مصريون: لم نعد محل ترحيب بدول الخليج والقوانين الجديدة معادية للأجانب

السبت 21 يناير 2023 01:55 م

"نحن المصريين لم نعد محل ترحيب في دول الخليج - الهجرة هناك أصبحت أكثر صعوبة من ذي قبل".. هكذا عبر المصري "يوسف" البالغ من العمر 56 عامًا عن تدهور أوضاع أقرانه من العاملين المصريين في دول الخليج، مشيرا إلى أنه كان يعمل في الكويت منذ عقدين، وفجأة تلقى أمرا بالمغادرة بعد طرده من وظيفته لسبب غير مفهوم.

وقال "يوسف": "من يوم إلى آخر، تغير كل شيء دون سبب واضح، أنهى الكفيل عقد العمل الخاص بي واضطررت إلى العودة بسرعة إلى مصر"، حسبما أورد موقع "ميدل إيست آي"، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد".

وأضاف: "في السنوات الأخيرة، يجد المزيد من المصريين أنفسهم في مواجهة هذا الوضع، إما أن يقرر صاحب العمل التخلص منهم دون سابق إنذار، أو سياسات التوطين هي التي تفعل ذلك".

وذكر الموقع البريطاني أن العمالة المصرية في الخليج تواجه هذه الأوضاع لأول مرة منذ السبعينيات، مشيرة إلى أن عام 2020 شهد استضافة الإمارات والكويت وقطر والسعودية لـ 64% من جميع المصريين الذين يعيشون في الخارج، لكن هذا الرقم سينخفض بشكل كبير في العقد المقبل.

فأعداد المطرودين من وظائفهم ارتفع في السنوات الأخيرة، خاصة في السعودية، حيث طُلب مما لا يقل عن 30 ألف مصري العودة إلى بلادهم في عام 2017، والكويت، حيث صدرت أوامر لألفي مصري بمغادرة البلاد عام 2019.

وفي عام 2020، وضعت السلطات الكويتية خطة لتوطين الوظائف وضبط التركيبة السكانية في البلاد، على أمل تحقيق نسبة "70% من الكويتيين إلى 30% من الوافدين" بحلول عام 2030.

وبالمثل، تلزم رؤية السعودية 2030، التي وضعها ولي العهد، الأمير "محمد بن سلمان" عام 2016، الشركات بزيادة عدد الموظفين السعوديين أو مواجهة عقوبات.

ضرائب على التنفس

وفي السياق، قال مصري يبلغ من العمر 25 عامًا، وأمضى طفولته في الكويت ، إن سياسات التوطين "تغذيها كراهية الأجانب"، موضحا، بشرط عدم الكشف عن هويته: "جعلنا بعض الكويتيين نشعر بأننا نحن المصريين أدنى منهم".

وأوضح: "بخلاف الإهانات، أصبحت كلمة مصري وصفا يستخدمه الكويتيون حرفياً للإشارة إلى الشخص غير المتعلم"، مشيرا إلى أن "القوانين معادية للأجانب بشدة"، فحتى أغسطس/آب 2021، على سبيل المثال، لم يُسمح لغير السعوديين بامتلاك عقارات في المملكة، وفي الكويت لا تزال هناك قاعدة مماثلة، حسب قوله.

وأضاف: "وعلى مدى العقد الماضي، بدأ العديد من الكويتيين في إلقاء اللوم علنًا على الوافدين في جميع مشاكلهم، والمطالبة بإعادتهم إلى بلداننا الأصلية".

وفي عام 2018، دعت النائبة الكويتية "صفاء الهاشم" الوافدين المقيمين في البلاد إلى دفع ضريبة على "الهواء الذي يتنفسونه"، وبعد عام، دعت مجموعة من السياسيين الكويتيين الحكومة إلى ترحيل نصف المغتربين الذين يعيشون في البلاد، والذين يزيد عددهم عن 3 ملايين.

يتذكر "عمر"، طالب الطب الذي نشأ في السعودية قبل عودته إلى مصر في سن 15 عامًا، شعوره بتزايد العداء للأجانب، قائلا: "الشعور بالاختلاف قوي جدًا بين مجتمعات الوافدين في المملكة".

وأضاف: "كره الأجانب موجود في كل مكان، على مستوى الفرد والدولة. حتى العام الماضي، على سبيل المثال، لم يُسمح للأجانب بامتلاك العقارات في السعودية. هذا الشعور بأننا مختلفون يعني أننا لا نشعر بأننا في بيتنا".

وهنا يشير موقع "ميدل إيست آي" إلى أن القوانين التي وضعتها ممالك النفط لتنظيم الهجرة، نظام الكفالة المثير للجدل، والذي يُلزم المرشحين بالعثور على مواطن محلي لرعاية دخولهم إلى البلاد وكفالتهم لهم طوال فترة إقامتهم.

