كارنيجي: دول المنطقة تفك ارتباطها بأمريكا وليس العكس

الأحد 18 ديسمبر 2022 07:12 ص

مثّلت زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى السعودية خلال الأسبوع الماضي لحظة حقيقة جديدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد استقبل السعوديون "شي" بحفاوة بارزة، مقارنة باستقبالهم الفاتر للرئيس الأمريكي "جو بايدن" حين زار المملكة في يوليو/ تموز الماضي.

ولم تكن الولايات المتحدة راضية مع الانطباع السائد على نطاق واسع في الشرق الأوسط بأنها في طور فك ارتباطها بالمنطقة.

وفي قمة شارك فيها "بايدن" وقادة عرب في شهر يوليو/تموزالماضي، سارع الرئيس الأمريكي إلى طمأنة نظرائه بأن واشنطن "لن تنسحب من الشرق الأوسط ولن تترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران".

ويتمثل موقفه هذا، الذي ردّده الكثير من المسؤولين الأمريكيين وخبراء السياسة الخارجية، في أن المجهود الرامي إلى احتواء النفوذ الصيني لا يمكن أن يقتصر على مناطق مثل شرق آسيا، بل يجب أن يكون مجهودًا عالميًا.

لكن حكومات الشرق الأوسط غير مستعدة لأن تصبح جزءًا من حملات ضد الصين وروسيا.

وفي غضون ذلك، لاحظ خصوم "بايدن" على يمين الطيف السياسي تناقضًا في المقاربة التي تتّبعها الإدارة تجاه المنطقة، وقد يكونون محقّين في ذلك.

وحين عمل "بايدن" في إدارة "أوباما"، كان الأساس المنطقي مختلفًا، إذ لم يركّز كثيرًا على احتواء النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، بل ركّز على إرساء توازن قوى إقليمي.

واعتبرت إدارة "أوباما" أن هذا الأمر سيتيح لدول المنطقة إدارة شؤونها بأنفسها، ما يسمح للولايات المتحدة بتقليص وجودها العسكري.

وهناك عنصر أساسي في هذه المعادلة برز في اعتراف واشنطن بأن من حق إيران الانخراط بشكل أكبر في الشؤون الإقليمية.

ومع أن الإدارة الأمريكية لم تفسّر ما يعنيه هذا الأمر تحديدا، اعتبر منتقدو إدارة "أوباما" أن ذلك ينطوي على 3 نقاط هي: التعامل مع إيران فيما يتعلّق بالملف النووي لتحسين العلاقات بين الجانبَين؛ والسماح للاتفاق النووي بأن يؤدي إلى رفع العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني وإلى تحقيق الازدهار الاقتصادي؛ والاعتراف ضمنيًا بنفوذ طهران في دول عربية عدة مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وفتحت المقابلة التي أجراها "جيفري جولدبرج" من مجلة ذي أتلانتيك مع "أوباما" في العام 2016 نافذة على تفكير الرئيس الأمريكي الأسبق.

فبعد أن برّر التحوّل الأمريكي بعيدًا عن الشرق الأوسط إلى آسيا، أردف قائلًا: "التنافس القائم بين السعوديين والإيرانيين، والذي ساهم في إذكاء حروب بالوكالة ونشر الفوضى في سوريا والعراق واليمن، يتطلّب منا أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين إن عليهم التوصّل إلى طريقة فعالة لتقاسم المنطقة وإرساء نوع من السلام البارد".

ويتساءل منتقدو "بايدن" اليوم كيف سيتمكّن من التوفيق بين تفكير "أوباما" وبين مواقفه هو حول ضرورة احتواء إيران والصين وروسيا.

ألم يكن صحيحًا مثلًا أن إدارة "أوباما"، عدا عن سعيها إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران، منحت روسيا هامش تصرف كبيرًا في سوريا في العام 2013، ما أشار إلى أنها لم تعارض مشاركة الشرق الأوسط مع أطراف آخرين؟ هنا ثمة تناقض واضح بين موقف "بايدن" العلني اليوم وموقف "أوباما" آنذاك.

لكن بالنسبة إلى معارضي "بايدن"، هذا التناقض هو وهم، ومسعى يرمي إلى إظهار اختلاف مع "أوباما"، في حين أنه لا يوجد اختلاف فعلي إطلاقًا. وبالنسبة إليهم، فإن "بايدن" هو ببساطة نسخة محدّثة من "أوباما".

ولا يقول المنتقدون الكثير عن "دونالد ترامب" لكنه عندما وصل إلى سدة الرئاسة، لم يبذل جهدا يُذكر لتبديد الارتباك حيال المواقف الأمريكية تجاه المنطقة.

لقد أشاد مؤيدو "ترامب" بانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، والتنازلات التي قدّمها لإسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتأييد الضم غير القانوني لمرتفعات الجولان. وسعى "ترامب" من خلال هذه الخطوات إلى إظهار أن أمريكا ما زالت قادرة على الدفاع عن حلفائها.

