبيون ثمن ذلك بالدماء والخراب.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

ليبيا النظام العربي خليفة حفتر ثورة فبراير 2011 التدخل الأممي المجلس الرئاسي حكومة الوفاق برلمان طبرق فتحي باشاغا سلالة دكتاتورية

خلاف ليبي جديد حول شرعية المحكمة الدستورية العليا.. ما أسبابه؟

ليبيا.. حكومة الدبيبة تستعيد أرضا مسروقة جنوب طرابلس (صور)