جيوبوليتكال: هذه ملامح كفاح تركيا لإعادة تعريف نفسها

الجمعة 23 ديسمبر 2022 08:12 م

سيتوجه الشعب التركي في يونيو/حزيران المقبل إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسه المقبل. وسيواجه "رجب طيب أردوغان" وحزبه "العدالة والتنمية" منافسة شديدة مع ائتلاف مكون من 6 أحزاب معارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري.

ويعد "أردوغان" الناخبين بأن تركيا ستصبح واحدة من أكثر 10 دول تقدمًا في العالم خلال القرن الحادي والعشرين، فيما يقول حزب الشعب الجمهوري إن لديه خطة اقتصادية طموحة ستحفز النمو مع اقتراب تركيا من الذكرى المئوية لتأسيسها.

لكن من غير المرجح أن تصبح تركيا قوة اقتصادية دون تشكيل هوية وطنية توفق بين الإسلام والديمقراطية وتضم مجموعات عرقية ودينية متنوعة. ويجب على تركيا جعل سياستها الخارجية أكثر مرونة، ووضع نهج واقعي لعلاقاتها مع أوروبا.

لقد تشكلت علاقات تركيا مع أوروبا في وقت مبكر من خلال الفتح العثماني للقسطنطينية عام 1453 والحروب اللاحقة مع الإمبراطوريات الأوروبية حيث توغلت الجيوش العثمانية في المناطق الشرقية من القارة.

ونمت الإمبراطورية العثمانية لتصبح قوة رائدة في أوروبا، لكن فشلها في الاستيلاء على فيينا، عاصمة إمبراطورية هابسبورغ النمساوية، في عام 1529 أدى في النهاية إلى تدهورها التدريجي في أوروبا.

ولم تلعب الدولة العثمانية دورًا في عصر النهضة أو الثورة الصناعية - التي غيرت أوروبا اجتماعيًا واقتصاديًا وعسكريًا - وبدلاً من ذلك ظهرت كرجل أوروبا المريض.

وأدى عصيان سكانها المسيحيون في البلقان في القرن التاسع عشر إلى بدء مسار الانحلال، والذي تفاقم في القرن التالي بسبب صعود القومية.

وظلت تركيا العثمانية منيعة أمام الثورات المناهضة للملكية عام 1848 والتي انتشرت من صقلية إلى فرنسا والولايات الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية.

وبالرغم من فشل الثورات، فقد زرعت بذور الليبرالية والديمقراطية التي عمت أوروبا الغربية والوسطى في نهاية المطاف.

ومع ذلك، تقاربت تركيا وأوروبا، سياسيًا واقتصاديًا، تحت قيادة مؤسس تركيا الحديثة "مصطفى كمال أتاتورك".

ولإدراك أهمية أوروبا بالنسبة لتركيا، فقد خدم 16 من أصل 26 سفيراً عينهم في البعثات الأجنبية في عواصم أوروبية رئيسية.

وفي عام 1959، تقدمت تركيا مبدئيا بطلب للحصول على عضوية في المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي سبقت الاتحاد الأوروبي. وتم توقيع اتفاقية أنقرة عام 1963 كإطار للتعاون.

في عام 1987، تقدمت تركيا رسميًا بطلب العضوية، وبعد ذلك بعامين أكدت الكتلة انضمامها النهائي. وفي عام 1996، تم قبول تركيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي.

وحاولت تركيا إقناع أوروبا بأن الدولة بأكملها، وليس اسطنبول فقط، كانت جزءًا من الحضارة الغربية وتستحق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، اعتبر الأوروبيون تركيا جزءًا من غرب آسيا. وكانوا يعتقدون أن الديمقراطية التركية كانت سطحية وانتقدوا معاملتها للأقليات.

ولا يريد الأوروبيون أن تصبح تركيا جزءًا من الغرب. واعترف الرئيس الفرنسي السابق "فاليري ديستان" بذلك علنًا، قائلاً إن تركيا لا تنتمي إلى أوروبا.

لكنهم أيضًا لا يريدون رؤيتها تحقق الاستقلال الاقتصادي أو تبرز كقوة اقتصادية.

وأعربت رئيسة الوزراء التركية السابقة "تانسو تشيلر" عن استيائها من تعثر عملية الانضمام، وقالت إن الأوروبيين لا يريدون انضمام تركيا إلى الكتلة لأنها دولة مسلمة.

وخلال رحلة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، برزت توترات داخل المجتمع التركي نفسه، نتيجة جهود "أتاتورك" لبناء علاقات مع أوروبا من خلال إدخال قوانين من شأنها أن تحول توجه تركيا من الشرق الأوسط إلى أوروبا، بما في ذلك تغيير العطلة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد وإلغاء الأبجدية العربية لصالح الأبجدية اللاتينية. 

وفصل "أتاتورك" تركيا عن ألف عام من التراث الثقافي الإسلامي، معتبراً جيرانها العرب معاديين. وعزز الفرض الاستبدادي للعلمانية التباعد الثقافي، وخلق أزمة هوية عميقة وولد ضغطًا عامًا على الحريات الدينية.