لكن المشكلة هي أن جل ما أظهره "ترامب" فعليًا هو ميله إلى التغاضي عن انتهاكات حلفائه، والتقاعس عن اتّخاذ أي خطوة حين يطالهم تهديد فعلي. وأبرز مثال على هذا النهج الغريب كان في سبتمبر/أيلول من العام 2019، حين تعرّضت منشأتان نفطيتان كبيرتان في شرق السعودية إلى هجوم. وبالرغم من أن الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم، سرعان ما خلُصت الولايات المتحدة إلى أن إيران هي من نفّذت العملية. حتى إن "ترامب" كرّر هذا الاتهام، وأضاف قائلًا إنه "يفضّل تجنّب نزاع عسكري"، لأن الإيرانيين، أرادوا "إبرام اتفاق".

وإن كان ثمة حدث يفسّر سبب تردّد السعودية في الوثوق بواشنطن،  فعلى الأغلب أنه هذا. صحيحٌ أن السعوديين لم يكونوا من محبّي أوباما، لكنهم كانوا متعقّلين بما يكفي للاعتراف، بعد استهداف منشآتهم النفطية، بأن "ترامب" ليس أفضل منه بكثير، حتى لو تفاخر بحماية ولي العهد "محمد بن سلمان" بعد مقتل "خاشقجي".

وفي السابق، كانت الولايات المتحدة تعتبر أمن الإمدادات النفطية السعودية خطًّا أحمر استراتيجيًا، لكن المملكة أدركت أن الوضع لم يعد كذلك عندما لم يُثر هذا الهجوم السافر أي ردّ فعل، ولا سيما في وقت كانت أمريكا على وشك أن تصبح مصدّرا صافيًا للنفط. ومنذ ذلك الحين، فهم السعوديون أنهم أصبحوا بمفردهم، وأن عليهم التأقلم مع هذا الواقع.

يضاف إلى ذلك أن إدارة "بايدن" لم تتّخذ أي خطوة تُذكر لطمأنتهم، حتى إن الرئيس الأمريكي لم يَزُر المملكة إلا بعد مرور عام ونصف على تولّيه منصبه، وكانت الزيارة فقط بغرض طلب المساعدة من السعودية لزيادة إنتاج النفط.

وكانت قضية "خاشقجي" السبب الرئيس وراء هذا التباعد، حيث دفعت هذه القضية "بايدن" إلى وصف النظام السعودي بأنه "منبوذ".

لكن حين قرّر السعوديون خفض إنتاج النفط في اجتماع "أوبك+" تدهورت العلاقات مع الولايات المتحدة بشكل أكبر، ما أظهر أن الرياض ستحدّد مصالحها كما تراه مناسبًا، بغض النظر عن موقف واشنطن.

ولدى "بايدن"، خلال السنتين المتبقيتين من ولايته، فرصة لبلورة استراتيجية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط من شأنها إقناع شركائه الإقليميين أن الولايات المتحدة قادرة على تلبية احتياجاتهم.

لكن فيما تضم استراتيجية الأمن القومي التي تعتمدها هذه الإدارة مجموعة من الأفكار الجيدة، إلا أن عددًا كبيرًا منها سيستدعي تفكيرًا مطولا من حلفاء واشنطن.

فالولايات المتحدة تتعهّد بتقليل اعتمادها على "السياسات الموجهة عسكريا"، لكنها تضع لاحقًا أهدافًا تدفع إلى التشكيك في هذا الالتزام، بما فيها مساعدة الدول على الدفاع عن نفسها في وجه أي تهديد خارجي، أو التعبير عن استعدادها "لاستخدام وسائل أخرى" في حال فشلت الدبلوماسية في منع إيران من حيازة سلاح نووي.

لكن ما ستراه الدول العربية وإسرائيل في هذه الوثيقة، وفي نهج "بايدن" بشكل عام، هو المراوغة وانعدام الدقة، ووعود فضفاضة للغاية أو متضاربة بحيث تصعب معرفة شكل السياسات الأمريكية التي ستنجم عنها.

وبالنظر إلى ما سبق، نتوقع أن تواصل دول المنطقة شق مسارها الخاص بمعزل عن واشنطن. وقد استهلت تركيا وقطر وعُمان ذلك منذ فترة، وسارت على خطاها كل من السعودية والإمارات ومصر، في حين أن لدى إسرائيل منذ فترة طويلة أجندتها الخاصة، بغض النظر عن تعاونها الوثيق مع الأمريكيين.

لذلك لم يعد السؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تفكّ ارتباطها بالشرق الأوسط، بل بات واضحا على نحو متزايد أن الشرق الأوسط هو الذي يفك ارتباطه بالولايات المتحدة.

المصدر | مايكل يونج / كارنيجي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان بايدن أوباما الشرق الأوسط العلاقات السعودية الأمريكية

مسؤولون أمريكيون: بايدن لا يملك أي خطط لتنفيذ تهديداته للسعودية