نفوذ الإمارات وقطر في ليبيا.. تحالفات متقلبة ومنافسة دائمة

الأحد 29 يناير 2023 01:57 م

"تطورت مقاربات أبوظبي والدوحة تجاه ليبيا بشكل كبير، لكنها اتسمت دائمًا بالتنافس".. هكذا وصف الباحث في الشأن الليبي "محمد الجارح" تغير سياسات الإمارات وقطر تجاه ليبيا في السنوات الـ 12 الماضية، مشيرا إلى أن كلا منهما لعب دورًا نشطًا في الحملة العسكرية للإطاحة بالزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي" في عام 2011.

وذكر "الجارح"، في تحليل نشره موقع "المونيتور" وترجمه "الخليج الجديد"، أن التنافس القطري الإماراتي في ليبيا، بعد الإطاحة بـ "القذافي"، مر بمراحل شملت تمويل وسائل إعلام وصفحات بشبكات التواصل الاجتماعي، واستخدام للروبوتات على "تويتر" و"فيسبوك"، وفي بعض الأحيان تقديم الدعم العسكري والمالي المباشر لوكلائهما وحلفائهما الليبيين.

لكن كلا من الدوحة وأبوظبي تبنتا نهجين مختلفين لنوع التحالفات التي سعتا إلى بنائها في ليبيا، فبينما طورت قطر تحالفات مع التيارات الثورية الإسلامية، طورت الإمارات تحالفات مع التيارات القومية وغير الإسلامية.

تحولات الصراع

وبين عامي 2011 و2014، كان لقطر اليد العليا في ليبيا مع حلفائها ووكلائها المنتشرين في جميع أنحاء البلاد من خلال التحالفات العسكرية والسياسية، وكان لحلفاء الدوحة اليد العليا في المجلس الوطني الانتقالي، ثم المؤتمر الوطني العام، رغم حقيقة أن تحالف القوى الوطنية، بقيادة الراحل "محمود جبريل" فاز في التصويت الشعبي بحوالي 50% من المقاعد التي كانت مخصصة للقوائم الحزبية بانتخابات 2012.

واجه حلفاء الإمارات انتكاسة تلو الأخرى خلال تلك الفترة، لكن الوضع تغير في عام 2014 عندما أصبح "خليفة حفتر" الحليف الرئيسي لأبوظبي، وبدأ ميزان القوى في الميل لصالح الإمارات بعد إطلاق "عملية الكرامة" في شرقي ليبيا.

وبحلول عام 2017، سيطرت قوات "حفتر" على بنغازي ودرنة، وهُزم حلفاء قطر الإسلاميون في كلتا المدينتين.

وفي طرابلس، طُردت فصائل المؤتمر الوطني العام، التي رفضت الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات، بقيادة "نوري أبو سهمين"، وحكومة الإنقاذ الوطني، بقيادة "خليفة الغويل" من المدينة، من قبل الموالين لحكومة الوفاق الوطني.

ونتيجة لهذا التحول، اضطر العديد من الشخصيات الإسلامية، بما في ذلك مفتي ليبيا "صادق الغرياني"، والزعماء السابقون للجماعات الإسلامية الليبية "خالد الشريف" و"عبدالحكيم بلحاج"، إلى الفرار من ليبيا في عام 2016 والإقامة بين قطر وتركيا.

وخلال هذه الفترة، شعرت الإمارات وحلفاؤها في ليبيا بالجرأة، ومن خلال الوساطة المباشرة بين رئيس المجلس الرئاسي السابق "فايز السراج" و"حفتر"، سعت أبوظبي إلى إيجاد طريقة لضمان سيطرة حلفائها على طرابلس.

ومع ذلك، فشل اجتماع أبوظبي 2019 والاتفاق الذي تلاه بين "السراج" و"حفتر" بسبب معارضة الجماعات المسلحة في طرابلس، وانتهى الأمر بالإمارات إلى قيادة ودعم قرار "حفتر" بخوض الحرب من أجل السيطرة على العاصمة الليبية.

وكانت تلك خطوة بعيدة جدًا بالنسبة للإمارات واستراتيجية أدت إلى نتائج عكسية لأنها تسببت في إلحاق ضرر كبير بسمعة أبوظبي على الساحة الدولية والمحلية.

علاوة على ذلك، فقد تعرض حليف أبوظبي الرئيسي "حفتر"، للإذلال عسكريًا على يد تركيا والقوات المتحالفة معها في طرابلس ومصراتة.

تحول إماراتي

وأشارت نهاية الحرب في عام 2020 إلى بداية تحول في استراتيجية الإمارات بليبيا، تم تفعيله لاحقا خلال عامي 2021 و 2022.

فبعد انتهاء المعركة في طرابلس عام 2020 وهزيمة قوات "حفتر"، ارتأت الإمارات أنها خسرت سنوات من الاستثمار في علاقاتها وفي بناء شبكات التأثير في شرقي ليبيا لصالح مصر، والتي تمكنت من التوسط في هدنة بين رئيس مجلس النواب "عقيلة صالح" و"حفتر" في مايو/أيار 2020، وتولت زمام المبادرة على الصعيد السياسي والدبلوماسي.

