لماذا يتمسك أردوغان بالموازنة الصعبة بين طرفي الصراع في حرب أوكرانيا؟

السبت 24 سبتمبر 2022 07:12 م

يحاول الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الحفاظ على موازنة صعبة في حرب أوكرانيا. وبالرغم أن هذه السياسة تزعج الغرب في كثير من الأحيان، إلا أن الرئيس التركي يتمسك بها لتجنب أي تداعيات اقتصادية إضافية خاصة مع اقتراب انتخابات 2023.

وقبل أيام قليلة فقط من التقارير حول المكاسب التي حققها الجيش الأوكراني في المنطقة الشمالية الشرقية للبلاد، حذر "أردوغان" الغرب من "التقليل من شأن روسيا" وانتقد سياسته القائمة على الاستفزاز تجاه الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، وكان هذا التصرف مشابهًا لتصرفات سابقة عدة فاجأت المراقبين.

وتقول الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية في جامعة إلينوي "سيبيل أوكتاي" إنها أجرت الكثير من المقابلات والمحاضرات حول السياسة الخارجية لتركيا في أوكرانيا منذ بداية "العملية العسكرية الخاصة" لـ"بوتين" في فبراير/شباط 2022، وتكرر سؤالان محددان في كل واحدة منهم تقريبًا.

الأول هو ما إذا كانت تركيا منحازة فعليًا لكلا جانبي الحرب في أوكرانيا، والثاني عما إذا كان وضع تركيا نقطة قوة أم ضعف للتحالف الغربي. إجابة السؤال الأول هي نعم ببساطة، أما السؤال الثاني فيحتاج إلى تفصيل.

دوافع اقتصادية

تقف تركيا الآن في منعطف رئيسي بين الغرب وروسيا، ويعد هذا الموقف السياسي والجغرافي على حد سواء، مكونا رئيسيا للسياسة التركية إزاء الحرب في أوكرانيا.

من ناحية، تعد أنقرة حليفًا لواشنطن وعضوًا قديمًا وحاسمًا في الناتو باعتبارها ثاني أكبر مساهم في قوات التحالف، وبالفعل نفذت تركيا أدوارًا رئيسية في عمليات الناتو في كوسوفو وأفغانستان، وقد عرضت تركيا أيضًا تشغيل مطار كابل بعد انسحاب واشنطن من أفغانستان في الصيف الماضي، لكن عرضها هذا لم يلق قبولًا.

وبالرغم أن علاقاتها مع الولايات المتحدة توترت كثيرًا خلال العقد الماضي، إلا أن تركيا لا تزال تعتبر نفسها حليفة للولايات المتحدة وليس لديها نوايا لقطع العلاقات.

من ناحية أخرى، تحافظ تركيا على علاقات قوية مع روسيا وخاصة في الجانب الاقتصادي، حيث تعد تركيا واحدة من أكبر المشترين للغاز الطبيعي الروسي فيما تصدر منتجات غذائية وكيميائية لروسيا بمليارات الدولارات.

وتجذب تركيا أيضًا ملايين السياح الروس كل عام من خلال منتجعاتها الشاطئية ذات الأسعارالمعقولة ونظام السفر بدون فيزا مع جارتها في البحر الأسود.

والأهم من ذلك، أن البلدين كوّنا علاقات أمنية ودفاعية حاسمة بشكل متزايد في السنوات القليلة الماضية، ويتجلى ذلك في التنسيق العسكري في سوريا، وشراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية "S-400" في عام 2017.

موازنة الانحياز للجانبين

نظرا للاعتبارات السابقة، سواء في العلاقات مع الغرب أو روسيا، تحاول تركيا الحفاظ على الموازنة تجاه الحرب في أوكرانيا.

على سبيل المثال، أعلنت تركيا أن ما سمته روسيا "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا هي "حرب" بعد فترة وجيزة من اندلاعها.

وبذلك، استطاعت أنقرة أن تمارس حقها بموجب اتفاقية مونترو في إغلاق مضائق البوسفور والدردنيل، ومنع مرور السفن الحربية الروسية.

كما قدمت أنقرة الطائرات المسيرة "بيرقدار TB2" الشهيرة إلى أوكرانيا في وقت مبكر من النزاع، وقدمتها مرة ​​أخرى مؤخرًا.

وساعدت هذه الطائرات أوكرانيا على تحقيق بعض المكاسب التكتيكية المبكرة التي عززت الروح المعنوية للقوات الأوكرانية.

