هكذا يمكن تفسير موقف الشعب والحكومة التركية من احتجاجات إيران

الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 08:57 م

بعد مقتل الشابة "مهسا أميني" البالغة من العمر 22 عامًا على يد شرطة الأخلاق الإيرانية في أوائل سبتمبر/أيلول 2022، اندلعت احتجاجات واسعة في جميع أنحاء البلاد، فيما يعد التحدي الأكثر أهمية لحكومة إيران الثيوقراطية منذ 4 عقود، لذلك ردت السلطات بحملة قمع عنيفة وقطع للإنترنت واعتقالات جماعية.

ورحب معظم الشعب التركي بالاحتجاجات، ولأسباب مختلفة؛ فقد انحازت التركيات المحافظات اللائي يرتدين الحجاب طواعية للنساء الإيرانيات، لأنهن ينظرن إلى الحجاب كخيار شخصي وينتقدن استخدام الشرطة الإيرانية للقوة. وفي الوقت نفسه، دعم العلمانيون الأتراك (الذين يعارضون الحجاب من حيث المبدأ) الاحتجاجات دون أي تحفظات. 

وبالرغم من الموقف الشعبي المنحاز للاحتجاجات، ظلت الحكومة التركية صامتة إلى حد كبير في محاولة للحفاظ على العلاقات التركية الإيرانية.

تاريخ معقد مع الحجاب

في حين يتجلى في المجتمعات الإسلامية الضغط داخل الأسر بشأن ارتداء الحجاب (والمجتمع التركي ليس استثناءً)، فإن فرض الدولة لقوانين الحجاب أمر ليس مرحبًا به في تركيا، التي يكفل فيها القانون الحريات الشخصية، كما أن تدخل الدولة في الحياة الخاصة ليس مرحبًا به ثقافيًا.

وأحد أسباب عدم ارتياح تركيا لفرض الحجاب هو تاريخها مع العلمانية، الذي يمتد لنحو قرن من الزمان؛ فبعد إنشاء الدولة التركية الحديثة في عام 1923 مباشرة، أطلقت الحكومة العلمانية في عهد "مصطفى كمال أتاتورك" حملة ضد الذين يتمسكون بمظاهر التدين، حيث اعتبرتهم الدولة التركية مضادين للحداثة. 

وبالرغم من منح النساء الحق في التصويت عام 1935، إلا أنه لم يُسمح للواتي ترتدين الحجاب بالترشح للمناصب العامة. وبالإضافة إلى ذلك، تم منعهن من دخول المدارس والمؤسسات العامة الأخرى.

وفي بعض الحالات، لم يُسمح لهن بالدخول إلى مباني الدولة، حيث كانت ملابسهم تعتبر غير متوافقة مع سياسات الدولة العلمانية. 

ووصل العداء ضد النساء المحجبات إلى ذروته في أواخر التسعينيات، عندما تعرضن للشيطنة علنا من قبل العديد من السياسيين والمسؤولين الأتراك. وبالرغم أن حكومة "رجب طيب أردوغان" أنهت حظر الحجاب في عام 2011، إلا أن الصراع حول الحجاب استمر في المجتمع التركي. 

ولا يمكن إنكار أن العلمانيين الأتراك سعوا علانية للتمييز ضد النساء المحجبات. ومن المفارقات أن العلمانيين المتشددين الذي أكدوان على أهمية التعليم لتنمية البلاد وتقدمها؛ هم نفسهم الذين حاولوا منع النساء المحجبات من الدراسة في الجامعات، مما يعزز "التخلف" الذي يزعمون أنهم يواجهونه. 

في نظر الأتراك المتدينين، فإن أولئك الذين يدعون إلى هذه القوانين التمييزية لا يحترمون حقوق المرأة، وإنما يقوضونها؛ لذلك، فإن وجود قوانين تتدخل في الخيارات الشخصية للمرأة، مثل قوانين الحجاب الإلزامية في إيران، غير مرحب بها على نطاق واسع بين الأتراك.

وحتى يومنا هذا، لا يوجد قانون دستوري يضمن حق المرأة في ارتداء الحجاب في تركيا؛ لهذا السبب، تخشى النساء المحجبات من أن يفرض تحالف المعارضة العلمانية حظر الحجاب مرة أخرى إذا وصل إلى السلطة. 

وبالنسبة لمعظم النساء المتدينات، فإن الإجراءات السابقة لـ"أتاتورك" وغيره من رجال الدولة العلمانيين لا تختلف كثيرا عن الإجراءات الحالية للنظام الإيراني؛ لأن كلاهما قرر نيابة عن النساء ما يمكنهن و ما لا يمكنهن ارتداؤه، ويمثل كلا التطرفين في منظورهن انتهاكًا لحرية النساء.

البراجماتية القاسية

بدافع الرغبة في الحفاظ على العلاقات التركية الإيرانية، تبنت أنقرة سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لإيران.

ومن الواضح أن العديد من المسؤولين الأتراك غير مرتاحين لاستخدام إيران للقوة لإخماد الاحتجاجات - وخاصة تدخلات الشرطة الدموية التي أسقطت 450 ضحية - ولكن الحكومة التركية رفضت التدخل، وهو نفس ما فعلته خلال التحركات الشعبية السابقة في إيران، ومن غير المحتمل أن تتغير هذه السياسة في المستقبل القريب.

ويبدو أن أنقرة لم تكن تتوقع تصاعد المظاهرات إلى الحد الذي وصلت إليه، كما يبدو أنها لا تتوقع أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى تغييرات جوهرية على السياسة الداخلية أو الخارجية لإيران.

وبالرغم من الخلافات المتكررة بين طهران وأنقرة، فمن الواضح أن اضطراب إيران أو تمزيقها بالحرب ليس في مصلحة تركيا.

وإذا تحولت إلى دولة فاشلة، فإن ملايين الإيرانيين سوف يفرون إلى تركيا، ولن تتمكن طهران من منع المهاجرين من عبور الأراضي الإيرانية.

بالمقابل، فإن انشغال إيران بالاضطرابات الداخلية قد يكون في مصلحة تركيا التي ترفض تدخلات طهران في البلدان المجاورة، لا سيما في سوريا والعراق، ومؤخرا في أذربيجان.

وفي حين اعتادت تركيا على وجود إيران في العراق وسوريا، إلا أن انزعاجها يتزايد بشأن تهديدات طهران لأذربيجان (وهي دولة يعتبر الكثير من الأتراك أن لديهم أخوّة معها)، بالإضافة إلى دعمها لخصم أنقرة التاريخي: أرمينيا.

وبالرغم من إشارات طهران الأخيرة حول تعليق أنشطة شرطة الأخلاق، لا يزال العديد من الخبراء يعتقدون أن النظام لن يقدم تنازلات حقيقية، كما ينظر المسؤولون الأتراك لنتائج الاحتجاجات بعين الشك.

ولا يزال من الممكن أن تتسبب الاحتجاجات في أضرار جسيمة للنظام الإيراني. وقد أظهر تاريخ إيران أن التمسك بالممارسات الاستبدادية رغم الرفض الشعبي نادراً ما ينجح على المدى الطويل، ويبدو أن قادة إيران الحاليين لم يستفيدوا من هذا الدرس.

المصدر | إبراهيم كاراتاش/ منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

احتجاجات إيران مهسا أميني تركيا إيران العلاقات الإيرانية التركية الحجاب العلمانية

لاعب إيراني يواجه خطر الإعدام.. ونقابة المحترفين مصدومة