منذ لقاء أردوغان وبن سلمان.. كيف تطورت العلاقات السعودية التركية؟

الاثنين 28 نوفمبر 2022 11:00 ص

مع دخول تركيا والسعودية حقبة جديدة عنوانها التعاون المشترك، تزامنا مع الزيارات المتبادلة للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وولي عهد السعودي "محمد بن سلمان" قبل عدة أشهر، انخرط البلدان في مسعي للنهوض بالعلاقات الثنائية في مجالات السياسة والاقتصاد والتعاون العسكري والأمني.

وسعت تركيا، وهي دولة مستوردة للنفط، هذا العام إلى تطبيع العلاقات مع السعودية، بعدما تدهورت إثر مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" عام 2018، وهي تسعى كذلك للحصول على دعم مالي خارجي لتعزيز اقتصادها الذي يعاني من أزمات قبل الانتخابات المقررة العام المقبل.

وعلى الجانب السعودي، يسعى ولي العهد إلى إنهاء عزلته السياسية وعودة مقبولة إلى المشهد الدولي، بعد ما ألم بصورته من تبعات اغتيال "خاشقجي".

وجاء تحسن العلاقات التركية السعودية بعد تحسن مماثل للعلاقات التركية الإماراتية، وتحسن نسبي آخر للعلاقات بين أنقرة والقاهرة.

وعلى الجانب السعودي، تمكنت الرياض من إعادة العلاقات مع الدوحة، وتوحيد الصف الخليجي بعد أزمة خليجية عاصفة، öكذلك يجرى حديث متكرر عن استضافة بغداد للقاءات بين مسؤولين سعوديين ونظرائهم الإيرانيين.

وأجرى "أردوغان" يومي 28 و29 أبريل/نيسان الفائت زيارة مهمة للسعودية؛ إذ جاءت بعد حالة من شبه القطيعة بن الدولتين في السنوات القليلة الأخيرة.

وتبعها زيارة أجراها "بن سلمان" للعاصمة التركية أنقرة في 22 يونيو/حزيران، ليعلن بعدها البلدان البيان المشترك الذي أكد عزمها بدء فترة تعاون جديدة في العلاقات الثنائية.

  • الأولوية للاقتصاد

ويشكّل الاقتصاد محوراً مهما في العلاقات بين أنقرة والرياض، ويتضح ذلك جليا بالنظر إلى أرقام التجارة الثنائية بين البلدين، والمفاوضات المكثفة الحالية لتعزيز العلاقات الثنائية ورفع حجم التبادل التجاري والاستثماري بينهما.

وقبل أسبوعين، وجّه مجلس الوزراء السعودي بتشجيع الاستثمار المباشر مع تركيا، معلنا تفويض وزير الاستثمار السعودي -أو من يُنيبه- بإجراء مباحثات مع الجانب التركي بشأن مشروع مذكرة تفاهم بين البلدين في هذا الصدد.

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان متحدث باسم وزارة المالية السعودية أن الرياض وأنقرة تناقشان وضع وديعة قيمتها 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي.

وذلك قبل أن يلتقي وزير المالية والخزانة التركي "نورالدين نباتي" وزير التجارة السعودي "ماجد بن عبدالله القصبي" في إسطنبول، الأحد، ويجريا "مباحثات مثمرة للغاية" حول التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي.

وبلغ حجم الاستثمارات السعودية في تركيا نحو 8 مليارات دولار بنهاية العام الماضي، قبل أن يعلن "القصبي"، في مقابلة نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنه ارتفع إلى حوالي 18 مليار دولار، كاشفا عن وجود خطة لاستثمار ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار إضافية.

والشهر الماضي، قال وزير الاستثمار السعودي "خالد الفالح" خلال استقباله "نباتي" إن رجال الأعمال السعوديين سيستثمرون في تركيا ضمن مجالات مختلفة مثل التقنية والعقارات والطاقة.

بينما كشف "نباتي" عن رغبة تركيا في أن تنقل الطاقة السعودية إلى أوروبا، حين قال إن "موقع تركيا الجغرافي يُتيح لها أن تكون ممرا للطاقة من السعودية وروسيا وإيران، وأي نفط أو غاز طبيعي يتمّ نقله عبر البلاد، سيكلف أقلّ وسيُشحن بأمان أكبر".

وارتفع عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا إلى أكثر من 1100 شركة مع نهاية العام الماضي، بزيادة هائلة مقارنة بما كانت عليه خلال عام 2011؛ حيث بلغ العدد وقتها نحو 11 شركة سعودية فقط.

وتقول الباحثة التركية الخبيرة في اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "شريفة أكنجي" إن الاستثمارات السعودية موزّعة في المدن الكبرى، وتتركّز بشكل خاص في قطاعات الزراعة والكيماويات الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية والغذاء والترفيه والإسكان والبناء والتأمين والآلات والمعدات.

وتكشف "أكنجي" عن بروز قطاع الإسكان والتشييد في تركيا باعتباره أحد أكثر القطاعات جاذبية للمستثمرين السعوديين، مشيرة إلى أن قطاع الإسكان في تركيا يشكّل حوالي 30% من إجمالي الاستثمارات السعودية في البلاد.

وتؤكد أن العلاقات شهدت تغيرًا كبيرًا بين تركيا والسعودية، خاصة بما يتعلّق بالتجارة، منذ زيارة "بن سلمان" إلى تركيا، مشيرة إلى أنه كان ثمة "مقاطعة غير رسمية" للمنتجات التركية من قِبل السعودية من سبتمبر/أيلول 2020 إلى بداية العام الجاري، ونتيجة لهذه المقاطعة توقّفت الواردات السعودية من تركيا تقريبًا.

وأضافت أن التقارب والزيارات المتبادلة التي بدأت بين تركيا والسعودية كان لها أثر إيجابي على التجارة بين البلدين.

وتشير بيانات معهد الإحصاء التركي إلى أن  صادرات تركيا إلى السعودية، كانت 3.2 مليارات دولار في 2019 و2.5 مليار دولار في 2020، وتراجعت بشكل كبير في عام 2021 إلى 265 مليون دولار، وعادت إلى الارتفاع  بنسبة 180%، في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، وبلغت 420.9 مليون دولار.

وفي يونيو/حزيران الماضي، الذي شهد زيارة "بن سلمان" إلى تركيا، ارتفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 622 مليون دولار، من 358 مليون دولار عن الشهر نفسه في العام الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك اتفق البلدان في ختام زيارة "بن سلمان" على تفعيل عمل مجلس التنسيق السعودي-التركي، وأكّدتا أهمية التعاون في مجال السياحة وتطوير حركتها بين البلدين.

وفي الأول من يوليو/تموز، حطّت أول طائرة سياحية سعودية في طرابزون، التي تعدّ مقصدًا سياحيًا مهمًا للسياح العرب، وخاصة السعوديين منهم.

وتتوقع السلطات التركية، حسب سفير أنقرة لدى الرياض "فاتح أولوصوي"، أن تصبح تركيا مجددا وفي وقت قصير المركز السياحي الأول للمملكة.

في المقابل، بدأت المملكة منح المواطنين الأتراك تأشيرة سياحية إلكترونية عند الوصول، وذلك لمقيمي أو حاملي تأشيرات الولايات المتحدة أو بريطانيا أو دول الاتحاد الأوروبي "شنجن".

وسيتمكن المواطنون الأتراك المحققون للشروط المذكورة، إضافة إلى حيازتهم جوازات سفر صالحة لمدة 6 أشهر على الأقل، من الحصول على التأشيرة الإلكترونية.

استقرار المنطقة

التقارب السياسي بين البلدين لم يختلف كثيرا عن التعاون الاقتصادي، وسط تأكيدات أن العلاقات القوية بين أنقرة والرياض ساهمت بشكل كبير في استقرار المنطقة وضمان أمنها واستقرارها.

وتضامنت تركيا مع السعودية ضد ما أسمته "استقواء وتنمر الولايات المتحدة" ضد المملكة، على خلفية قرار "أوبك+" تخفيض إنتاج النفط، قبل أن تعلن إدانتها للهجمات ضد المملكة.

ووفق مراقبين، فإن تطوّر العلاقات بين البلدين يمكن أن يساهم في تعزيز التوافقات الاستراتيجية بين كل من تركيا وقطر والسعودية والإمارات ومصر، بالملفات التي تشهد خلافاتٍ سياسية بين تلك الدول، وخاصة الملف الليبي.

كما سيساعد التقارب التركي السعودي بتطوير العلاقات بين تركيا والدول الخليجية الأخرى، مثل الكويت والبحرين وعمّان، بما يؤدي لتعزيز التجارة بين تركيا وتلك الدول.

