مجازر التدافع: «عشائر» الكرة و«قبائل» الشرطة!

الاثنين 3 أكتوبر 2022 04:04 ص

مجازر التدافع: «عشائر» الكرة و«قبائل» الشرطة!

إذا كانت إدارة الشرطة للأزمة بائسة، يغدو أفرادها «قبيلة» كاسرة ترى «عشائر» الجمهور كتلا يجب سحقها لا إعادتها إلى بيوتها سالمة.

أحد المشجعين المصابين قال إن الكثير من أصدقائه فقدوا حياتهم «بسبب الضباط الذين لم يتعاملوا معنا بإنسانية فأزهق الكثير من الأرواح».

تتوسع المقتلة ويتحوّل حدث عنيف يمكن احتواؤه إلى مأساة وطنية كبرى يصعب على الناس نسيانها وتخلق أبوابا واسعة للحقد بين الدول ومواطنيها.

تنتقل روح التعصب القبلي والخصومات الرياضية من المحلّية إلى العلاقات بين جماهير بلدان مختلفة، فيختلط السياسي بالرياضي فيستغلّه الساسة لتعميق أجنداتهم المتصلّبة، وهو ما يخصم من مشاكلهم الداخلية مع «ألتراسات» بلدانهم.

*   *   *

تشكّل المأساة التي حصلت في إندونيسيا، وحصدت أكثر من 125 قتيلا، فقرة من مسلسل طويل من الحوادث المهولة المتعلّقة بالرياضة عموما، وبكرة القدم خصوصا.

ألقى المسؤولون الأندونيسيون باللائمة على الجمهور، فقال قائد الشرطة في مقاطعة جاوة التي جرت فيها المباراة بأن مشجعي الفريق الخاسر اقتحموا أرض الملعب وأن الأمور تحولت إلى فوضى و«بدأ المشجعون بمهاجمة الضباط وألحقوا أضرارا بسيارات».

عبّر أحد المصابين وهو يبكي، حسب متابعة وكالة «رويترز» للأنباء، عن الموقف الآخر الذي يمثّل المشجعين حيث قال إن الكثير من أصدقائه فقدوا حياتهم «بسبب الضباط الذين لم يتعاملوا معنا بإنسانية فأزهق الكثير من الأرواح».

سجّلت الكاميرات طبعا وقائع المجزرة، ونشرت وسائل الإعلام لقطات فيديو تظهر تدفق المشجعين داخل الملعب، والاختلاف إذن لا يقع على طريقة بدء الحادث ولكن على الأسلوب الذي تمّت معالجته به.

استخدمت السلطات قنابل الغاز ضد الجمهور، وهو أمر يعتبره «الاتحاد الدولي لكرة القدم» (الفيفا) مخالفا لقواعد السلامة، التي تقرر أنه لا يجب استخدام الأسلحة أو الغاز للسيطرة على الحشود من قبل عناصر الأمن والشرطة، وساهمت قوات الأمن، بهذه الطريقة، في نشر المزيد من الفزع بين الجماهير التي أدى تدافعها، وقنابل الغاز، إلى مزيج من حالات الاختناق والدهس، وأصيب العديد من الضحايا في الرأس وكان بين القتلى طفل في الخامسة من العمر.

تتميز حوادث التدافع بعاملين، الأول هو الغريزة العمياء للمجموعات التي يحوّلها الولاء الرياضي، أو غير الرياضي، إلى كتل عنيفة تشتبك مع «العشيرة المنافسة» للفريق الخصم، وحين تحسّ بالخطر تتفرّق أشتاتا وتندفع نحو مخرج للهرب والنجاة، والعامل الثاني هو دور السلطات في إدارة وتصريف تلك الحركة البشرية الكبيرة، فإذا كان هناك إدارة جيدة للحادثة، وعدد كاف من عناصر الأمن، وكان الهدف من عملهم هو الحفاظ على الأرواح الإنسانية، تنفض المشكلة بسلام.

أما إذا كانت إدارة الشرطة للأزمة بائسة، وتحوّل أفرادها إلى «قبيلة» تعتبر نفسها قوة كاسرة، وتنظر إلى «عشائر» الجمهور باعتبارها كتلا يجب سحقها وتدميرها لا إعادتها إلى بيوتها سالمة، فالأغلب أن تتوسع المقتلة، ويتحوّل حدث عنيف يمكن احتواؤه إلى مأساة وطنية كبرى يصعب على الناس نسيانها، وتخلق أبوابا واسعة للحقد بين الدول ومواطنيها.

أحد الأمثلة الكاشفة في هذا السياق كانت اضطرار «ألتراس» نادي الزمالك لكرة القدم في مصر، لإعلان وقف نشاطه، بعد الضغوط الشديدة التي مارستها السلطات عليه، حيث استخدم السلاح المعتاد لأجهزة الأمن باتهام نشاط «الألتراس» بالتبعية لتنظيم «الإخوان المسلمين» كما صدرت أحكام ضد رئيس المجموعة بالسجن المشدد 7 سنوات، كما حكمت على آخرين بالمؤبد، وذلك على خلفية أحداث تدافع قُتل فيها 22 مشجعا عام 2015، وحينها، أيضا، قالت الأجهزة الأمنية إن الوفيات حصلت بسبب التدافع، فيما قالت رابطة «الألتراس» إن الوفيات جرت على يد قوات الأمن، كما حصلت قبلها مذبحة قتل فيها 72 من أعضاء ألتراس النادي الأهلي.

بسبب طبيعتها القبلية، تنتقل روح التطرّف والتعصّب والخصومات الرياضية، في كثير من الأحيان، من المستوى المحلّي، إلى العلاقات بين جماهير بلدان مختلفة، فيختلط السياسي بالرياضي، وهو أمر يستغلّه الساسة أحيانا، لتعميق أثر أجنداتهم المتصلّبة، وهو ما يخصم من مشاكلهم الداخلية مع «ألتراسات» بلدانهم.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

أندونيسيا مجازر التدافع الخصومات الرياضية الكرة الشرطة مصر ألتراس الأهلي الزمالك