برلين تطوي جزءا من صفحة ماضي ألمانيا الاستعماري.. ماذا حدث؟

السبت 3 ديسمبر 2022 07:48 م

طوت مدينة برلين الجمعة، جزءًا من صفحة تاريخها الاستعماري، إذ أعادت تسمية ساحة وشارع بأسماء مقاتلين أفارقة بعدما كانا يحملان اسمَي مستعمرَين ألمانيَين.

وخلال مراسم نُظّمت لتغيير الأسماء في قلب "الحي الأفريقي" في العاصمة الألمانية، دعت رئيسة دائرة ميتي (وسط) في برلين "ستيفاني ريملينغر" المؤيدة لحزب الخضر إلى "النظر ليس فقط إلى الماضي، بل أيضًا إلى المستقبل"، لا سيّما من خلال تحسين تدريس الاستعمار الألماني في المدارس.

وقالت: "لقد استهنا لفترة طويلة في ألمانيا بمدى ثقل ماضينا الاستعماري وقللنا من حجم الظلم والجرائم التي ارتُكبت" في تلك الحقبة.

ولطالما شهد "الحيّ الأفريقي" في برلين على انعدام التطرّق إلى المظالم التي ارتُكبت.

فقد تشكّل الحي في مطلع القرن العشرين في وقت كانت ألمانيا تحكم على إمبراطورية استعمارية كبيرة قبل أن تخسرها في نهاية الحرب العالمية الأولى.

وبعد سنوات من احتجاج جمعيات أفريقية مختلفة، تحوّلت ساحة "ناشتيغال" الجمعة إلى ساحة "مانغا بيل".

ولعب المستكشف الألماني "غوستاف ناشتيغال" دورًا رئيسيًا في القرن التاسع عشر في تأسيس المستعمرات الألمانية في غرب أفريقيا وتوغو والكاميرون وجنوب غرب أفريقيا (ناميبيا)، وهي أراض تمّ غزوها بأساليب عنيفة.

والجمعة، تمّ محو اسمه عن ساحة أصبحت تحمل اسم "مانغا بيل"، تكريمًا للزوجين الملكيَين لشعب الدوالا في الكاميرون "ايميلي" و"رودولف مانغا بيل".

وكان "رودولف مانغا بيل" رئيس المقاومة ضدّ طرد الدوالا من منازل أجدادهم، وأُعدم في العام 1914.

وأكّد السفير الكاميروني لدى ألمانيا "فيكتور ندوكي" خلال المراسم أن "افتتاح هذه الساحة يُنصف مانغا بيل بعد 108 أعوام على إعدامه في دوالا".

وخلال مقابلة، قال الملك "جان-ايف ايبومبو دوالا مانغا بيل"، وهو من أحفاد الزوجين "مانغا بيل"، وجاء خصيصًا من الكاميرون من أجل المناسبة في برلين، إن هذه المراسم تشكّل "رمزًا بالغ الأهمية للاعتراف به".

وإلى جانبه الأميرة "ماريلين دوالا مانغا بيل"، وهي ابنة حفيدة "رودولف"، التي اعتبرت أن هذا التغيير للاسم سيسمح بـ"زيادة الوعي لدى الشعب الألماني والشباب الألماني عندما لم يكن هؤلاء الشباب قد وُلدوا بعد".

وعلى بعد بضع مئات الكيلومترات من ساحة "مانغا بيل"، أُعيدت تسمية شارع "لودريتز" باسم "كورنيليوس فريديريكس" الذي كان مقاومًا من شعب الناما في وجه الاستعمار الألماني في ناميبيا وتوفي في معسكر في العام 1906.

وكان "أدولف لودريتز"، وهو تاجر متحدّر من مدينة بريمن، يُعرف بأنه "رائد في الاستعمار" و"مؤسس المستعمرة الألمانية الأفريقية في الجنوب الغربي".

وهو متّهم الآن بخداع شعب ناما في نهاية القرن التاسع عشر بشراء أراضيهم مقابل ثمن زهيد.

وخلال المراسم، شدّد سفير ناميبيا "مارتن أندجابا" على أن تغيير اسم الشارع هو "أداة مصالحة للجيل الحالي والجيل المقبل".

وقال: "إن النظر في الإرث الاستعماري لا يجب أن يفرقّنا بل يجب أن يقرّبنا"، ضاربًا مثل مدينتَي لودريتز، وهما مدينتان تحملان الاسم نفسه في ألمانيا وناميبيا. في ناميبيا، كانت ألمانيا مسؤولة عن مجازر بحق عشرات الآلاف من الأشخاص المنتمين إلى شعوب هيريرو وناما الأصليين، بين عامي 1904 و1908.

والعام الماضي، بعد مفاوضات شاقّة وطويلة، أعلنت برلين أنها اعترفت بارتكاب "إبادة" في هذه المنطقة التي استعمرتها بين عامي 1884 و1915، ووعدت بتقديم مساعدات تنموية ستفيد أحفاد القبيلتين.

والشهر الماضي، طلبت ناميبيا إعادة التفاوض على شروط الاتفاقية.

ورغم المراسم التي أُقيمت الجمعة، لا تزال هناك بقايا أخرى من الاستعمار في برلين، مثل "شارع موهرن" أو "شارع الزنوج" في قلب الحي التاريخي للعاصمة.

ومنذ 25 عامًا، تطالب جمعيات تمثّل مجتمع السود بتغيير اسم هذا الشارع.

ووافقت السلطات المحلية على تغيير الاسم في العام 2021، لكن قُدّمت شكوى ضدّ هذه الخطوة، وبدأت إجراءات قانونية منذ ذلك الحين.

يقول "هانز جورج رينيرت" المرشد السياحي الذي يتتبع روابط الحقبة الاستعمارية في الحي، إنَّ هناك "الكثير من الأماكن الأخرى على القائمة التي يجب أن تكون التالية".

واستشهد بـ"مورين شتراسه" أو شارع مور في وسط برلين، الذي من المقرر أن تُعاد تسميته بشارع "أنطون فيلهلم آمو"، على اسم الفيلسوف الأفريقي، وساحة "نيتلبيك" المسماة على اسم "يواكيم كريستيان نيتلبيك"، وهو بحار كان متورطاً في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.

وجاءت الإمبراطورية الألمانية إلى الاستعمار في سبعينيات القرن الـ19، في وقت متأخر نسبياً، مقارنة بمعظم القوى الأخرى وفقدت السيطرة على معظم الأراضي مع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914.

واستمرت الطموحات لتأمين الأراضي المفقودة حتى الأربعينيات، لكنها لم تنتزع سوى القليل من الأراضي.

لكن يُنظَر إلى ألمانيا على أنها مسؤولة عن واحدة من أكثر الفظائع الاستعمارية المُخزية التي ارتُكِبَت على الإطلاق، وهي الإبادة الجماعية من عام 1904 إلى 1908 بحق ما بين 60 ألفاً و100 ألف من سكان الناما والهيريرو الأصليين.

حاول العديد من مستعمريها عادةً الترويج لمشروعهم الاستعماري على أنه مهمة لجلب المسيحية والحضارة إلى المناطق الأفريقية.

((3))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

برلين الاستعمار أفريقيا الحي الأفريقي

148 أفريقيا من إدارة أوباما يرفضون عنصرية ترامب