ومع ذلك، فعلى عكس حلفائها الغربيين، لم تغلق تركيا المجال الجوي أمام الطائرات الروسية، ولم تفرض أي عقوبات اقتصادية على روسيا، بل ضاعفت البلاد وارداتها من الغاز من روسيا واستمرت في إعفاء الروس من التأشيرات في وقت أصبح فيه من الصعب عليهم الحصول على تأشيرات شنجن لأوروبا.

نقطة قوة أم ضعف للغرب؟

من الواضح أن تركيا توازن بين طرفي الصراع. لكن هل موقفها هذا نقطة قوة أم ضعف بالنسبة للغرب؟ هناك طريقتان للإجابة على هذا السؤال.

قد يجادل البعض بأن وضع تركيا هو ميزة ليس فقط للغرب ولكن للعالم النامي أيضًا، فقد تمكنت أنقرة من التفاوض على الاتفاقية التي رفعت الحصار عن ميناء أوديسا وسمحت بشحن الحبوب الأوكرانية، مما قد يخفف من أزمة الغذاء العالمية.

وتمكنت تركيا من التوسط بين أوكرانيا وروسيا على وجه التحديد لأنها اختارت الموازنة بين طرفي الصراع.

علاوة على ذلك، ربما لعب موقف تركيا أيضًا دورًا في منع المزيد من التصعيد بين الناتو وروسيا، مثل منعها انضمام فنلندا والسويد للناتو في وقت سابق من هذا الربيع.

ومع ذلك، قد يجادل آخرون بأن تركيا أظهرت أنها حليف لا يمكن التنبؤ به ويقوض عزم الغرب على الوقوف ضد العدوان الروسي، وما يبدو موازنة من "أردوغان" قد يُنظر إليه على أنه ضعف في الالتزام بالموقف الغربي.

وبالنظر إلى أهمية المصداقية في العلاقات الدولية، خاصة بالنسبة للمنظمات التي تضم الدول الديمقراطية مثل الناتو، يمكن اعتبار نهج تركيا المنحاز للجانبين نقطة ضعف في استراتيجية الناتو لردع روسيا في المستقبل، مما يزيد من اضطراب المنطقة.

الانتخابات التركية القادمة

من المستحيل فهم السياسة الخارجية لتركيا، بما في ذلك سياستها في أوكرانيا، دون فهم السياسة المحلية للبلاد، خاصة في أوقات الاستقطاب والاستعداد لانتخابات مصيرية.

وتأتي انتخابات 2023 بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، لذلك سيكون للسباق الرئاسي أهمية سياسية ورمزية هائلة بالنسبة لـ"أردوغان" وحزبه "العدالة والتنمية".

وبعد خسارة منصب عمدة أكبر 3 مدن في تركيا أمام مرشحي المعارضة في عام 2018، تعهد "أردوغان" بتجديد الثقة في حزبه العام المقبل.

ويبدو هذا تحديًا متزايد الصعوبة، بالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فقد خسرت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2021، فيما ارتفعت الأسعار إلى ما يقرب من 100% في المدن الكبرى مثل إسطنبول.

وحاليا، تنشط المعارضة التي تبدو متفائلة بالفوز بالرغم أنها لم تقرر بعد مرشحها الرئاسي.

وللمرة الأولى، أصبحت خسارة "أردوغان" للانتخابات احتمالا قائما، ويرتبط موقف تركيا في أوكرانيا مباشرة بمستقبل "أردوغان" السياسي، فهو لا يستطيع أن يدير ظهره لروسيا ويوقع اقتصاد البلاد في دوامة.

وبدلاً من ذلك، يحاول "أردوغان" المحافظة على موازنة صعبة يعتبرها "استقلالًا استراتيجيًا" لتركيا في السياسة الخارجية فيما يحرز نقاطًا إضافية من خلال التوسط في مفاوضات رفيعة المستوى بين الأطراف المتحاربة. 

وتبدو الرسالة التي يريد إيصالها للجمهور هي: "تركيا لا تأخذ أوامر من الآخرين؛ نحن لاعب رئيسي في المنطقة وصانعو سياستنا الخارجية"، هي رسالة قوية ومقنعة تجذب الناخبين من شرائح مختلفة.

ببساطة، يحتاج إلى الدعم الشعبي أكثر من أي وقت مضى، وقد تساعده سياسته في أوكرانيا على تحقيق مكاسب داخلية مهمة في هذا الوقت الحساس.

المصدر | سيبيل أوكتاي/ ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا حرب أوكرانيا روسيا الناتو أزمة الحبوب طائرات مسيرة العلاقات التركية الأمريكية العلاقات التركية الروسية

تركيا: ندعم حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها