ميدل إيست آي: هل مصر على شفا ثورة أخرى؟

الخميس 26 يناير 2023 11:07 ص

يصادف يوم 25 يناير/كانون الثاني الذكرى السنوية الـ12 لثورة الربيع العربي في مصر، وهي انتفاضة وطنية استمرت 18 يومًا أدت إلى الإطاحة بالديكتاتور "حسني مبارك" الذي دام حكمه 30 عامًا.

وفي أعقاب تنحي "مبارك" في 11 فبراير/شباط 2011، أجرت مصر سلسلة من الانتخابات والاستفتاءات الحرة والنزيهة، وصوتت لأول رئيس مدني على الإطلاق وهو الراحل "محمد مرسي".

لكن "الدولة العميقة" في مصر، بقيادة القوات المسلحة، لم تكن راضية أبداً عن السماح لـ"مرسي"، أو أي مدني آخر، بتولي السلطة الحقيقية. وقد تواطأ الجيش مع من تبقى من نظام "مبارك"، والليبراليين المناهضين للديمقراطية، ووسائل الإعلام والشرطة لتدبير انقلاب ضد "مرسي" في يوليو/تموز 2013.

وقاد "عبدالفتاح السيسي"، الذي شغل منصب وزير دفاع "مرسي" لمدة عام، كلاً من الانقلاب والانتقال إلى الاستبداد الجامح.

وانتُخب "السيسي" رئيساً في انتخابات صورية عام 2014، ثم قام نظامه بانتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان، وأكمل القضاء على المعارضة السياسية المصرية، وأرسى الأسس القانونية للحكم الاستبدادي.

وخلال حملته الرئاسية، وعد "السيسي" المصريين بالازدهار الاقتصادي لكنه فشل في ذلك بكل المقاييس. وتقف مصر حاليًا في خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة وهي أزمة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى إنهاء حكم "السيسي".

لقد تم تمويل الانقلاب إلى حد كبير من قبل ديكتاتوريات الخليج التي تخشى التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. وفي عامي 2013 و2014، ولقى "السيسي" عشرات المليارات من الدولارات في شكل منح من السعودية والإمارات.

وبالإضافة إلى هذه المنح، حصل النظام المصري على قروض كبيرة من السعودية والإمارات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والصين وصندوق النقد العربي وبنك التنمية الأفريقي.

لكن بدلاً من إنفاق التدفقات النقدية على التعليم والرعاية الصحية والإسكان الميسور التكلفة أو المشاريع المدرة للدخل، اختار النظام بدلاً من ذلك إنفاق المليارات على مشاريع تافهة تغذي الاقتصاد العسكري في مصر: الطرق والسكك الحديدية  والقصور الرئاسية والفنادق الفاخرة.

وفي العام الماضي، اشترى "السيسي" أيضًا طائرة رئاسية جامبو جديدة مقابل 500 مليون دولار.

وفي عام 2016، بدأ البناء في عاصمة إدارية بقيمة 50 مليار دولار، وتصطف على جوانب العاصمة جيوب الشركات المملوكة للجيش والتي تم تصميمها في المقام الأول لخدمة النخب المصرية الغنية.

والأهم من ذلك، يعتقد أن المجمعات العسكرية والأمنية بالعاصمة الجديدة، فضلاً عن موقعها البعيد - التي تقع على بعد حوالي 45 كيلومترًا من القاهرة - توفر لها الحماية من أي ثورة مستقبلية محتملة.

وأدى الوباء في 2020 والحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 إلى تفاقم الظروف الاقتصادية المتردية بالفعل في مصر. وهذا الشهر، بعد حوالي عام من الغزو الروسي لأوكرانيا وبعد ما يقرب من 3 سنوات من بدء الوباء، شهد الجنيه المصري مزيدًا من الضعف، حيث انخفضت قيمته إلى حوالي 29 جنيهاً مقابل الدولار. ومن المتوقع المزيد من الانخفاض في الأشهر المقبلة.

وأدى ضعف الجنيه إلى زيادات هائلة في أسعار الواردات مما ساهم في ارتفاع معدلات التضخم. وفي الشهر الماضي، ارتفع التضخم إلى ما يقرب من 22%. وتُرك المصريون العاديون غير قادرين على تغطية نفقاتهم.

