حصاد قمم الرئيس الصيني بالسعودية.. تعاون اقتصادي وسياسي واسع دون إثارة أمريكا

الأحد 11 ديسمبر 2022 08:58 ص

اختتم الرئيس الصيني "شي جين بينغ" زيارته إلى الرياض، بعد قمم ثلاث، أولها مع الدولة المضيفة، والثانية مع دول الخليج، والأخيرة عربية، بحث خلالها مع قادة تلك الدول آفاق التعاون بين الصين والدول العربية والمصالح المشتركة.

زيارة وصفتها بكين بأنها "النشاط الدبلوماسي الأكبر مع العرب" منذ تأسيس الجمهورية الشعبية، حيث التقى "شي" نحو 16 من ممثلي الدول العربية وقادتها، بحثت المصالح المشتركة وفتح أفق التنمية، والشراكة في إيجاد حلول للأزمات الدولية والإقليمية.

الزيارة تمثل مستوى جديد في العلاقات، وهو ما ظهر في تصريحات "شي" الذي قال إن القمم الثلاث تفتح الباب أمام توسيع أفق التعاون الثنائي.

وتأتي كلمة السر في فتح مساحات شراكة تتيح تواجدا صينيا أكبر في الشرق الأوسط، حيث يمكن تلخيص نتائج الزيارة بأنها تحمل مكاسب كبيرة للصين، كما لاقتصادات الخليج، وتأتي ضمن الوتيرة الصينية التي تبتعد، ولو بشكل راهن، عن إحداث صدمات كبرى في التوازنات العالمية، والتي لم تصل بعد إلى مرحلة قلْب الطاولات.

وبمعزل عمّا يمكن أن تصل إليه زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، وما إذا كان من المبالغة القول إنها تشكّل "نقطة تحوّل" في موقع هذه المنطقة النفطية من التحالفات العالمية أم لا، فإنها تمثّل حدثاً كبيراً، لا في سياق ما صار يُعرف حالياً بالصراع بين الإدارة الأمريكية والنظام السعودي فحسب، وإنّما أيضاً في سياق تعزيز بكين حضورها في مزيد من المناطق التي كانت حكراً على الأمريكيين حتى وقت قريب.

فضلاً عن أن للصين علاقات متوازنة في هذه المنطقة، تشمل دولاً مِثل إيران التي تقترب علاقتها معها من التحالف، وهذا أيضاً يفسّر جانباً من التحفّظ الصيني الذي رافق ترتيبات الزيارة إلى الرياض.

في المقابل، يسعى السعوديون إلى تعظيم المردود السياسي لهذه الزيارة، لتوجيه رسالة مباشرة إلى الأمريكيين في زمن الخلاف الكبير معهم، وتحديداً مع الإدارة الديموقراطية الحالية، بأن التحالفات البديلة موجودة إن هم قرّروا سحْب الضمانة الأمنية التي ما زالوا يوفّرونها للنظام السعودي وإخوته في الخليج.

لكن المشكلة الحقيقية بالنسبة إلى السعودية، بَعد الزيارة كما قَبلها، تبقى في تراجع مكانتها ومكانة الشرق الأوسط عموماً في التفكير الاستراتيجي الأمريكي.

ومع ذلك، لم يجرِ، خلال القِمم الثلاث، الإعلان عن أيّ أمر يثير استفزاز الأميركيين، من نوع مبيعات أسلحة حسّاسة محسومة أو مشاركة صينية مثبتة في بناء معامل للصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيّرة أو الطاقة النووية في السعودية (على رغم أن ثمّة شكوكاً أميركية في وجود مِثل هذا التعاون)، أو اعتماد اليوان جزئياً أو كلّياً في مبيعات النفط السعودية لبكين، والتي تبلغ 1.8 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل ربع الاستهلاك الصيني.

والأربعاء، وفي منتصف زيارة "شي" للرياض، قال البيت الأبيض أيضًا إنه "يدرك التأثير المتزايد" للصين في الشرق الأوسط، غير الملائم، حسب قوله، "للحفاظ على" النظام الدولي".

لكن واشنطن أوضحت أنها لم تطلب من "أي دولة أن تختار بين الولايات المتحدة والصين"، وأعلنت الرياض أنها لا تنوي القيام بذلك.

وبالعودة إلى القمم الثلاث، فقد أسست انطلاقة جديدة في العلاقات بين بكين ودول المنطقة، مع توقيع عدد من الشراكات الاستراتيجية والاقتصادية، والتأكيد الصيني على دعم دول الخليج للحفاظ على أمنها.

وشهدت القمم تبادلاً للرؤى بشأن الأوضاع الإقليمية والعالمية، مع تأكيد متبادل على مراعاة المصالح الجوهرية للطرفين، والتشديد على ضرورة تعزيز التعاون واستراتيجيات النمو، والالتزام بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.

