مولوي عبدالحميد.. رجل الدين السني المناهض للنظام في إيران

الخميس 29 ديسمبر 2022 07:41 ص

أصبح رجل الدين السني "مولوي عبدالحميد إسماعيل زاهي"، ملهما للمتظاهرين في جنوب شرق إيران التي تحولت فيها أيام الجمعة إلى رمز للغضب والمقاومة.

منذ أسابيع، يخرج المتظاهرون في الشوارع بعد صلاة الجمعة في زاهدان، عاصمة إقليم سيستان وبلوشستان، التي أصبحت جبهة محورية في الانتفاضة المناهضة للحكومة الإيرانية.

وصفته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، بأنه تحول إلى رمز للاحتجاج، لافتة إلى أن مدينة زاهدان، حيث يقع مسجده أصبحت معقلاً أساسياً للانتفاضة.

و"عبدالحميد" (76 عاماً)، رقماً صعباً في المعادلة وسط اشتعال الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، نظراً لتحديه المرشد الإيراني "علي خامنئي" علناً وتوجيه اتهامات صريحة له، دون أن يُقدم الأخير على استهدافه خشية من شعبيته الجارفة وتأثيره الهائل وسط الملايين.

وعلى النقيض من معظم أئمة الشيعة في خطبهم كل جمعة في أنحاء إيران، لا يقبض "عبدالحميد" في يده على بندقة كلاشنيكوف، عندما يتحدث كرمز على تأهبه للجهاد.

لكن بنادق الكلاشنيكوف تظهر بالفعل عندما يزور الزعيم الديني السني المناطق النائية الخطرة من سيستان وبلوشستان، الولاية التي ينحدر منها، والولاية الأشد فقراً في البلاد.

ورغم أن الاحتجاجات الشعبية بدأت منذ سبتمبر/أيلول الماضي، عقب قتل الشرطة للفتاة الكردية السنية "مهسا أميني"، بسبب عدم ارتداء الحجاب بشكل صحيح، وأقدم المحتجون على تصرفات مثل خلع وإحراق الحجاب ونزع العمائم عن رجال الدين في الشوارع وغيرها من المظاهر التي استشهد بها نظام ولاية الفقيه كدلائل على عداء المتظاهرين لله ومحاربتهم للإسلام.

لكن الشيخ تعامل بذكاء مع الأمر واستطاع الدفع بالأمور نحو القضايا الرئيسية، فأيد الاحتجاجات وأعلن أنها ليست ضد الدين، بل بسبب الظلم وقمع الحريات والفساد والجوع في أحد أغنى دول العالم بالموارد والثروات.

والاسم الحقيقي لهذا العالم، هو "عبدالحميد إسماعيل زاهي"، أما "مولوي" فهو لقب تبجيل ديني.

ولد "عبدالحميد" عام 1947 في قرية صغيرة نائية اسمها غالو غاه، تقع على مسافة 90 كيلومتراً جنوب غربي زاهدان، وبعد أن أنهى الدراسة الابتدائية ابتعث عبر الحدود إلى باكستان ليتابع دراساته الدينية.

تردد على العديد من المدارس في إقليمي السند والبنجاب، قبل أن يتخرج في عقد السبعينات من القرن الماضي ويعود إلى إيران.

بعد عودته، درس "عبدالحميد" في حوزة جديدة في زاهدان مؤسسها هو الزعيم الديني السني المؤثر مولانا "عبدالعزيز"، ثم ما لبث "عبدالحميد" أن تزوج ابنته.

وعندما أطيح بالشاه في عام 1979، انضم مولانا "عبدالعزيز" إلى مجلس خبراء الدستور المكون من 75 عضواً، وهو المجلس الذي وضع مسودة دستور إيران ما بعد الثورة.

لكن أتباع "الخميني" أول قائد أعلى للبلاد، سرعان ما راكموا السلطة كلها في أيديهم، ما فتح الباب على مصراعيه أمام رجال الدين الشيعة.

وكانت تلك فترة مظلمة بالنسبة لرجال الدين السنة، فكثيرون منهم مثل "أحمد مفتي زاده" و"فاروق فرساد" و"ماموستا محمد ربيعي" قتلوا على أيدي السلطات، بينما ألقي بآخرين في السجون، مثل "عبدالرشيد ريجي" و"محمد غلندر زهي" و"محمد برائعي".

شعر مولانا "عبدالعزيز" أنه لم يعد يملك خياراً سوى التخلي عن السياسة والتركيز على الحوزة.

وبعد وفاته في عام 1987، تولى صهره مولوي "عبدالحميد" إدارة المدرسة، وأصبح الزعيم الديني لشعب البلوش، إضافة إلى إمامة صلاة الجمعة في زاهدان.

بدأ "عبدالحميد" يدخل عالم السياسة الإيرانية عندما نظم الإصلاحيون في البلاد الذين كانوا يريدون حقوقاً متساوية للأقليات ومشاركة أكبر في المجتمع الدولي، حملة على مستوى البلاد لتوحيد جميع النشطاء والسياسيين المعارضين للمحافظين، وذلك أثناء حملة الانتخابات الرئاسية في عام 1997.

وألقى "عبدالحميد" بثقله وراء المرشح الإصلاحي "محمد خاتمي"، والذي فاز في نهاية المطاف.

وأيد "عبدالحميد" المرشحين الإصلاحيين في كل انتخابات حتى عام 2021، عندما استحوذ عليه الإحباط نتيجة للوعود الكثيرة المنكوثة حول الحقوق المتساوية للأقليات العرقية والدينية، فانتقل من معسكر إلى نقيضه، وراح يؤيد المرشح الرئاسي المحافظ "إبراهيم رئيسي".

