هل يكون مونديال قطر محطة فارقة في العلاقات بين دول الخليج؟

الخميس 15 ديسمبر 2022 04:26 ص

 التقى رئيس دولة الإمارات "محمد بن زايد" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، بأمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، خلال مونديال كأس العالم لكرة القدم الذي تنظمه قطر. وأظهر وجودهما في الدوحة البيئة الجديدة في منطقة الخليج، حيث كان من المستحيل تصور مثل هذا اللقاء وسط أزمة مجلس التعاون الخليجي 2017-2021.

وقبل 5 سنوات ونصف فقط، كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن احتمال غزو سعودي لقطر، ما دفع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "ريكس تيلرسون" إلى الاتصال بـ"بن سلمان" لتحذيره من القيام بمثل هذا العمل العسكري. وكان المسؤولون في واشنطن قلقين للغاية لدرجة أنهم أرسلوا طائرات بدون طيار إلى الحدود القطرية السعودية لمراقبة الوضع المتوتر.

والشهر الماضي، كان مشهد "بن سلمان" وهو يرتدي وشاحًا بألوان العلم القطري ويحمل العلم السعودي خلال مباراة السعودية ضد الأرجنتين أمرًا لافتًا. وبالرغم أن المشاكل التي واجهتها قطر مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي لم يتم حلها بالكامل، لكن العلاقات بين دول الخليج أصبحت الآن أكثر دفئًا. وهناك إمكانية حقيقية لبدء فصل جديد على أساس العلاقات الأخوية ويبدو أن كأس العالم ساهم في تسريع هذا الاتجاه.

وقال "نيل كويليام"، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز "تشام هاوس": "تساعد الرياضة في تعزيز الشعور بالانتماء على مستوى النادي والبلد وحتى على المستوى الإقليمي. ومن المؤكد أن كأس العالم في قطر حفز الشعور المشترك بالانتماء بين الخليجيين والاعتزاز بنجاح المنطقة في تنظيم المسابقة".

التغطية الغربية 

أدت التغطية الغربية السلبية، قبل وأثناء الحدث العالمي، إلى موقف موحد من قبل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها.

وأضاف "كويليام": "هناك الكثير من الاستياء بين الجمهور في دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الطريقة التي تعاملت بها بعض وسائل الإعلام الغربية مع القضايا المتعلقة بكأس العالم خاصة مع تجاهل قضايا حقوق الإنسان الأخرى سواء سوء معاملة المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط إلى أوروبا،  أو القضية الفلسطينية، أو غيرها من قضايا حقوق الإنسان.. لقد تجاهلوا كل ذلك وركزوا كل اهتمامهم على قطر".

وقال "عبدالله باعبود"، الباحث العماني والأستاذ الزائر في جامعة واسيدا في طوكيو: "هناك رفض من قبل أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة لما يعتبرونها حملة إعلامية خبيثة ضد قطر".

وقالت "ميرا الحسين"، الباحثة الإماراتية في جامعة أكسفورد: "بالنظر إلى أن الانتقادات الموجهة لقطر تشير إلى انتهاكات مماثلة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، فمن الطبيعي أن تختار دول الخليج دعم قطر".

وبعد كل شيء، ستستضيف دول الخليج الأخرى أحداثًا عالمية أيضًا، ولن ترغب بالتأكيد في أن تخضع لنفس المستوى من التدقيق والنقد. ومع ذلك، فإن مشاهدة الدعم الساحق الذي تلقته قطر من العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم سيؤدي بالتأكيد إلى بعض التفكير في كيفية تعظيم شعبية الدولة"

وأوضح "كويليام" أن هذا الرد الموحد يمثل "رفضًا تامًا للتغطية الإعلامية الغربية باعتبارها قوى استشراقية واستعمارية سابقة تندب على فقدان نفوذها".

واكتسبت قطر الكثير من الفضل في التمسك بقيمها بلا خجل، والاحتفاء بثقافتها وإثبات قدرتها على إدارة حدث رياضي عالمي كبير.

العلاقات بين الدول

من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التكهن بالآثار السياسية لاستضافة قطر كأس العالم إلى جانب زيارة "بن زايد" و"بن سلمان" إلى الدوحة.