وفيما شدد الرئيس الصيني على دعمه لأمن دول الخليج، أكدت دول الخليج حرصها على تعزيز الشراكة الثنائية والتزامها بمبدأ الصين الواحدة.

كما أكد الرئيس الصيني، أن بلاده والدول العربية يتبادلان "الدعم الثابت" في القضايا المتعلقة بالمصالح الحيوية للجانب الآخر.

وأسفرت القمة السعودية الصينية، عن توقيع اتفاقيات شراكة استراتيجية بين الرياض وبكين، في عدة مجالات منها الطاقة والاستثمارات، بعد اجتماع الملك "سلمان بن عبدالعزيز" مع الرئيس الصيني، في قمة استعرضت العلاقات العميقة والمتنامية خارج نطاق النفط.

ووقّع الملك "سلمان"، والرئيس "شي"، الاتفاقات في قصر اليمامة، بحضور ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان".

وتضمنت اتفاقية شراكة استراتيجية وخطة تنسيق بين رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تقليص اعتماد الاقتصاد على النفط، ومبادرة الحزام والطريق الصينية.

وتم الإعلان عن 46 اتفاقية ثنائية ومذكرة تفاهم حول عدة قطاعات، من الإسكان إلى تدريس اللغة الصينية، بينما يسعى الجانبان إلى تحقيق منافع اقتصادية واستراتيجية من خلال تعميق التعاون.

ومع ذلك، لم يتم الكشف عن الكثير من التفاصيل المرتبطة بالاتفاقيات، رغم تقارير وسائل الإعلام الحكومية السعودية، التي أشار إلى أن الاتفاقيات التي توقع خلال زيارة "شي" تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دولار.

لكن الغياب الواضح لاختراقات في القضايا الحساسة مثل الدفاع والاتصالات، يفترض أن يسمح بتهدئة مخاوف الولايات المتحدة التي لم تتردد في التحذير من "بعض الشراكات" المحتملة التي يمكن أن تضر بالعلاقات الأمريكية السعودية.

ويستثنى من ذلك الاتفاقية التي تم توقيعها مع شركة "هواوي" الصينية، فيما يتعلق بالحوسبة السحابية وبناء مجمعات عالية التقنية في مدن المملكة، على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة بشأن مخاطر أمنية محتملة في استخدام تكنولوجيا الشركة الصينية، التي شاركت بتأسيس شبكات الجيل الخامس في معظم دول الخليج.

فيما ذكر ولي العهد السعودي أن القمة الخليجية الصينية "تؤسس لانطلاقة تاريخية جديدة في العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون"، لافتا إلى أن "تلك الرؤية ستأخذ في الاعتبار أيضاً الدروس المستفادة من تجارب مواجهة جائحة كورونا، والدور المتنامي لدول مجلس التعاون في القضايا الإقليمية والدولية، والنمو الاقتصادي المتسارع، والتنمية الاجتماعية والثقافية التي تمر بها دول المنطقة".

وخلال قمة دول مجلس التعاون الخليجي والصين، أعرب "شي" عن رغبته في أن "يستكشف" مع الدول العربية "مجالات عمل جديدة مثل الطيران والفضاء والاقتصاد الرقمي واستخدام الطاقة النووية السلمية".

وتسعى الدولة الآسيوية العملاقة خصوصا إلى إنعاش دائرة نفوذها وتوسيعها ولا سيما عبر مبادرة "طرق الحرير الجديدة"، وهي مشروع استثماري دولي ضخم.

من جهتها، تسعى دول الخليج إلى تنويع علاقاتها الاستراتيجية وتقليل اعتماد اقتصاداتها على المحروقات.

بدوره، اعتبر الرئيس الصيني القمة العربية الصينية، "حدثاً مفصلياً" في تاريخ العلاقات المتجذرة بين العرب والصين.

وأكد أن بلاده والدول العربية يتبادلان "الدعم الثابت" في القضايا المتعلقة بالمصالح الحيوية للجانب الآخر، مشيراً إلى أن حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين يزيد عن 300 مليار دولار.

فيما بلغ رصيد الاستثمار المباشر المتبادل 27 مليار دولار وتم تنفيذ أكثر من 200 مشروع في إطار التعاون في بناء الحزام وطريق التي عادت بالخير على قرابة ملياري نسمة من السكان.

وعلى الرغم من ذلك، فتحت الزيارة من جديد مباحثات استئناف المفاوضات بين دول الخليج والصين حول اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين، والتي بدأت في 2004، وعقدت منها 9 جولات كان آخرها في ديسمبر/كانون الأول 2016.

الرئيس الصيني شدد كذلك على أنه يجب الالتزام بمبدأ رفض التدخل في شؤون الدول الداخلية، معلناً دعم بلاده لبناء منظومة أمنية مشتركة وشاملة وتعاونية ومستدامة في الشرق الأوسط. 