وكان للقروض، على وجه الخصوص، تأثير ضار على الاقتصاد المصري، ما خلق ما يعتبره الخبراء أزمة ديون وأدى إلى سيطرة عسكرية أكبر على الاقتصاد، وجادل تقرير لشبكة "سي إن إن" مؤخرا بأن مصر أصبحت مدمنة على الديون، في حين افترض البروفيسور "روبرت سبرينجبورج" أن "السيسي" حول البلاد إلى دولة متسولة.

ونتيجة للإفراط في الاقتراض، يخصص جزءا كبيرا من إنفاق الحكومة المصرية الآن لسداد الديون فقط، وبشكل عام، تمت إدارة القروض بشكل سيئ من قبل الدولة المصرية.

قال "ستيفان رول"، رئيس قسم الأبحاث المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن القروض استُخدمت في المقام الأول "لحماية أصول القوات المسلحة، ولتمويل المشاريع الكبرى التي يمكن للجيش أن يحقق أرباحًا كبيرة من خلالها".

وتضاعف الدين الخارجي في عهد "السيسي" 3 مرات ليصل إلى ما يقرب من 160 مليار دولار.

ومن نواحٍ عديدة، اعتمد بقاء "السيسي" على دعم السعودية والإمارات، وهو يعرف ذلك. وخلال الأحداث الأخيرة، بذل "السيسي" قصارى جهده ليشكر السعودية والإمارات على دعمهما الاقتصادي المستمر، حتى إنه ذهب إلى حد الإشارة إلى أن مصر "ما كانت لتستمر" بدون مساعدتهما.

لكن يبدو أن الأموال الخليجية المجانية آخذة في النضوب، أو على الأقل تعاني من نقص في المعروض وهي حقيقة أوضحتها خطابات "السيسي" العامة. ففي صيف عام 2022، استغل مؤتمرا صحفيا كفرصة لمطالبة "إخوانه في الخليج" بمساعدات إضافية. وكرر النداء في أحداث أخرى.

وفي وقت لاحق من عام 2022 تغيرت نغمة "السيسي" إلى حالة اليأس، حيث بدا أنه يعترف بأنه من غير المرجح أن تأتي المزيد من المساعدات الخليجية، أو على الأقل من غير المرجح أن تكون كبيرة كما كان يأمل. وقال "السيسي" في خطاب ألقاه في نوفمبر/تشرين الثاني: "حتى إخواننا وأصدقائنا في الخليج طوروا قناعة راسخة بأن الدولة المصرية لن تكون قادرة على الوقوف على قدميها مرة أخرى. كما يعتقدون أن الدعم الذي قدموه لمصر على مدى سنوات عديدة قد خلق ثقافة التبعية".

وكانت كلمات "السيسي" معبرة، ويبدو أنها تشير إلى أن حلفاءه في الرياض وأبوظبي قد سئموا من إرسال الأموال إلى مصر مع القليل من النتائج الإيجابية، إن وجدت.

وبالرغم أن السعودية والإمارات تبدوان الآن أقل رغبة في تقديم منح وقروض كبيرة، لكنهما أظهرتا استعدادًا لشراء الأصول المصرية المملوكة للدولة، بما في ذلك الشركات والبنوك وهو أمر يجادل منتقدو "السيسي" بأنه بيع خطير للمؤسسات المصرية.

وفي عام 2022، استثمرت الإمارات في عدد من الشركات المصرية، وأنشأت السعودية الشركة السعودية المصرية للاستثمار، التي تمتلك الآن مئات الملايين من الدولارات من الأسهم في الشركات المصرية.

كما ورد أن الحكومة المصرية قد نظرت في بيع قناة السويس للمساعدة في سداد الديون، وهو احتمال تسبب في إثارة الخوف والغضب بين المصريين. ونفت الحكومة أنها تخطط لبيع قناة السويس، ولكن لسببين على الأقل، قد تكون المخاوف من بيع القناة مبررة.

أولاً، كما ذكرنا سابقًا، استحوذت كل من الإمارات والسعودية بالفعل على حصص ملكية في أصول رئيسية مملوكة للدولة المصرية. ثانيًا، نقل "السيسي" بالفعل جزيرتين مصريتين، تيران وصنافير، إلى السعودية مقابل استمرار الدعم الاقتصادي السعودي.