وبالرغم من هذا الحدث العالمي وهذه الزيارات الإيجابية، يجب على المرء أن يأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي كانت تاريخيًا في حالة تغير مستمر.

وقد حذر الأكاديمي "ديفيد روبرتس" من المبالغة بشأن صور أمير قطر مع "بن زايد" و"بن سلمان" فهي "تحتاج إلى تدقيق يشبه إجراء عملية جراحية دقيقة لفهم حقيقة الوضع الحالي واتجاهات المستقبل".

وفي حين أن الأمور هادئة نسبيًا الآن، فإن التاريخ ينبئنا أن العلاقات بين دول الخليج كانت متقلبة بشكل عنيف على مدى عقود.

ولا يزال هناك توتر كبير بين البحرين وقطر على الرغم من قمة العلا في يناير/كانون الثاني 2021 والتي أنهت رسميًا الأزمة الخليجية. وأكد غياب القيادة البحرينية عن الحدث العالمي هذه النقطة.

لكن يبدو أن كأس العالم كسر حواجز جديدة بين قادة البلدين. إن ارتداء "بن سلمان" للوشاح القطري في البطولة أرسل إشارة قوية للسعوديين بأن الخلاف انتهى وأن المصالحة اكتملت إلى حد ما. ومع ذلك لا تزال هناك بعض القضايا التي تفصل بين الدوحة والرياض.

في الواقع، يعد موقف الدوحة بعيدا عن أبوظبي والرياض عندما يتعلق الأمر بالعديد من الأسئلة في المنطقة. وبحسب "باعبود": "لا تزال هناك بعض القضايا العالقة بين الإمارات وقطر بالرغم من توقيع اتفاقية العلا، وهناك أيضًا بعض الشكوك العميقة بين البلدين".

وأضاف: "سيستغرق هذا بعض الوقت بالرغم أن العلاقة أصبحت أكثر دفئًا من ذي قبل. وتعد زيارة بن زايد وبن سلمان إلى الدوحة مؤشرا على أن هذه العلاقة آخذة في التعافي".

وأشار "كويليام" إلى أن زيارة "بن زايد" إلى الدوحة تتعلق بإشارات رمزية أكثر من كونها زيارة لمناقشة قضايا معينة وكانت خطوة في الاتجاه الصحيح.

تشارك "ميرا الحسين" شعور التفاؤل الحذر بشأن ما يمكن أن تفعله كأس العالم لمستقبل وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، وتقول: "لا أعتقد أن كأس العالم عزز مجلس التعاون الخليجي داخلياً ككتلة تعاونية. بل عرض المونديال صورة وحدة يمكن أن تعمل لصالح المنطقة".

وبالنظر إلى الأهمية العالمية لكأس العالم والفخر الذي ولّدته استضافة قطر عبر الخليج، يبدو أن هناك فرصة حقيقية لقادة المنطقة، بالإضافة إلى تضميد جراح الماضي، لتعزيز المزيد من التكامل والتنسيق والتضامن في ظل هوية الخليج العربي المشتركة.

وقال "بدر السيف"، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت إن "كأس العالم يذكر قادة دول مجلس التعاون الخليجي بأن القوة تكمن في الوحدة". وأضاف: "الهوية الخليجية تسبق إنشاء مجلس التعاون الخليجي. إنها راسخة في الدماء والمصير المشترك الذي يربط شعوب المنطقة ببعضها منذ فترة طويلة.. إن الجمع بين أفضل ما لدى دول الخليج سيحقق ما لا يمكن لأي دولة أن تنجزه بمفردها".

**لقراءة النص الأصلي Has the World Cup brought the region closer together

المصدر | جورجيو كافيرو | ريسبونسبال ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كأس العالم تميم بن حمد محمد بن سلمان مجلس التعاون الهوية الخليجية الأزمة الخليجية مونديال قطر مجلس التعاون الخليجي

افتتاح مونديال قطر.. مشاهد المقصورة تعكس واقع ما بعد الأزمة الخليجية

مونديال قطر.. أمريكا الجنوبية تتفوق على أوروبا في نهائي كأس العالم

معهد دول الخليج: قطر شاركت إيرادات المونديال مع جيرانها رغم رفضهم المشاركة بالتجهيزات

معهد دول الخليج: مونديال قطر شكل أداة دبلوماسية هائلة للتقارب السياسي بين الدول