وعادة ما يتنقل "عبدالحميد" في موكب من سيارات الدفع الرباعي الرياضية، بحراسة رجال يرتدون الزي البلوشي التقليدي (قميص الشلوار والشال علي الكتف)، وهم يقبضون في أياديهم على البنادق من حين لآخر.

وقبل شهر واحد من الانتخابات، وتحديداً في خطبة عيد الفطر، قال إن "مشاركة أهل السنة في الانتخابات تنشط التنافس، ولكن عندما يفوز المرشحون في الانتخابات فإنهم لا ينفذون ما كانوا قد وعدوا به أهل السنة".

وقبل انتفاضة 2022، كان باستمرار يطالب بالحقوق المتساوية لأهل السنة في إيران، لكن انتقاداته الحادة غدت واسعة التأثير، وبشكل متزايد، مما حوله إلى شخصية قيادية في الحراك الساعي من أجل التغيير.

وهاجم في آخر خطبة جمعة له الأساس الذي تقوم عليه مؤسسة الحكم، ألا وهو "الجمع بين الدين والدولة".

وقال: "ينبغي ألا يستغل الدين لإضفاء مشروعية على أي دولة إسلامية، فالدولة الإسلامية لا تكتسب شرعية إلا عندما تكون مطلوبة من قبل الأغلبية".

في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن ألقى مولوي "عبدالحميد" خطبته، تدفق المتظاهرون إلى الشوارع وهم يهتفون "الموت للديكتاتور"، وهي صرخة حاشدة بدأ يتردد صداها في جميع أنحاء البلاد منذ وفاة "أميني".

لكن في ذلك اليوم المعروف باسم "الجمعة الدامية"، فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل 66 شخصا على الأقل، وفقا لمنظمة العفو الدولية، فيما قالت جماعات حقوقية أخرى إن عدد القتلى أعلى بكثير.

يقول محللون ونشطاء إن حملة القمع الدامية كانت تهدف إلى إرسال رسالة إلى المحتجين ومعظمهم من عرقية البلوش، وإلى مولوي "عبدالحميد" نفسه.

لكن بدلا من التراجع، طالب رجل الدين السني على الفور بتقديم قوات الأمن المسؤولة عن عمليات القتل إلى العدالة وأن تستجيب السلطات لدعوات المتظاهرين للتغيير.

وأسبوعا بعد آخر، يستخدم "عبدالحميد" خطبة الجمعة بالمسجد المكي في زهدان للضغط على الحكومة، على الرغم من أنه لم يذكر "خامنئي" بالاسم. وقال: "لم أكن أريد شيئا (من الحكومة)، ما أردته هو معاقبة من أطلقوا النار على الناس".

ففي 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قال: "بالذخيرة والعسكرة، لن يتمكن أحد من إنقاذ المؤسسة الحاكمة"، وذلك في معرض انتقاده للقمع الوحشي الذي تمارسه السلطات بحق الاحتجاجات مضيفا: "ما كان ينبغي أن يكون الرد على الحجر بالرصاصة".

وقال قبل ذلك بأسبوع، في إشارة إلى قانون في الشريعة الإسلامية "ضد شن الحرب على الله" يستخدمه القضاء لإصدار أحكام بإعدام المخالفين والمحتجين: "أطلقوا سراح الشباب والنساء (الذين ألقي القبض عليهم في المظاهرات)، ولا تتهموهم بالمحاربة. فحتى لو كانوا محاربين لا تحكموا عليهم بعقوبة الإعدام".

ولم تمر خطابات "عبدالحميد" دون أن تحظى بالانتباه في العاصمة طهران.

فلقد كشفت وثائق سربتها مجموعة من الهاكرز تسمى "منح سوداء" في نوفمبر/تشرين الثاني عن أن "خامنئي" أصدر تعليمات حول طريقة التعامل مع "عبدالحميد".

جاء في تقرير لا يُعرف مصدره نقلاً عن قائد الحرس الثوري "حسين سلامي"، أن "المجلس الأعلى للأمن القومي والشرطة قررا إلقاء القبض على مولوي عبدالحميد".

وجاء في الوثيقة: "ولكن قائد الثورة أمر بعدم إلقاء القبض عليه وإنما بفضحه".

ويكشف تسريب لشريط صوتي في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان قد سُجل أثناء لقاء سري بين نائب منظمة الباسيج شبه العسكرية وصحفيين مرتبطين بالحرس الثوري (من وكالة فارس للأخبار بشكل أساسي)، عن أن حملة الفضح التي أطلقتها مؤسسة الحكم ركزت على وضع النساء وأنهن يحرمن من حقوقهن الأساسية في سيستان وبلوشستان وعلى موقف "عبدالحميد" من عودة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان.

وذلك أنه بعد انتصار "طالبان" هنأهم، وقال مخاطباً الإيرانيين إن "طالبان يختلفون عما كانوا عليه قبل 20 عاماً".

ثم عندما حظرت "طالبان" في 19 ديسمبر/كانون الأول على النساء الدراسة في الجامعات، سواء الخاصة أو الحكومية، أدان القرار وحث "طالبان" على التراجع عنه.

وألقى "عبدالحميد" خطاباً حماسياً رداً على الأمر الصادر عن "خامنئي"، وقال: "لا يمنح الشرف للناس وينزعه عنهم إلا الله".

وحتى الآن لم يلق القبض عليه ولم يفتضح.

((6))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران مولوي عبدالحميد اجتجاجات إيران زاهدان سيستان