استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

موجة ثانية للعولمة

الثلاثاء 13 سبتمبر 2022 06:13 ص

موجة ثانية للعولمة

سلطان اللّغة الانكليزية يوشك أن يكون مرادفاً لسلطان الدّولار في النّظام النّقديّ العالميّ.

لقد حصل للعولمة ما حصل لجدّتها: الرّأسماليّة؛ بدأت هذه ظاهرةً أوروبيّة ثمّ غربيّة، ولم تلبث بعد قرنين أن صارت عالميّة.

ما يقال عن قطبيّة أمريكا في منظومة العولمة في الغرب يصدُق، تماماً، على قطبيّة الصّين في منظومة العولمة في شرق آسيا.

منطق التّاريخ منطقٌ جدليّ يقود إلى صراعِ أضداد يقع التّفاعُل (الكلي) بينها والتّبادل فتتعادل الحصص أو تتكافأ، أو تنقلب الأدوار.

العولمة لم تعد صناعة غربيّة حصْريّة تحتكرها دول الغرب الكبرى، بل ظاهرة كونيّة تشترك دول وأممٌ أخرى خارج الغرب في إنتاجها والاستفادة منها.

موجات التّنافُس العولميّ غداً ستكون بين الصين وأمريكا مع رجحانٍ كفّةِ الصّين نظرا لمعدّلات نموها القياسيّة التي ينال منها أنّ اللّغة الصّينيّة لغةٌ قوميّة وليست عالميّة.

*   *   *

بعد موجةٍ أولى من العولمة غربيّةِ الطّابع، عموماً، وأمريكيّة على نحوٍ خاص، ها نحن نشهد اليوم موجةٍ ثانية تجري فصولها الأكثر خارج المجال الجغرافيّ الأمريكيّ والأوروبيّ.

وتتركّز مراكزُها الكبرى في الشّرق الآسيويّ؛ في الصّين والهند وكوريا الجنوبيّة، مستنهضةً مراكزَ أخرى في جنوبيّ القارّتين الأمريكيّة والإفريقيّة: البرازيل، جنوب إفريقيا.

تميّزت الموجةُ الأولى (الغربيّة) للعولمة بتنميّة موارد التّفوّق الغربيّ على العالم كلّه في مناحي الإنتاج كافّة: الاقتصاديّ والعلميّ والتّكنولوجيّ والإعلاميّ.. إلخ، ممّا كان له الأثر البالغ في تعميق الهوّة والتّفاوت بين الغرب، من جهة، والشّرق والجنوب من جهةٍ ثانية.

وزاد من تظهير تلك الفجوة بين العالمين أنّ موجة العولمة الأولى اقترنت بانهيار الاتّحاد السّوفياتيّ وانفراط المعسكر «الاشتراكيّ»؛ الأمر الذي عَنَى أنّ اندفاعةَ التّفوُّق الغربيّ، المحمولةَ على صهوة العولمة، لم تكن لِتَلْقَى قوّةً اعتراضيّة في وجهها بعد أنِ انصرمَ التّقاطُب الدّوليّ وانهارت توازنات القوى في النّظام الدّوليّ الموروث عن حقبة الحرب الباردة.

ولم يكن هو إلاّ عِقدٌ وبعضُ العقد من الزّمن حتّى بدأت المنافسة تدبّ، تدريجاً، إلى ميدان العولمة لتحُدّ - نسبيّاً - من احتكار قواها الثلاث لها (الولايات المتّحدة الأمريكيّة، اليابان، أوروبا). لعلّ كوريا الجنوبيّة كانتِ الأبْكر في بلدان آسيا التي ولجت إلى ميدان المنافسة؛ لاستفادتها المباشرة من الخبرتين الأمريكيّة واليابانيّة.

غير أنّ دخول الصّين ثمّ الهند إلى مجال المنافسة على العولمة غيَّر المعادلات الدّوليّة قطعاً؛ فهُما بلدان كبيران يعادلان في المساحة والسّكّان كوريا الجنوبيّة مئات المرّات، وقواهما الدّيموغرافيّة تتجاوز ثلث سكّان الأرض، ناهيك عمّا تملكانه من موارد هائلة تشكِّل رِفْداً لهما في المنافسة.