وأشار إلى أن الجانب الصيني يرحب بالمشاركة مع الجانب العربي في مبادرة الأمن العالمي، وهو على استعداد لمواصلة الإسهام في تعزيز السلام والأمان في الشرق الأوسط.

وقال إن "من الضروري تعزيز المواءمة بين استراتيجيات التنموية وبناء الحزام والطريق بجودة عالية، وتوطيد تعاون تقليدي في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والبنية التحتية".

وعبر "شي" عن ارتياحه لما تم الاتفاق عليه في هذه القمة، مشيراً إلى وضع الخطوط العريضة لخطة تعاون شامل بين بلاده والدول العربية بهدف تخطيط آفاق تطور العلاقات الصينية العربية بشكل مشترك.

كما شهدت القمة الصينية الخليجية، تلاقياً في الرؤى بين بكين ودول الخليج بشأن عدة قضايا في مقدمتها البرنامج النووي الإيراني، وإدانة الضربات الحوثية على أهداف مدنية في السعودية والإمارات، كما شهدت الاتفاق على تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مجلس التعاون والصين.

وأكدت الصين دعمها جهود دول المجلس لصيانة سيادتها ووحدة أراضيها والحفاظ على أمنها واستقرارها، وتحقيق التنمية المتكاملة، كما تدعم دول المجلس جهود الصين لتنمية اقتصادها وصيانة سيادتها وسلامة أراضيها، والالتزام بمبدأ الصين الواحدة.

وفي الشأن الإيراني، أكد القادة ضرورة دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج، وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، حفاظاً على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً، ودعوا إيران للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأكد الجانبان ضرورة أن تقوم العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران على اتباع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها، والحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

ودان القادة كافة "الهجمات الإرهابية التي تشنها الميلشيات الحوثية على الأهداف المدنية في السعودية والإمارات والداخل اليمني وفي الممرات المائية وطرق الملاحة الدولية"، ودعوا كافة الدول إلى التعاون لمكافحة هذه الأعمال والتقيد بحظر السلاح المنصوص عليه في قراري مجلس الأمن 2216 و2624.

((6))

وأكد القادة على مواقفهم الداعمة لكافة الجهود الدولية الرامية إلى التهدئة وإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة في أوكرانيا، وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات، ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

وركز الزعماء العرب في كلماتهم التي ألقوها أمام القمة العربية الصينية على تطوير التعاون مع بكين، وصياغة استراتيجيات لتعزيز الشراكة والانفتاح ضمن مبادرة الحزام والطريق، مشيدين بـ"سياسات صينية متوازنة" لا تسيس قضايا حقوق الإنسان وتحترم خصوصية الشعوب.

فقد اعتبر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، أن انعقاد القمة "يعطي دفعة ملموسة للتعاون العربي -الصيني بكافة صوره".

فيما قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني "رشاد العليمي"، إن القمة الصينية العربية، "فرصة لتحقيق التقدم والازدهار والتنمية من خلال صياغة استراتيجية مشتركة للتعاون ورؤى موحدة للسلام المستدام".

وتضمن "إعلان الرياض" الذي صدر في ختام القمة العربية الصينية، تأكيداً على التزام الدول العربية الثابت بمبدأ الصين الواحدة، ودعمها لجهود الصين في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، والتأكيد مجدداً على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ورفض "استقلال تايوان" بكافة أشكاله.

كما تضمن الاتفاق على تعزيز الجهود الدولية المبذولة في إطار الأمم المتحدة لمكافحة التغيرات المناخية، وأكد "أهمية تجنب المجتمع الدولي إقصاء مصادر طاقة رئيسية أو إهمال الاستثمار فيها، مما يؤدي إلى تحديات في أسواق الطاقة وأثر غير متكافئ خاصة على المجتمعات والدول النامية".

((7))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الرئيس الصيني السعودية الخليج العرب أمريكا تعاون اقتصادي تعاون سياسي

مصالح مشتركة ومبدأ مقدس.. 5 دلالات رئيسية لزيارة الرئيس الصيني إلى السعودية

ستراتفور: دلالات مهمة لزيارة الرئيس الصيني إلى السعودية

الفالح: 50 مليار دولار الحصيلة الاستثمارية لزيارة رئيس الصين للسعودية

توجيه السعودية بوصلتها تجاه الصين.. دوافع وتداعيات

أتلانتك كاونسل: زيارة رئيس الصين للسعودية.. الأمر أكبر من إثارة انتباه أمريكا

تطورات كاشفة.. هكذا نجت شراكة الرياض وواشنطن من عاصفة إنتاج النفط

مضاوي الرشيد: تقارب بن سلمان مع الصين لن يكون على حساب أمريكا