وسيطر الجيش التركي على المؤسسات الحكومية لمدة 8 عقود وسيطر على السياسة الخارجية للبلاد، مما عزز الارتباط مع الغرب العلماني.

وعمل على تقويض دور الدين في الحياة العامة بدلاً من مجرد فصل السياسة عن الدين كما فعلت الديمقراطيات الغربية.

لكن هذه الجهود فشلت في طرد الإسلام من المجال العام. وفي عام 1970، أسس "نجم الدين أربكان" حزب "النظام الوطني" ذي التوجهات الإسلامية، والذي حظرته الحكومة بعد عام لأنه روج لقيم لا تتوافق مع التوجه العلماني للدولة. لكن تم تأسيس خليفته، حزب "الإنقاذ الوطني"، عام 1972.

لقد خلقت محاولات حزب الشعب الجمهوري والجيش لفرض العلمانية على المجتمع التركي انقسامًا أيديولوجيًا حادًا لم يتم حله بعد. ولا يمكن للحكومات التركية أن تتخلى عن أوروبا ولا أن تتجاهل الإسلام.

ويمتد نضال تركيا لتعريف نفسها أيضًا إلى سياستها الخارجية التي تتسم بالتناقض وغالبًا ما لا يمكن التنبؤ بها، حيث تحاول الجمع بين الثوابت السياسية الخمسة لتركيا: عضوية الناتو، وأمن البحر الأسود، والهوية الأوروبية المتخيلة، والشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، والقومية التركية. لكن هذه الثوابت تبدو متضاربة في بعض الأحيان.

وكثيرًا ما تواجه تركيا مشاكل مع حلفائها في الناتو، وخاصة فرنسا واليونان، بشأن قبرص والموارد في شرق البحر المتوسط والجزر في بحر إيجه.

ولدى أنقرة أيضًا علاقات معقدة مع جهات أجنبية أخرى. وبالرغم من أن لديها فترات من التعاون مع منافستها التاريخية روسيا، إلا أن التوترات تنشأ بشكل دوري.

وفي أعقاب الثورات العربية عام 2011، صورت تركيا نفسها على أنها ظهير للثوار وذات خط سياسي قوي مناهض للصهيونية.

لكن مع ازدياد عزلة تركيا عن المنطقة العربية، أعطت تركيا إسرائيل إشارات بأنها مستعدة لاستعادة العلاقات.

وبسبب القلق من احتمال خسارته لانتخابات العام المقبل، طلب "أردوغان" مؤخرًا من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" استضافة قمة مع الرئيس السوري لتسهيل إعادة 3.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا، حيث تتصاعد المشاعر المعادية للعرب.

وتحت حكم حزب "العدالة والتنمية،" أصبحت تركيا منخرطة في الشؤون العربية، مدفوعة بالأيديولوجيا والمصالح معا. وخلال تلك الفترة، حاولت تركيا تعزيز نفوذها أمام جيرانها في الشرق الأوسط وبناء تحالفات تخدم مصالحها.

وعند تأسيسه في عام 2001، سعى حزب "العدالة والتنمية" إلى حل أزمة الهوية التركية من خلال الجمع بين عناصر الإسلام والحداثة والعلمانية.

وكان الحزب يأمل في التوفيق بين الهوية الثقافية لتركيا المتجذرة في الإسلام وهويتها الجيوسياسية المتجذرة في أوروبا لتنشيط اقتصادها وإصلاح علاقاتها مع أوروبا.

لكن على مدى السنوات القليلة الماضية، واجه اقتصادها عقبات شديدة، وتدهورت علاقاتها مع أوروبا بشكل أكبر.

وبغض النظر عن الاختلافات الدينية، قد تكون الإمكانات الاقتصادية لتركيا أكبر عائق أمام الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فعدد سكانها البالغ 85 مليون نسمة سيجعلها الدولة العضو الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أوروبا، والقوة العاملة المتنامية فيها، والتي تتجاوز 34 مليون شخص، هي ثالث أكبر قوة عمل في أوروبا حيث يتخرج حوالي 800 ألف طالب من الجامعات التركية سنويًا.

ومع ذلك تشمل البنية التحتية الاقتصادية المتطورة في البلاد 55 مطارًا مدنيًا، واثنين من أكبر 10 شركات طيران في أوروبا، ونظام سكك حديدية متقدم، ومرافق نقل بحري متطورة.

في غضون ذلك، يشهد الشرق الأوسط فترة  تهدئة للتوترات وتحول للتركيز على التعاون الاقتصادي.

وبدلاً من إضاعة المزيد من الوقت في انتظار عضوية الاتحاد الأوروبي، تحتاج تركيا إلى إعادة تعريف هويتها الوطنية ودمج الأقليات العرقية والدينية فيها. ولا يمكن أن تتطور دون تحقيق السلام مع نفسها وتحويل تركيزها بعيدًا عن معالجة مظالم الماضي.

المصدر | هلال خاشان/جيبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا أربكان أردوغان الاقتصاد التركي الاتحاد الأوروبي