ويجب قراءة توسلات "السيسي" في الخطابات الأخيرة، والتي يشير بعضها إلى أنه قلق للغاية بشأن مصيره، وعلى وجه التحديد بشأن إمكانية اندلاع ثورة شعبية أخرى.

لقد حاول "السيسي" وأجهزته الإعلامية بشكل محموم إقناع المصريين بالتوقف عن الشكوى من الفقر المستمر. وفي مقابلة في نوفمبر/تشرين الثاني، قال "السيسي" إن "مصر في وضعها الحالي لا تستطيع تحمل النقد". كما قال إن "كلمات النقد التي يتم التحدث بها ... مزعجة للغاية".

وخلال المقابلة ذاتها، أكد "السيسي" أن المصريين يعانون من "نقص في الفهم" للواقع السياسي، وأن "من لا يعلم يجب ألا يتكلم". وفي العديد من الخطب الأخيرة، أمر المصريين أيضًا بـ"التوقف عن الحديث الفارغ".

ولسنوات، أعرب "السيسي" عن أسفه للتغطية الإعلامية الانتقادية ووصف النقاد بأهل الشر. وفي خطاب أقدم، قال "السيسي": "لا تسمعوا أحداً غيري". كما استخدم "السيسي" الخطابات العامة الأخيرة كفرصة لتضخيم الجهود التي بذلتها حكومته "لإنقاذ مصر من الكارثة"، وللتلميح إلى أن مشاكل مصر أكبر من أن يتم حلها.

وقال "السيسي" في خطاب ألقاه الشهر الماضي: "أقسم بالله أن لا أحد يستطيع أن يفعل أكثر مما نفعله". وفي خطاب سابق، قال إنه "لن يتمكن أي رئيس في العالم من حل هذه المشاكل". وفي خطابات أخرى، أشار "السيسي" إلى أن مشاكل مصر مستعصية على الحل، مشيرًا إلى أن الرؤساء السابقين لم يتمكنوا أيضًا من حلها.

وربما تكون أكثرها دلالة هي تعليقات "السيسي" حول الاحتجاجات الجماهيرية التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2011. وكانت تعليقاته شديدة الانتقاد وتمثل خروجًا كبيرا عن الخطابات المصرية السابقة، التي احتفلت في أغلب الأحيان بـ"الثورة المجيدة".

وتشير تصريحات "السيسي" إلى أنه قلق من احتمال اندلاع ثورة أخرى. وقد حذر "السيسي" المصريين من الاحتجاج ، قائلاً إن مسار الاحتجاج "يخيفني"، وأنه يمكن أن "يركع أي شعب على ركبتيه"، وأنه "لا ينبغي أن يتكرر أبدًا في مصر".

وتشير هذه التصريحات وغيرها إلى أن "السيسي" يشعر بقلق عميق. وإذا لم يكن يعتقد أن الاحتجاجات الجماهيرية تعد احتمالًا واقعيًا، فلن تكون هناك حاجة لإصدار مثل هذه الأنواع من التحذيرات بشكل منتظم.

وصحيح أن "السيسي" عزز سلطته على جميع مؤسسات الدولة، وجعل احتمال الاحتجاج أكثر صعوبة، وخلق جوًا من الخوف. ولكل هذه الأسباب فشلت الدعوات السابقة للاحتجاج، بما في ذلك تلك التي صدرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ومع ذلك، سيكون من الحماقة استبعاد إمكانية اندلاع انتفاضة أخرى.

عندما يصبح الناس يائسين بما فيه الكفاية، فمن المحتمل ألا يهم حجم الوجود الأمني، ولن يهم مدى بعد العاصمة الجديدة، وتشير كلمات "السيسي" إلى أنه يدرك ذلك.

**لقراءة النص الأصلي Is Egypt on the brink of another uprising?

المصدر | محمد المصري | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر ثورة يناير الثورة المصرية العاصمة الإدارية السيسي انقلاب عسكري الربيع العربي

سي إن إن: لماذا تطلب الحكومة المصرية من شعبها أكل أرجل الدجاج؟

وزير مصري سابق: هكذا يقود السيسي البلاد نحو كارثة

إيكونوميست: لإنقاذ الاقتصاد المصري.. أخرجوا الجيش منه