سياسة جديدة للمساعدات السعودية.. المملكة أولا وعلى لبنان ومصر دفع الثمن

الأحد 29 يناير 2023 09:10 ص

"توسيعا لسياسة قائمة وليس نهجا جديدا".. هكذا وصف المحلل السياسي والباحث في شؤون الشرق الأوسط "جيمس دورسي" إعلان وزير المالية السعودي "محمد الجدعان" أمام تجمع للنخبة السياسية والتجارية العالمية بأن بلاده ستضع في المستقبل شروطًا لمساعداتها الخارجية.

وذكر "دورسي"، في تحليل نشره بموقع "أوراسيا ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن قيادة المملكة الحالية تتبنى شعار "السعودية أولاً"، الذي يربط المساعدات بالسياسات والإصلاحات الاقتصادية المسؤولة، وليس فقط دعم المصالح الجيوسياسية للمملكة.

فلفترة طويلة، ضخت السعودية عشرات المليارات من الدولارات كمساعدات في "ثقوب سوداء"، حسب تعبير "دورسي"، وهي دول استخدمت المساعدات كوسيلة لمعالجة أزماتها الآنية دون أي جهد هيكلي لحل الأسباب الكامنة وراءها، مشيرا إلى أن ذلك بالنسبة لدول مثل لبنان ومصر وباكستان، كان يعني التعثر من أزمة إلى أخرى.

ولذا قال "الجدعان" أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري هذا الشهر: "نحن نغير الطريقة التي نقدم بها المساعدة والمساعدة الإنمائية. اعتدنا على تقديم المنح والودائع المباشرة دون قيود، ونقوم بتغيير ذلك".

وفي هذا الإطار، يرى "دورسي" أن شعار "السعودية أولا" يخدم أغراضا سعودية متعددة، منها ربط الدوافع الجيوسياسية للمساعدات السعودية بالمعايير الاقتصادية التي من المرجح أن تعزز نفوذ المملكة، وتخلق فرصًا للاستثمار والأعمال السعودية، وتعزز علاقاتها مع البلدان المتلقية لتلك المساعدات.

وبذلك، فإن مشروطية المساعدات تضع السعودية كعضو بناء يتطلع إلى المستقبل في المجتمع الدولي، وتنسجم بشكل وثيق مع علاقة المملكة بالمؤسسات الدولية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF)، وبنوك التنمية الإقليمية، والجهات المانحة الرئيسية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

كما تمكن مشروطية المساعدات الحكام السعوديين من استباق الآثار المترتبة على مبدأ "لا ضرائب بدون تمثيل" الذي يعود بجذوره إلى الثورة الأمريكية، حيث تزامن الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، الذي قام به ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، مع تشديد الخناق السياسي، وتضمن فرض ضرائب بدون مشاركة سياسية كجزء من خطته لتنويع اقتصاد المملكة.

ويرى السعوديون أن مواردهم تذهب إلى الخارج بينما يُطلب منهم دفع الضرائب وتخفيض مزاياهم وما إلى ذلك، ولذا فإن تعديل الموقف السعودي الرسمي من المساعدات يمثل وسيلة لـ "احتواء الشعبوية"، حسبما نقل "دورسي" عن الخبيرة في شؤون دول الخليج العربية "كريستين سميث ديوان".

وأشار "دورسي" إلى أن التحايل السعودي على المبدأ الثوري الأمريكي، كان له أيضا عواقب غير مقصودة، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أقال البرلمان الأردني النائب "محمد الفايز" لمطالبته "بن سلمان" بالتوقف عن مساعدة الأردن.

وقال "الفايز" في رسالة وجهها إلى "بن سلمان": "كل مساعداتكم تذهب إلى جيوب الفاسدين. أنتم تدفعون فواتير لا علاقة لها بالشعب الأردني. نسمع عن المساعدات القادمة للدولة، ومع ذلك فإن هذه المساعدات تذهب فقط إلى طبقة فاسدة تزداد ثراءً على حساب الشعب".

وتزامنت إقالة "الفايز" مع إعلان "الجدعان" بشأن مشروطية المساعدات السعودية في المنتدى الاقتصادي العالمي.

ويشير "دورسي"، في هذا الصدد، إلى أن دولا مثل لبنان وباكستان ومصر من المحتمل أن تكون الأكثر تأثرًا بمشروطية المساعدات السعودية وتمثل نموذجا لتعقيدات التغيير الجيوسياسية.

لبنان ووكيل إيران

فلبنان بالنسبة للسعودية، ترتبط بمواجهة إيران ووكيلها الشيعي اللبناني، حزب الله، صاحب المليشيا القوية والحركة سياسية ذات التأثير الكبير في الحكومة وهيكل السلطة بالبلاد. وتأمل المملكة أن تفرض شروطها الجديدة للمساعدات في تغيير ديناميكيات القوة في لبنان.

وفي هذا الإطار، تساءل الكاتب السعودي "حمود أبو طالب": "العالم كله يعرف ما قدمته المملكة للبنان، لكن ماذا يمكننا أن نفعل إذا اختارت السياسة اللبنانية الحالية تسليم مقاليد دولة عربية قديمة إلى وكيل إيران في ذلك البلد؟".

ويجيب "دورسي" بأن المؤسسة اللبنانية مسؤولة عن تأرجح البلد على حافة الانهيار، حيث وصف البنك الدولي الأزمة التي يغذيها الفساد والهدر والسياسات المالية غير المستدامة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولذا فإن مشروطية المساعدات السعودية تمثل عامل ضغط لوضع لبنان على طريق التعافي.