في غضون عقدٍ ونصف العقد من ولوجها هذا الطّور الجديد والأعلى من التّقدّم والنّفوذ، كانت دول شرق آسيا قد قطعت الشّوط الأكبر في المنافسة لتبلغ عتبة التّكافؤ والنّديّة مع مراكز الغرب العولميّة الكبرى.

واليوم، لا يكاد المرء يجد بيتاً، في أرجاء العالم كافّة، ليس فيه سلعة تكنولوجيّة من كوريا الجنوبيّة والصّين والهند: جهاز تلفاز أو تكييف، أو حاسوب (ببرمجة هنديّة)، أو هاتف محمول، أو أجهزة إلكترونيّة أخرى للاستخدامات الحيويّة، أو سيارة وسوى ذلك ممّا بَرَعَ فيه الآسيويّون براعَةً بزَّت منتوجات الغربيّين وفرضت نفسَها على مجتمعاتهم ومستهلكيهم.

فعلت بلدان آسيا ذلك مستفيدةً من نظام التّجارة الحرّة؛ الذي هو نفسه من آليات العولمة، والذي كان يستعمله الغرب لاكتساح أسواق العالم وفرْض سِلعه ومنتوجاته، وإصابة الاقتصادات الوطنيّة للدّول الأخرى في مَقْتل!

وحتّى حينما تلجأ دول الغرب إلى فرض رسومٍ على المنتوجات الآسيويّة، قصد حماية صناعاتها ومنتوجاتها - كما لم تفتأ تفعل الولايات المتّحدة مع الصّين-، لا تتورّع المراكز الآسيويّة عن إغراق أسواق تلك الدّول بسيْل منتوجاتها التي تعرف، على التّحقيق، مستويات الطّلب عليه في بلدان الغرب.

من النّافل القول إنّنا إذْ نتحدّث عن مراكز العولمة في الغرب، فإنّما نتحدّث - على الحقيقة - عن ثلاثةٍ منها كبرى (الولايات المتّحدة، اليابان، ألمانيا)، أمّا البواقي فذات تأثيرٍ محدود.

غير أنّ مكانة الولايات المتّحدة في هذه المراكز أعظم، ليس فقط لأنّها الدّولة الأكبر والأغنى والأَعْرَقَ في الرّأسماليّة بينها، وليس فقط في أنّ نفوذها في معظم العالم مسنودٌ باتّفاقاتٍ ومعاهدات وأحياناً، بقواعد عسكريّة...

ولكن لأنّها تتوسّل في علاقاتها بالعالم اللّغةَ الأوسعَ انتشاراً فيه: الإنجليزيّة، على نحوٍ يكاد أن يفرضها بوصفها اللّغة المرجعيّة: لا في المخاطبة البينيّة العالميّة فحسب، بل أيضاً في النّظم المعلوماتيّة والاستخدامات الإلكترونيّة والتّسويق.

إنّ سلطان اللّغة، في هذه الحال، يوشك أن يكون مرادفاً لسلطان الدّولار في النّظام النّقديّ العالميّ. وعليه، فإنّ ما يقال عن قطبيّة أمريكا في منظومة العولمة في الغرب يصدُق، تماماً، على قطبيّة الصّين في منظومة العولمة في شرق آسيا.

لذلك فموجات التّنافُس العولميّ المحتدمة غداً ستكون بين هاتين الدّولتين الكبيرتين مع رجحانٍ لكفّةِ الصّين فيه بالنّظر إلى معدّلات التّقدّم القياسيّة فيها التي ينال منها واقع أنّ اللّغة الصّينيّة، اليوم، لغةٌ قوميّة وليست عالميّة.

ما يعْنينا في الموضوع أنّ العولمة لم تعد صناعة غربيّة حصْريّة تحتكرها دول الغرب الكبرى، بل ظاهرة كونيّة تشترك دول وأممٌ أخرى من خارج الغرب في إنتاجها والاستفادة من ثمراتها.

لقد حصل للعولمة ما حصل لجدّتها: الرّأسماليّة؛ بدأت هذه ظاهرةً أوروبيّة ثمّ غربيّة، ولم تلبث بعد قرنين أن صارت عالميّة. هذا منطق التّاريخ؛ منطقٌ جدليّ هو يقود إلى صراعِ أضداد يقع التّفاعُل بينها والتّبادل فتتعادل الحصص أو تتكافأ، أو تنقلب الأدوار.

* د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

العولمة الغرب الصين أمريكا الهند الدولار النظام النقدي العالمي الرأسمالية اللغة الانكليزية