وفي منطقة تموج بالصراعات والتوترات، يعول البعض على أن تحسن العلاقات بين قوتين إقليميتين مثل السعودية وتركيا، يمكن أن يكون له مردود إيجابي على دول المنطقة بأكملها.

ويرى مراقبون أنه في ظل مخاوف من ركود اقتصادي عالمي، وانشغال الولايات المتحدة بصعود اقتصادي وتقني وسياسي للصين، وتبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، قد يتقلص دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، مما قد يساهم في زيادة نفوذ دول أخرى تسعى لملء الفراغ.

ويضيف هؤلاء أنه من مصلحة جميع دول المنطقة التعاون فيما بينها بدلا من الصراع.

التقارب بين البلدين، زاد تفاعلا للدرجة التي دفعت السعودية لطلب شراء طائرات مسيرة مسلحة تركية الصنع، بل إنشاء مصنع لإنتاجها في المملكة.

وتشعر السعودية بالحاجة إلى تطوير العمل المشترك مع تركيا في مجال الصناعات الدفاعية، والاستفادة من المسيرات ذات التقنية العالية التي تنتجها أنقرة.

ووفق تقارير إعلامية، فإن السعودية ترغب في شراء 20 طائرة مسيرة متطورة على المدى القريب، و40 طائرة على المدى البعيد من تركيا، وتطوير التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين.

كما تدرس شركة "بايكار" المصنعة للمسيرات التركية، الطلب السعودي لإنشاء مصنع، الذي لم يكشف عن المزيد من تفاصيله حتى الآن.

ويقول الأكاديمي والباحث السياسي "مهند حافظ أوغلو"، إن الدعم العسكري التركي للمملكة سيكون كبيراً إذا ما طلبت الرياض ذلك، ولكن ربما نحتاج إلى بعض الوقت كي نرى هذا الدعم والتعاون مجسداً واقعاً، لأن أي خلاف يعقبه انفتاح يحتاج لمرحلة تمهيدية.

ويلفت "حافظ أوغلو" إلى أنه من المبكر الحديث عن وجود قواعد عسكرية تركية في المملكة؛ لأن تركيا وقطر هما في تحالف، أما تركيا والمملكة فقد استُؤنفت علاقاتهما للتو، وهذا يتطلب وقتاً من جهة، ويتطلب ثقة كاملة من جهة أخرى، وهذا ما يسعى الطرفان إلى تحقيقه، وإن كان عامل الوقت هو الحاسم.

ولم يقتصر الأمر على الاقتصاد والسياسة فحسب، بل تنامت العلاقات الإعلامية والثقافية بين البلدين؛ حيث بحث وفد إعلامي تركي، في العاصمة الرياض، الشهر الماضي، وضع خطة تعاون إعلامي، وخارطة طريق للتعاون وتبادل الخبرات، في مجالات التبادل الإخباري ووكالات الأنباء، والإذاعة والتلفزيون، وتنظيم الإعلام، والعلاقات الإعلامية الدولية.

كما أعلنت مجموعة "إم بي سي" المملوكة للسعودية، وهي أكبر مجموعة للخدمات الإعلامية في المنطقة، توقيع شراكة لمدة 5 سنوات مع شركتي إنتاج تركيتين هما "ميديابيم" و"أي يابيم" ليكون محتواهما موجودا عبر قنوات المجموعة ومنصتها عبر الإنترنت "شاهد" في مواعيد بثه في تركيا.

كما ستتعاون المجموعة مع شركتي الإنتاج المهيمنتين على صناعة الدراما التلفزيونية في تركيا وغيرها بمسلسلات، لتطوير وإنتاج محتوى باللغة العربية، مع البدء في تصويره في المملكة.

قبل أن يؤكد سفير أنقرة لدى الرياض "فاتح أولوصوي" استعداد تركيا للمساهمة في تطوير صناعة السينما في السعودية.

كما أعادت السلطات السعودية فتح المدارس التي تعمل في المملكة بإشراف وزارة التربية التركية، وتوفر خدماتها لقرابة من 2200 طالب.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية تركيا بن سلمان أردوغان تعاون اقتصادي تعاون دفاعي

السعودية: تحويل وديعة بـ5 مليارات دولار إلى تركيا خلال أيام

بيان تركي سعودي في ختام زيارة أردوغان