وأضاف أن المعركة القضائية، التي جرت هذا الأسبوع، حول محاسبة الشخصيات المسؤولة عن انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تعكس عزم المؤسسة على حماية نفسها بغض النظر عن التكلفة التي سيتكبدها لبنان ككل.

إن مساهمة السعودية في فرض التغيير السياسي شرط لا غنى عنه لإصلاح الأوضاع في لبنان، كما سيقطع شوطًا نحو تحمل المملكة المسؤولية عن دورها في خوض حرب بالوكالة استمرت عقودًا مع إيران، وساهمت أخيرا في انهيار الدولة العربية المتوسطية.

مصر ونظام السيسي

وفي مصر، كانت مشروطية المساعدات السعودية واضحة تجاه تعامل المملكة الأخير مع نظام الجنرال "عبدالفتاح السيسي"، حيث غابت السعودية عن اجتماع لقادة المنطقة بأبو ظبي في وقت سابق من هذا الشهر، وكان "السيسي" من بين الحاضرين.

وتعكس حالة الجمود بين البلدين حقيقة أن مصر عبارة عن ثقب أسود، حيث ضخت السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى عشرات المليارات من الدولارات مع القليل من النتائج الملموسة، باستثناء الحفاظ على السلطة، في نظام انبثق من انقلاب عسكري.

وهنا يشير "دورسي" إلى أن دعم السعودية والإمارات للانقلاب العسكري في مصري جاء جزءا من حملة لدحر إنجازات الانتفاضات العربية الشعبية عام 2011 التي أطاحت بـ 4 قادة، بمن فيهم الرئيس المصري "حسني مبارك".

وبعد ذلك، أدركت الإمارات في وقت مبكر أنها بحاجة إلى ضمان توزيع ملياراتها بحكمة، ولذلك استندت إلى مسؤول على مستوى مجلس الوزراء في القاهرة للدعوة إلى الإصلاحات والمساعدة في صياغة سياسات من شأنها أن تساعد في إعادة الاقتصاد المصري إلى المسار الصحيح.

لكن الجهود الإماراتية باءت بالفشل، حيث تحتاج مصر باستمرار إلى أموال إضافية، ما سمح للسيسي بتحويل الجيش إلى اللاعب الاقتصادي الأول في البلاد.

ولم يؤد تأثير جائحة كورونا وحرب أوكرانيا على أسعار السلع والطاقة إلا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، نتيجة لسوء إدارة "السيسي"، التي تضمنت التلاعب بالعملة المحلية، والتضليل بشأن أولويات الإنفاق، وإهدار الأموال في مشاريع عملاقة لا تدر عوائد، والرقابة الحكومية والعسكرية "التخريبية" للاقتصاد، حسب تعبير "دورسي".

ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط أن الوقت سيحدد الدروس التي قد يتعلمها السعوديون من التجربة الإماراتية، والتي تجيب على سؤال مفاده: هل ستنفذ السعودية بصرامة مشروطيتها للمساعدة الاقتصادية أم تواصل النظر إلى مصر على أنها أكبر من أن تفشل.

لكن مشكلة السعودية ودول الخليج تكمن في أن السخط الشعبي يغلي تحت السطح في مصر ويمكن أن ينفجر في أي وقت، وقد تكون الأمور أكثر تقلبًا حال تفاقم محنة للفلسطينيين بسبب سياسات الحكومة القومية اليهودية المتشددة الجديدة في إسرائيل.

ويرى "دورسي" أن أحد العوامل في تفكير السعودية بشأن مصر هو تصور مفاده أن الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، التي رفضت الانغماس في حرب المملكة باليمن، لم تعد ذلك الحاجز الأمني في القارة كما كانت في السابق مع السودان، البلد الذي يمر بمرحلة انتقالية بعد ثورة شعبية اندلعت 2019.

وكان هذا أحد أسباب توقيع السعودية مذكرة تفاهم هذا الشهر بشأن التعاون الدفاعي مع تشاد، الدولة في منطقة مزقتها التمردات العرقية والجهادية.

وتشير المذكرة إلى اهتمام سعودي محتمل بلعب دور أمني في غرب أفريقيا بوقت تتراجع فيه فرنسا بينما تتقدم تركيا وإيران ومجموعة المرتزقة الروس "فاجنر"، التي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس "فلاديمير بوتين".

وفي العام الماضي، توسطت قطر في اتفاق سلام بين الحكومة التشادية وأكثر من 30 فصيلا معارضا ومتمردا، ومع ذلك رفضت 9 مجموعات، بما في ذلك جبهة التغيير والوفاق (أقوى فصيل متمرد)، التوقيع على الاتفاق.

قد تكون احتمالية تولي السعودية دورًا أمنيًا موسعًا بعيدًا عن شواطئها ضئيلة في المستقبل القريب، حسبما يرى "دورسي"، لكن إنشاء اللبنات الأساسية، التي تتضمن علاقات أوثق مع متلقي المساعدات الخارجية السعودية، من خلال قيود معقولة هو خطوة واحدة نحو ترسيخ النفوذ الجيوسياسي للمملكة.

المصدر | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر لبنان عبدالفتاح السيسي حزب الله محمد الجدعان السودان

السعودية ومصر.. كرة التوتر بدأت بالتدحرج فإلى أين ستصل؟

السعودية: مساعداتنا الإنسانية بلغت 95 مليار دولار خلال 70 عاما

مساعدات السعودية المشروطة.. إصلاح للدعم أم فرز للحلفاء؟ (تقرير خاص)