وحتى إدخال الإصلاحات الأخيرة في السعودية وقطر، كان لابد من استئذان الكفيل، صاحب العمل عادة، قبل أن يتمكن موظفه من المغادرة، وهو ما علق عليه "يوسف" بقوله: "نحن جميعًا خاضعون لمزاج الكفلاء، فهو من يملون القواعد. إذا لم يمنحونا الإذن بالسفر فعندئذ لا يمكننا القيام بذلك، هكذا يكون الأمر.. لدي صديق لم يتمكن من العودة إلى مصر لسنوات لأن صاحب العمل رفض ذلك".

البحث عن هوية

أغرى هذا المناخ "عمر"، إلى جانب الأمل في التجديد الاقتصادي والاجتماعي الذي أحدثه الربيع العربي، بالعودة بمفرده إلى القاهرة في عام 2013 لمواصلة دراسته، تاركًا أسرته وراءه، وهو ما عبر عنه قائلا: "لم يعد بإمكاني تحمل الطريقة التي كنت يُنظر بها إلي، شعرت بالضغط لمحو هويتي (..) بعض زملائي المصريين هناك تركوا لهجتهم الأصلية وتحدثوا باللهجة الشامية التي يقبلها الكويتيون أكثر".

وأضاف: "عندما عدت إلى مصر، كان الأمر كما لو كنت قد ولدت من جديد. أخيرًا ، كنت حيث كان من المفترض أن أكون (..) لن أضع نفسي أبدًا في آلام الغربة مرة أخرى".

لكن بالنسبة لبعض أحفاد المهاجرين السابقين، لم تكن إعادة التوطين في مصر سهلة كما كان متوقعًا، وهو ما عبرت عنه "سلمى"، طالبة الطب البالغة من العمر 24 عامًا، بقولها: "عندما عدت إلى هنا في سن السادسة عشرة لمواصلة دراستي، كان علي التعود على العيش في بلد لم أكن أعرف عنه شيئًا على الإطلاق".

وأضافت: "رأيت الهوة التي فصلتني عن الشباب الآخرين في عمري: لم يكن لدي أي مرجع ثقافي، ولم أكن أعرف المصطلحات الخاصة بهم. كنت غريبة في بلدي".

وشاركها "عمر" في هذا الشعور، قائلا: "لم أشعر أني مصري تمامًا في السعودية، لأنني بعيد جدًا عن وطني. لكن عندما أعيد توطيني وعائلتي في مصر لم أشعر بأنني مصري أيضًا؛ بسبب الفجوة في اللغة والقيم والتجارب بيني وبين أبناء وطني".

هذا البحث المستمر عن الهوية كان ملهما لمعرض "خرج والمفروض يعد Being Borrowed"، وهو أول معرض فني عن مجتمعات المهاجرين المصريين في الخليج.

تقول "فرح حلابة"، مبتكرة المعرض، الذي تم افتتاحه في القاهرة في أكتوبر/تشرين الثأول الماضي، إن "تجربة الهجرة المرهقة لا يتم تمثيلها إلا قليلاً في المجالات الأكاديمية والفنية"، مضيفة: "لدى جميع المصريين فرد من أفراد الأسرة انتقل إلى الخليج: إنها تجربة طبيعية للغاية، ولكن هناك القليل جدًا من التوثيق للموضوع".

وأشارت إلى أن المعالجة الفنية لأوضاع المصريين في الخليج تعطي صورة كاريكاتورية للغاية، فهم إما كمتطرفين دينيًا أو أثرياء جدًا، مضيفة: "هناك ضغط هائل لتحقيق النجاح ماليًا، وعندما لا تفعل ذلك فإن المجتمع يعاملك على أنه حالة شاذة".

وبالنسبة لـ "عمر"، الذي نشأ في بيئة متعددة الثقافات بالسعودية، فيرى أن تجربته في الخارج نعمة ونقمة، قائلا: "أنا مقتنع بأن نشأتي في بلدي الأصلي كانت ستوفر علي الكثير من الصدمات. ومع ذلك، فأنا محظوظ بما يكفي لتلقي تعليمي في مدرسة دولية بالخليج، ما أتاح لي الوصول إلى العديد من الامتيازات والفرص في مصر".

وأوضح: "قدرتي على التحدث باللغة الإنجليزية، ورأسمالي الاقتصادي والثقافي، وانفتاحي على الآخرين، كل هذا أصبح ممكنًا بفضل تجربتي كأحد أحفاد المهاجرين".

وأشار إلى أنه لا يفضل تكرار تجربته لأي شخص، بسبب الهوية المزدوجة والمزعجة، إلا أن تلك التجربة هي ما جعلته على ما هو عليه اليوم، ولذا فهي نعمة ونقمة في آن. 

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المصريين الخليج السعودية الكويت قطر الإمارات الوافدين