وبعد ذلك، انخرط الإماراتيون بشكل كبير في منتدى الحوار السياسي الليبي الذي تقوده الأمم المتحدة وتمكنوا من استخدام روابطهم الشخصية مع أصحاب المصلحة الليبيين بالإضافة إلى دبلوماسية الأعمال لتحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه من خلال دعمهم لعملية "حفتر" العسكرية في 2019.

عارضت الإمارات حلفاءها المقربين في فرنسا ومصر واختارت دعم تحالف رئيس حكومة الوحدة الوطنية ورئيس المجلس الرئاسي الليبي "عبدالحميد الدبيبة" و"محمد المنفي"، ضد تحالف رئيس مجلس النواب ووزير الداخلية الأسبق "عقيلة صالح – فتحي باشاغا"، التي كانت تدعمها باريس والقاهرة.

أسباب قائمة

ورغم أن القطريين كانوا داعمين لتحالف "الدبيبة – المنفي" وكانوا متناغمين إلى حد كبير مع الأتراك، إلا أنهم لم يتأثروا بتزايد النفوذ الإماراتي في طرابلس بعد فوز "الدبيبة" واستيلائه على السلطة في طرابلس.

في الواقع، اكتسب الإماراتيون نفوذاً كبيراً في طرابلس وأقاموا علاقات مع محاورين أمنيين رئيسيين مثل وزير الداخلية الحالي بالوكالة "عماد الطرابلسي" والجماعات المسلحة هناك، مثل مجموعة الدعم والاستقرار بقيادة "غنيوة الككلي"، واللواء 301 بقيادة "عبدالسلام الزعبي".

كما اكتسب الإماراتيون تعيين "فرحات بن قدارة" على رأس المؤسسة الوطنية للنفط، في محاولة لزيادة فرصهم في الحصول على حصة مربحة بقطاع الطاقة الليبي، وهي صفقة يجنون فوائدها بالفعل حاليا.

ومع ذلك، كان القطريون سعداء برؤية حلفائهم الليبيين القدامى، الذين نزحوا من البلاد منذ عام 2016، وهم يعودون ويستعيدون نوعًا من موطئ قدمهم في طرابلس.

واستجابة لنهج أبوظبي الاستباقي في العاصمة الليبية، عمدت الدوحة إلى بناء علاقات في شرقي ليبيا، بما في ذلك مع شخصيات داخل الجيش الوطني الليبي مثل "بلقاسم"، نجل "حفتر"، وضباط رفيعي المستوى في الجيش الوطني الليبي المؤيدين لثورة 17 فبراير/شباط، بالإضافة إلى مجلس النواب الليبي.

ورغم الانخفاض الكبير في دعم مختلف الدول المتدخلة في الشأن الليبي للأعمال العدوانية منذ توقيع وقف إطلاق النار في عام 2020، إلا أن الأسباب الجذرية للتوترات الأيديولوجية والتنافس الاستراتيجي بين الإمارات وقطر في ليبيا لا تزال قائمة.

ولذا تواصل قطر تبني أجندة مؤيدة للربيع العربي وللإسلاميين في تعاملها مع ليبيا، أما الإمارات، التي أعادت تقييم نهجها في ليبيا، لاتزال تتبنى نفس النظرة الاستراتيجية الشاملة تجاه شراكاتها المحلية.

وحتى عندما سعت أبوظبي إلى تنويع شراكاتها بعيدًا عن "حفتر" والجيش الوطني الليبي، اختارت بناء جسور وعلاقات مع شخصيات النظام الليبي السابق، مثل "الدبيبة" و"سيف الإسلام"، نجل "القذافي"، الذي يقيم كبار مساعديه بشكل رئيسي في دبي وأبوظبي. ويتماشى اتجاه الإمارات مع موقفها المناهض للإسلاميين بعد عام 2011.

وكما تعمل الإمارات على وضع نفسها كشريك أساسي للقاهرة في طرابلس، تضع نفسها أيضا كحارس بوابة لشرقي ليبيا بالقدر الذي يُشعر أنقرة بالقلق؛ إذ ترتبط مصالح تركيا الاستراتيجية في شرق البحر المتوسط جغرافياً بالمناطق الساحلية لمدينتي درنة وطبرق.

المصدر | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات قطر ليبيا معمر القذافي طرابلس عبدالحميد الدبيبة فتحي باشاغا خليفة حفتر عقيلة صالح مصر تركيا

خطوة تعزز الانقسام.. البرلمان الليبي يعدل منفردا "الإعلان الدستوري" لإجراء انتخابات

ليبيا.. اللجنة العسكرية المشتركة تقر آلية تنسيق حول المقاتلين الأجانب

الزعابي وشخبوط والشامسي.. عين بن زايد الموثوقة على ليبيا

أبوظبي.. مباحثات بن زايد والدبيبة تتناول الانتخابات الليبية 

من نيويورك.. قطر تجدد دعمها للانتخابات وجهود السلام في ليبيا